أصبح الظرف مؤاتياً بعد عام 2011 لنشوء نواة لمجتمع مدني حقيقي سوري، يقدّم خدماته المجتمعية لعناصر المجتمع كافة.
وتعرّف هيئة الأمم المتحدة المنظمات التي تهتم بالمرأة ” بأنها مجموعات المجتمع المدني التي تتألف عضويتها وقيادتها من النساء بشكل أساسي”، وتعتبر منظمات حقوق المرأة مجموعة فرعية من هذه المنظمات، وتشمل المجموعات والجمعيات والحركات الهادفة إلى دعم ونشر أجندة حقوق المرأة، ويكون شكل المنظمات على صورة مجموعات المساعدة الذاتية غير الرسمية، أو تجمعات أفقية، إلى منظمات غير حكومية رسمية وطنية أو دولية، أو شبكات عبر الوطنية، والتي يمكن أن تعمل جميعها بشكل مستقل أو بالتعاون مع الدولة.
كان قرار مجلس الأمن رقم (2254) الصادر في 18 كانون الأول 2015، والذي شجع على مشاركة المرأة على نحو هادف في العملية السياسية، التي تتولى الأمم المتحدة تيسيرها من أجل سوريا، حافزاً هاماً للعديد من منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية والعاملة في الشأن السوري، لتبني عليه خططاً واستراتيجياتٍ، تهدف إلى تمكين المرأة وتأهيلها، ورفع قدراتها للمشاركة في مواقع القرار في سوريا المستقبل.
المنظمات العاملة في تركيا
وذكرت الموسوعة التركية التي تصدر باللغة العربية: “أن تركيا تحوي على كثير من المنظمات المحليّة غير الحكومية، هذه المنظمات تهتم بمختلف الشؤون العامة والخاصة للمواطنين، بينها كثير من المنظمات التي تهتم بشؤون المرأة بشكل أو بآخر.”
أمام هذا العدد الكبير من المنظمات، والتي لا شك أنها زادت عن المرحلة السابقة، فإن أوضاع المرأة التركية لا تزال مثل أوضاع نظيراتها في جميع أنحاء العالم، فهي لم تحصل على كامل حريتها، ولا تزال تناضل ضد السلطة الأبوية دون يأس (نظرة على تاريخ الحركة النسوية في تركيا للكاتبة سمية الكومي)، وفي هذا الاتجاه تقول الكاتبة دنيز قانديوتي: “تحررت المرأة في تركيا، لكنها لم تصبح حرة”.
في حين أن تضخم أعداد المنظمات يشير إلى حقيقتين، وهما أن كثرة المنظمات تعني أن مسألة حقوق النساء هي أمر بات يمس شرائح واسعة من المواطنين، كما يعني في الوقت عينه، أن كثرة الجمعيات تخفي في طياتها فشلاً في تحقيق نتائج ملموسة، وسط غياب شبه دائم لتوحيد الجهود التي تبذلها المنظمات وناشطوها.
وقد أولت منظمة الأمم المتحدة حقوق المرأة أهمية خاصة، فكان لها ولفروعها ووكالاته المتخصصة الدور البارز في هذا الشأن، والذي يتجلّى في إبرام العديد من الاتفاقيات والإعلانات، وخاصة “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979″، والتي باتت أحكامها قواعد قانونية دولية ملزمة على نطاق واسع، وكذلك صدر عن المنظمة العديد من التوصيات والقرارات، التي تُعنى بشأن المرأة، وتساعد على تقدمها وإسهامها في بناء المجتمع.
تقول السيدة لميس الرحبي مديرة منتدى (ورد البلد): “إن سورية تعاني من أزمة إنسانية، وإن استمرار الصراع أدّى لمزيد من نقاط الضعف للنساء والفتيات، وأدّى إلى تفاقم التفاوتات القائمة على النوع الاجتماعي، بالنسبة لتمكين المرأة السياسي والاقتصادي، الذي تبنته المنظمات ولاسيما النسائية منها”.
وتضيف الرحبي: “رغم ذلك، هناك صعوبات في تقديم ما تصبو إليه من أجل تحقيق أهدافها، منه ضعف الدعم، وإن كان هناك دعمٌ من جهة خارجية، فالمطلوب كثير من التدقيق من إدارة الجمعيات، للحفاظ على صورتها النقية، بالشكل القانوني، وأما عن موضوع مشاركة المرأة في القيادة السياسية، فهي من الصعوبة بمكان، بسبب بعض الأفكار غير الدقيقة، وهي أن المرأة ضعيفة عاطفيًا، وغير قادرة على القيام بأدوار رسمية في صنع القرار في المجتمع”.
وتعتقد الرحبي أنه: “يقع على عاتق الأحزاب السياسية، والحكومات، والمجالس المحلية، وغيرها، القيام بدورها لتمكين النساء كقائدات في المؤسسات المحلية والوطنية”.
