دراسة حالة _ المثنى سفّان_ syria press
سنواتُ الحرب التي مرت على شرق الفرات لم تكن هادئة ولا مستقرّة، إذ تعاقبت عليها الجهات الحاكمة المتصارعة، من الجيش الحر، “جبهة النُّصرة”، وتنظيم “داعش” إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مع بقاء جيوب متفرقة للنظام وحليفيه روسيا وإيران، ولأمريكا “حامية النّفط”، وكل منهم تركَ بصمته بالدّمار والانتهاكات اللاإنسانيّة التي لا يزال يعاني منها المدنيون.
لم تكن إقامة “الإدارة الذاتية” عاملًا للتهدئة بالمنطقة، بل على العكس، مع اتهامها بـالانفصالية من قبل النّظام السّوري، والتبعية لحزب “العمال الكردستاني” من قبل تركيا.
كأنني لستُ في سوريا، وكأنّ الحسكة المضيافة منذ مئات السّنين لم تعد كذلك، لقد أُقحمت هذه المدينة في قوانين دخيلة وجديدة على الشّعب السّوري، ولو سألتَ أهلها لرفضوا هذا الأسلوب الذي نُعامَل به اليوم في مدينتهم، هذا ما قاله أبو الحسن/مرعي الرمضان، مضيفاً أنّ الكفالة أو “بطاقة الوافد” ليست من “الإرث” الثقافي للسّوريين، على حدِّ تعبيره.
بطاقة الوافد، أو بـ “الانتهاك الصّريح للمادة 13 من القانون العالمي لحقوق الإنسان” هي ما وصف بها أبو الحسن الكفالة المطلوبة من الغُرباء عن مناطق “الإدارة الذاتية” أو حتى من سكانها الراغبين بالانتقال والاستقرار ضمن المنطقة الشرقية.
المادة 13_ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
1_ لكل فرد الحق في حرية التنقل، واختيار محل إقامته في حدود الدولة.
2_ لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إلى بلده.
إجراءات معقدة
أبو محمد سائق تكسي في خريف العمر من “آل الحيجي” مولود في مدينة الحسكة في العام 1965م، نُفوسه دير الزور المدينة، أُجبر على استخراج بطاقة وافد.
وهذا يُبطل زيف الادعاء بأنّ بطاقة الوافد فقط للقادمين الجدد (المهجّرين) بعد العام 2011م، هذه الحالة مع العديد من الحالات التي تم توثيقها عن طريق فريق “سيريا برس“.
تتطلب معاملة استخراج بطاقة الوافد ورقة من “الكومين” (وهو أشبه بمختار الحي)، مصدّقة من “دار الشّعب”، تُقدّم لـمديرية السّجل المدني، التي تُرسلها بدورها إلى “الأمن الداخلي” للحصول على “موافقة أمنية”، وهذا يتطلب فترة زمنية، قد تصل أحياناً إلى أكثر من شهر.
وتفرض “الإدارة الذاتية”، مُنذ تشكيلها عام 2014، على النازحين والمهجّرين العرب من المناطق والمحافظات الأخرى، بعد عام 2011، استخراج “بطاقة الوافد” مقابل السّماح لهم بالدّخول إلى مناطق سيطرتها، وضرورة إجراء المعاملة التي ورثتها من نظام “وحدات حماية الشّعب” الحاكمة للمنطقة سابقاً.
بطاقة الوافد هي إجراء روتيني عنصري من قبل “قسد” مدتها ستة أشهر، إذ يتعين على الشخص النازح/المهجّر تقديم صورة عن هُويّته الشخصية وعقد إيجار، بالإضافة لوجود كفيل وشاهد على أن يكون الكفيل من أبناء المنطقة التي يقيم فيها طالب الكفالة.
اتخاذ هذا الإجراء بحق المتنقلين بين المدن والبلدات الواقعة تحت سيطرة “الإدارة الذاتيّة” في شمال شرق سوريا، زاد من مآسي أهالي تلك المناطق النّازحين والهاربين من مناطق سيطرة النّظام السّوري وخاصة أبناء محافظة دير الزور، إذ أصبح لا يحق لأبناء دير الزور في المناطق الواقعة تحت سيطرة “قسد” دخول الحسكة والقامشلي وحتى منبج إلّا بعد إبراز (بطاقة وافد) رغم أن المنطقتين تخضعان لنفس السّيطرة، الأمر نشر الكثير من المخاوف بين الأهالي بعد طلب البطاقة للأشخاص الذين يخالف نفوسهم مكان إقامتهم، وبشكل خاص آلاف العائلات من أبناء دير الزور.
الضرورات الأمنيّة
ذكرت الصفحات الرسميّة لــ”الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا على فيسبوك، أنّ “بطاقة الوافد” ليست إجراءً عنصرياً كما يُروّج البعض، بقدر ما هي إجراء أمني، وتحاول مؤسساتنا مع مرور الوقت إيجاد صيغ وآليات لتخفيف التعقيدات عند استخراجها، مع الحفاظ على الضرورة الأمنية بالدّرجة الأولى.
