قبل نحو أسبوع، أطلق وزير التجارة الداخلية في حكومة النظام، عمرو سالم، وعداً بانخفاضٍ قريبٍ في أسعار السلع بالأسواق. وبعد أربعة أيام فقط، من إطلاق هذا “الوعد”، أصدرت وزارته قراراً رفعت بموجبه أسعار 16 سلعة أساسية، بنسبٍ تتراوح ما بين 10 و15%. وهذا الرفع الرسمي للأسعار هو الثاني في غضون أقل من شهر. إذ سبقه رفعٌ رسمي للأسعار بنحو 10%. أي أن الأسعار الرسمية ارتفعت 20 إلى 25%، في أقل من شهر.
فهل كان الوزير يسخر من الجمهور السوري حينما أطلق وعده بانخفاض قريب في الأسعار؟ لا نظن ذلك. فتصريح الوزير ركّز على مقترحات رفعها للجنة الاقتصادية بحكومة النظام، بخفضٍ للرسوم، بهدف توفير كميات أكبر من المواد الغذائية في الأسواق، وبالتالي، خفض أسعارها. وقد نجد في تشريح تصريح الوزير هذا، فهماً أوضح للأسباب العميقة للارتفاع المتسارع لأسعار السلع في الأسواق السورية، منذ أسابيع. فهو أولاً، يقرّ بمحدودية عرض السلع، كأحد أسباب ارتفاع أسعارها. أي أن تصريحات ممثلي قطاع التجار، حول عزوف بعضهم عن الاستيراد جراء المعوقات التي يفرضها البنك المركزي، وصعوبة الحصول على القطع الأجنبي، وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلك السوري، صحيحة. وثانياً، يشير تصريح الوزير إلى رسومٍ، تشكل جانباً من أسباب ارتفاع الأسعار.
فعن عن أية رسوم يتحدث الوزير؟ هذا ما قد يُعد مفاجأة لغير المعنيين بالنشاط التجاري في سوريا. فحكومة النظام تتقاضى من التاجر رسوماً مزدوجة، الأولى جمركية، والثانية لصالح الإدارة المحلية وإعادة الإعمار. وقد ارتفعت الرسوم الجمركية مع الرفع الرسمي لسعر صرف الدولار قبل نحو شهر. وارتفعت معها رسوم الإدارة المحلية وإعادة الإعمار، بحيث أصبح التسديد على التاجر، مُضاعفاً، وفق إقرار الوزير نفسه. وحينما سألته وسيلة إعلام محلية، عن تفسير أن يكون سعر زيت دوار الشمس في بلدان أوروبية، أرخص منه في سوريا، أقرّ بأن ذلك بسبب “الرسوم الإضافية” إلى جانب الشحن والجمارك. هذه “الرسوم الإضافية” كانت موضع اعتراف أيضاً من جانب مدير عام الجمارك، قبل نحو أسبوعين، على هامش حواره مع ممثلي غرفة تجارة دمشق، حينما أقرّ بتعدد المبالغ التي يتم احتسابها وجبايتها على أساس الرسم الجمركي، لكنه نفى التهمة عن جهازه، مشيراً إلى أن ضبط التكاليف “غير المنظورة”، يتطلب تعاوناً بين جميع الأطراف.
هذه الحيثية بالذات، هي موضوع “وعد” وزير التجارة الداخلية، بانخفاض قريب في الأسعار. فمقترحاته إلى اللجنة الاقتصادية، تقضي بإلغاء “الرسوم الإضافية (إدارة محلية، إعادة إعمار)”، لتخفيض التكاليف عن المستورد، وهو ما يجب أن يؤدي إلى انخفاض الأسعار النهائية الموجّهة للمستهلك.
يكشف العرض السابق أربعة جوانب مهمة في المشهد الاقتصادي السوري. الأول: مدى مبالغة حكومة النظام في تنفيذ دورها الجبائي، وقنوات صرف ما يتم جبايته. فالحكومة تحمّل السوريين عبء إعادة إعمار وهمية، لا تحدث على أرض الواقع، بل وتحمّلهم أيضاً عبء عمل مؤسسات الإدارة المحلية، التي تدير بدورها المخططات التنظيمية للمناطق المُستملكة والمستولى عليها، والتي من المزمع أن تتحول إلى مشاريع عقارية لصالح شركات أمراء الحرب وأثريائها المقرّبين من رأس هرم النظام، على غرار مشاريع “ماروتا سيتي”، و”باسيليا سيتي”. الجانب الثاني: هو أن حكومة النظام بعد فترة من الضغط على التجار، وجدت نفسها في حالة عجز عن توفير سيولة من السلع في الأسواق، فاضطرت لاحقاً للتفاوض معهم للوصول إلى تسويات تتيح توفير السلع بكميات مقبولة، مجدداً. وهو ما يكشف عن قوة القطاع التجاري في سوريا. أما الجانب الثالث، وقد يكون الأهم: أن تفاوضَ الحكومة مع التجار للوصول إلى تسعيرات مُرضِيَة لهم، يعبّر عن عجز الحكومة عن تمويل شراء المواد الأساسية، مما يؤكد تفاقم عجز الخزينة، وهو ما يطرح تساؤلات حول أثر هذا العجز على متوالية الانهيار المتواصل لسعر صرف الليرة السورية. وهو ما يقودنا للجانب الرابع: أن تهاوي سعر صرف الليرة ليس السبب الوحيد لتحليق أسعار السلع، بل يبدو وكأنه “شمّاعة” للحكومة والتجار، في آن، بحيث باتت أسعار السلع في سوريا أغلى من دول الجوار. وبات المنتج المحلي أغلى من المستورد، في كثير من الأحيان. وإن كان انهيار سعر صرف الليرة، أمر لا يمكن التحكم به، جراء تراجع مصادر القطع الأجنبي، فإن الأسباب الأخرى لارتفاع الأسعار، وبالتحديد منها، الرسوم غير المبررة، التي تجبيها الحكومة من التجار، ويعكسها هؤلاء على المستهلك، يمكن إيجاد حلٍ لها.
فهل يستطيع عمرو سالم تحقيق “وعده” بهذا الخصوص؟ وهل تُولي الحكومة جانباً من الاهتمام لمعيشة السوريّ، بدلاً من تركيزها على الجباية فقط؟ نأمل أن نكون مخطئين، لكن من الصعب توقع تطورات إيجابية كتلك التي بشّر بها وزير التجارة الداخلية على هذا الصعيد، نظراً لخبرة السوريين الطويلة مع حكوماتهم. لذلك، حينما أطلق الوزير “وعده” بانخفاض قريب للأسعار، كتب سوريون تعليقات متشائمة في وسائل التواصل، وسألوا الله، عن خير هذا “الوعد”، معبّرين عن خشيتهم من أن تتبعه قفزات في الأسعار، سرعان ما تحققت بالفعل.
إياد الجعفري _ المدن