من جانبه يقول محمد نور موسى الأمين العام لحزب بناء سوريا الديمقراطية: “بأن من أهم الصعوبات التي تواجهها المنظمات النسوية، هي اختلاف عقليات أرباب الأسر حول حرية المرأة، وهذا الأمر، يؤدي في بعض الحالات إلى حرمان المرأة من حقها في ممارسة نشاطها كعضوة في أحد المنظمات النسوية، إذا كان زوجها أو أبوها أو أخوها ذا عقلية رجعية غير متحررة”.
ويرى موسى: ” أن الجانب المالي يلعب دوراً في نقص اللوجستيات، التي تعتبر باهظة الثمن في بعض الأحيان، أما فيما يخص الحكومة التركية، من ناحية عمل المنظمات النسائية، فهي تسهّل وتيسّر القوانين، التي من شأنها عدم عرقلة عملنا بالشكل المطلوب، وكذلك الأكاديمي، فكل ما هو قانوني بالنهاية، لا يمكن لأحد عرقلته.
وحول “اتفاقية القضاء على كلّ اشكال التمييز” ويأتي في طليعتها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وخاصة ما يتعلق منها بمشاركتها السياسية، فهذه الاتفاقية لم تترجم إلى قرارات تنفيذية، وتوصيات فعلية ملزمة، تعاقب بها الدول الأطراف المخالفة لبنود الاتفاقية، والتي قد انتهكت حقوق المرأة، أو التي لم تبادر بعد لتعزيز مشاركتها في الحياة السياسية، ومساواتها بالرجل”.
ولكن ينبغي تسليط الضوء على عجز كثير من المنظمات النسائية عن تلبية معظم احتياجاتها الملحة، والمتغيّرة باستمرار، جرّاء التغيّر المتواصل للأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مما يجعلها تكافح بأقصى قدراتها لمواصلة سعيها لتحقيق التغيير الاجتماعي.
وفي ذات الوقت، عليها تلبية شروط الجهات المانحة، وسياساتها، وأجنداتها التقييدية، حيث
يشكّل التمويل المشروط، أي الذي لا يمكن استخدامه إلا لأغراض محددة، بموجب شروط الجهة المانحة، يشكّل تحدياً متزايداً لمنظمات المجتمع المدني القاعدية، العاملة على تحقيق السلام النسوي في سوريا.
أثر جائحة كوفيد-19 على المنظمات المدنية
في عام 2020، مع انتشار جائحة كوفيد-19، التي فرضت تحديات إضافية غير متوقعة على المنظمات الشريكة، وأدّت إلى تحولات جذرية في أولويات الجهات المانحة، استطاع التمويل المرن مساعدة المنظمات، على تكييف خططها بشكل فعّال، من أجل تخفيف الصعوبات، وتلبية احتياجاتها العاجلة.
وقد أفادت منظمة نساء ديمقراطيات: “بأن حصولها على تمويلٍ مرن، قد ساعدها على متابعة تنفيذ أجنداتها النسوية طويلة الأمد، من خلال تخفيف الضغوط الناجمة عن تلبية تكاليف المتطلبات الأساسية، مما أتاح لها الوقت والموارد اللازمة، للتفكير والعمل بشكل استراتيجي، والتركيز على الأهداف الأساسية”.
دعم الصحة النفسية وبناء القدرات
تفتقر عدّة منظمات عاملة في المجال النسوي إلى الدعم الفني، وإلى فرص التشبيك والتنسيق اللازمة، لجعلها كيانات أكثر استدامة، فعملهنّ الميداني مع النساء والأطفال، وغيرهن من المتضررات/ين بشكل مباشر، وغير متناسب، من عدم الاستقرار والنزاع، الذي يهدد أسرهم وذويهم في سوريا يسبّب أضراراً بالغة على الصحة النفسية، ما يتطلب دعماً عاجلاً.
تقدّم المنظمات النسائية الدعم النفسي الاجتماعي، كما تعقد البعض منهن ندوات حوارية، تركّز على بناء المعرفة بالمبادئ النسوية المرتبطة بالبيئة المعنية، وإدراج الأساليب النسوية في الأنظمة والأنشطة التنظيمية.
تقدّم المنظمات النسائية الدعم النفسي الاجتماعي، كما تعقد البعض منهن ندوات حوارية، تركّز على بناء المعرفة بالمبادئ النسوية المرتبطة بالبيئة المعنية، وإدراج الأساليب النسوية في الأنظمة والأنشطة التنظيمية.
وتتناول هذه الندوات مواضيع معينة، كالحوكمة النسوية، والقيادة النسوية والمشاركة السياسية للنساء، وآليات معالجة شكاوى التحرش والتنمر في العمل، والعنف ضد المرأة وغيرها.
وقد ركّزت ندوات تدريبية أخرى عبر الإنترنت، على الرصد والتقييم والتعلّم النسوي، وعلى التمويل الجماعي والآليات الدولية لحقوق الإنسان. وقد أفضت جميع هذه الفرص التدريبية إلى تنمية مهارات وقدرات المنظمات الشريكة، وتمكينها من متابعة أجنداتها النسوية، ووصفت منظمات كثيرة هذه الندوات، بأنها ذات أثرٍ تحويلي وعميق.