لا تخلو مناطق “الإدارة الذاتية” من التفجيرات ومحاولات الاغتيال، والإعلان المتكرر من قبل “قوى الأمن الداخلي” (الأسايش) القبض على ما تصفها بالخلايا النّائمة، التي تتبع للنّظام السّوري أو تنظيم “داعش”.
بعض القصص الهامة
قام فريق سيريا برس بإجراء استطلاع للرأي العام داخل مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطيّة “قسد” وذِكر بعض الحالات والقصص التي شهدتها بعض العائلات، فكانت لنا الردود التالي:
- ذكر السّيد هفل.م أنّه من العجب العجاب في مناطق سيطرة “قسد” لا يمكنك التنقل من مكان إلى آخر إلّا بعد إجراء بعض المعاملات واستخراج بعض الثبوتيات تحت ذرائع متعددة، الشيء الذي يجعلك تشعر بأنّك على حدود دولة أخرى أو أنك لستَ من سكّان هذا البلد.
- اعتبر محمود.ك أنّ ما يُسمى بـ “بطاقة وافد” ما هو إلّا دليل على فشل إدارة “قسد” التي تزيد من معاناة أهالي المنطقة الشرقية بدعاوى باطلة، فبدل من توفير أدنى سبل المعيشة والكف عن سرقة مقدرات المنطقة والتفرُّد فيها مع الفاسدين بتلك الإدارة، تُمارس “قسد” ضغوط جديدة بحق أهالي المنطقة.
- يقول محمود السطّام: لأننا مهجرون قسرياً، ولسنا وافدين نرفض استخراج أو فرض بطاقة الوافد.
- إسماعيل مُلّا: مازلتُ عالقاً في مدينة الحسكة وبعد مراجعة الجهة المسؤولة عن استخراج بطاقة الوافد تم إبلاغي أنّ البطاقة الشخصية العائدة لي تم إرسالها إلى مكتب الوافدين في دير الزور، اليوم لم أعد قادراً على العودة إلى منزل أهلي في قرية الحريجي بريف دير الزور الشرقي دون بطاقة شخصية “هُويّة” بسبب الحواجز على طريق الحسكة – دير الزور “طريق الخرافي”.
قام والدي بمراجعة مكتب الوافدين في دير الزور لاستلام الهُويّة الشخصية فكان الرد: يجب أن تستخرج العائلة كاملة بطاقة وافد ومن ثم يتم تزويدك (ولي أمر إسماعيل) بكتاب يسمح بعودة ابنك إسماعيل إلى دير الزور، ومن ثمّ يقوم إسماعيل بمراجعة مكتب الوافدين بدير الزور ويستخرج بطاقة وافد ويسترد بطاقته الشخصية “أي الهُوية”.
لأخذ العلم:
إسماعيل مواليد 2004 مهجّر من غرب نهر الفرات.
يقطن في قرية الحريجي في ريف دير الزور الشّمالي الشرقي هو وأهله، سافر إسماعيل إلى الحسكة لتلقي العلاج في مشافي الحسكة، وفي طريق العودة عند وصوله إلى حاجز البانوراما (مدخل مدينة الحسكة) تم سحب البطاقة الشخصية منه لحين استخراج بطاقة وافد.
حالياً إسماعيل في مدينة الحسكة منذ أكثر من شهر ونصف غير قادر على العودة إلى منزل أهله في قرية الحريجي في ريف دير الزور.
كيف يستخرج اسماعيل بطاقة الوافد ومنزل العائلة في الحريجي بريف دير الزور؟!
كيف يعود اسماعيل إلى منزل ذويه وليس معه أي إثبات للشخصيّة؟!
- يطرح محمد.م، سؤالين برسم المعنيين في شمال وشرق سوريا:
- طالما أنكم تعتبرون أبناء محافظة دير الزور غرب نهر الفرات وافدين، كيف يتم سوق أبنائهم لواجب الدفاع الذاتي كما يُسمى …؟!
- الشباب الذين تم سوقهم لواجب الدفاع الذاتي وقتلوا نتيجة أعمال عسكرية أو غيرها، على حساب من انتهت حياة هؤلاء الشاب طالما هم ليسوا من أبناء المنطقة وليسوا من ضمن النسيج الاجتماعي المتجانس، على حد زعمكم …؟!
بالرغم من حالة الاستياء لدى سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطيّة “قسد”، والتي تعاني من الانفلات الأمني وعدم الأمان، وتردي الأوضاع المعيشيّة والخدميّة وغلاء الأسعار والبطالة والفساد، والمحسوبيات، تضاف هذه المأساة إلى سلسلة انتهاكات “قسد” اللاإنسانيّة بحق الأهالي والمدنيين.
وبحسب وكالة “هاوار” المقرّبة من “الإدارة الذاتية”، أصدرت مديرية “السّجل المدني” في مدينة الرقة خلال عام 2019 وحده 25,688 بطاقة خاصة بالوافدين (كفالة)، من أصل 50 ألف بطاقة وإثبات أصدرتها المديرية في العام نفسه، وتشمل بطاقة المقيم التي تُعطى لمن فقد إثباته الشخصي من سكان الرقة الأصليين.
دراسة حالة _ المثنى سفان