الدعوة إلى عدالة انتقالية تراعي النوع الاجتماعي
لا يمكننا نسيان أن المساواة بين الجنسين، هي حق أساسي من حقوق الإنسان، نصّت عليه المادة رقم 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، على أن “جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق”.
كما نصّت المادة رقم 2 على أن “لكل فرد الحق في جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان دون تمييز من أي نوع، كالعرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الميلاد، أو أي وضع آخر.
تتطلب الاستجابة المستدامة من قبل منظمات حقوق المرأة اعترافاً وإقراراً عاماً واسع النطاق بدورها الحيوي، حيث يمكن أن يساهم الاعتراف الرسمي بمنظمات المجتمع المدني كجهة تقدّم خدمات أساسية، في ضمان استدامة خدماتهم المنقذة للحياة غالباً، من خلال تسهيل وصولهم إلى الإعانات الحكومية، وعمليات صنع القرار، ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة (مشروع التتبع العالمي للاستجابة)، مع الخدمات التي تمنع العنف ضد النساء والفتيات، وتستجيب له على أنه ضرورة، مما يعني أن القوى العاملة في هذه القطاعات يمكن أن تواصل تقديم الدعم والمأوى للناجيات، ويتعيّن إعفاؤهم من قيود التنقل وأنهم مؤهلون للحصول على التمويل في حالات الطوارئ.
دعم الجهات المانحة للمنظمات النسائية
هناك عدد من الصناديق والمَنح التي تدير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بعضها إدارة مباشرة وتستفيد منها عناصر المجتمع المدني، بما فيها المنظمات غير الحكومية، والمنظمات الجماهيرية، والرابطات المهنية، وأنشطة المجتمع المدني في بعض مجالات حقوق الإنسان والأفراد، ويمكن أن تقدِم هذه الصناديق منحاً مالية لدعم الأنشطة الواقعة في إطار ولايتها. وتدير مفوضية الأمم المتحدة وغيرها من مكاتب الأمم المتحدة عدة صناديق ومنح، لدعم عناصر المجتمع المدني في بعض الظروف. وتتلقى الصناديق، كما تتلقى بعض المنظمات النسائية تبرعات من الحكومات، ومن بعض الجهات غير الحكومية، ومن الكيانات الخاصة أو العامة الأخرى، ومن الأفراد، لتوزيع هذه الأموال حسب أولويتها.
كما يحق لمنظمات المجتمع المدني، مثل المنظمات غير الحكومية والمنظمات الجماهيرية والمجموعات المجتمعية والرابطات المهنية، تقديم طلبات للحصول على أموال الصناديق والمنح. وفي بعض الحالات يجوز للأفراد تقديم طلب للحصول على التمويل. وينبغي لعناصر المجتمع المدني التي تريد تقديم طلب للحصول على هذه الأموال، أن تقرأ بعناية المبادئ التوجيهية، وأن تكفل أنها تفي بالاشتراطات الإدارية وغيرها من الاشتراطات.
اتفاقيات دولية لحماية المرأة
في نفس الوقت، وضعت الأمم المتحدة اتفاقية لحماية حقوق المرأة، ووقف جميع أشكال التمييز ضدها، ويُطلق عليها اسم “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، وقد وقّعت جميع بلدان الأمم المتحدة تقريبًا على اتفاقية حقوق المرأة، وهذا يعني، أن جميع البلدان ملزمة بفعل كل ما هو ضروري لإنهاء التمييز ضد الفتيات والنساء، ومن الجدير بالذكر أن السويد وقّعت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1980.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948
جاء في المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الانسان: “حق كل إنسان في التمتع بحقوق الإنسان، والحريات الأساسية، دونما أي تمييز من أي نوع كان، لا سيما التمييز بسبب الجنس”. وقد شكّل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان محطة مهمة في تاريخ حقوق النساء، إذ اعترف بشكل واضح وصريح بالمساواة، وبالحقوق المتساوية بين الجنسين، وقد شجّع الإعلان على صدور اتفاقيات تتعلّق بالنساء فقط، فصدرت ثلاث اتفاقيات على التوالي خاصة بالنساء.
تعمل المنظمات النسائية، ومنها “شبكة حماية المرأة” (شمس) في ولاية غازي عنتاب، حسب ما زودنا به الاستاذ أسامة عاشور وهو ناشط مدني ونسوي، على تأمين الحماية والرعاية الصحية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية، وفق برامج تنمية مستدامة، كما تسعى المنظمات إلى تغيير الصورة النمطية للمرأة السورية، وتعزيز مشاركتها الفاعلة، وصولًا إلى المناصفة في مراكز صنع القرار السياسي، والتصدي لثقافة التهميش والإقصاء والقهر والظلم الاجتماعي تجاه النساء، ونشر ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان والمساواة في المجتمع السوري.
ويبقى تضمين الدستور والقوانين السورية المساواة التامة للنساء في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي جميع مجالات الحياة العامة والحياة الأسرية أمام القانون هدفاً تسعى من أجله المنظمات النسائية.
أسامة آغي _ نينار برس