ما إن نشرت شبكة “دويتشه فيله” الألمانية تقريرًا يتحدث عن تنظيم وكالات سفر غربية رحلات سياحية لمواطنين أوروبيين إلى سوريا، حتى بدأ النظام السوري باستثمار التقرير والترويج للسياحة في مناطق سيطرته.
في 1 من تشرين الثاني الحالي، نشر موقع وزارة الإعلام في حكومة النظام تقريرًا بعنوان “سوريا تعود وجهة سياحية لوكالات السفر الأوروبية”، تناول فيه تفاصيل تقرير شبكة “”DW”.
واعتبر وزير السياحة السوري، محمد رامي مارتيني، في تصريحات نقلتها وكالة “سبوتنيك” الروسية في اليوم نفسه، أن هذه الأنباء “خطوة مشجعة على الصعيد الاقتصادي”.
وتحدث مارتيني عن وجود طلبات مقدمة من عدد من دول العالم لتسيير رحلات سياحية إلى سوريا، مشيرًا إلى استقبال المعنيين في وزارة السياحة، في 30 من تشرين الأول الماضي، مجموعة سياحية إيطالية كانت تزور دمشق وحلب.
وقال الوزير، لم يتم الاستئناف الكامل للحركة السياحية إلى سوريا، إذ يخضع ذلك للإجراءات الاحترازية المتبعة في البلاد لمكافحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) والتأمين الصحي الشامل، وذلك بالتنسيق بين وزارات السياحة والداخلية والصحة.
ولا توجد رحلات جوية مباشرة من أوروبا إلى سوريا، إذ لم تستأنف شركات الطيران العالمية والأوروبية رحلاتها، وتعود الطائرات التي تهبط في المطارات السورية بشكل مباشر إلى حكومات دول حليفة للنظام السوري، كإيران وروسيا والعراق والإمارات، إلى جانب الطائرات التابعة لشركات الطيران السورية.
كما أن شركات الطيران السورية ممنوعة من تسيير رحلات إلى الاتحاد الأوروبي بموجب العقوبات المفروضة عليها من قبله.
بوابة للتطبيع مع النظام
تُعد هذه الرحلات للأوروبيين إلى مناطق سيطرة النظام السوري شكلًا من أشكال التطبيع مع النظام، إذ تحكم المصالح العلاقات السياسية بين الدول، ويمكن أن تكون لاحقًا بداية لإعادة العلاقات معه، لأن هؤلاء المسافرين يذهبون إلى سوريا ويروون ما رأوه فيها عند عودتهم إلى بلدانهم، بحسب مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد.
وقال الأحمد لعنب بلدي، إنه لا يمكن للمنظمات الحقوقية منع الأشخاص من السفر إلى سوريا، لكن يمكن تسليط الضوء على نتائج هذه الرحلات من تطبيع مع النظام، أو تعويم له، أو المشاركة في استفادة مؤسسات فاسدة تابعة له، أو الإضرار بنشاطات معيّنة، أي خلق مناصرة في هذا الاتجاه.
والسياحة سلاح تستخدمه الدول، فعلى سبيل المثال، إذا كانت العلاقات جيدة بين تركيا والسعودية فإن حركة السياحة تنشط، والأمر ينطبق على بقية الدول، وفي الحالة السورية، فإن السماح بالسفر هو إشارة إلى وجود تطبيع مع النظام، بحسب ما أضافه.
ولا يتعارض سفر الأوروبيين إلى سوريا مع العقوبات المفروضة على النظام السوري من الاتحاد الأوروبي، لأنها عقوبات أحادية الجانب على شخصيات وأشخاص محددين لا تتبناها جميع الدول، والأمر ينطبق على العقوبات الأمريكية، وفق الأحمد، لكن يمكن أن يتضرر الأشخاص المتعاملون مع الشركات السورية الموضوعة على قوائم الإرهاب أو قوائم العقوبات.
مكاسب اقتصادية
تعد القدرة على جلب العملة الصعبة إلى سوريا وتشجيع الآخرين على فعل الشيء نفسه، ما يؤدي إلى تمويل حملات الأسد العسكرية بشكل فعال، بما في ذلك ضد المدنيين في إدلب ودرعا، أحد المخاطر الكامنة وراء رحلات السياح الغربيين، بحسب تقرير بعنوان “سياحة ما بعد الحرب: كيف تدعم السياحة الحكومة السورية” صادر في تموز الماضي، عن “المركز السوري للعدالة والمساءلة”.
ونظرًا إلى أن من المستحيل على السياح استبدال الليرة السورية بأموالهم خارج البلد، يمكن لحكومة النظام الاعتماد على المسافرين لنقل الأموال إلى البلد، وفقًا للتقرير.
وعلى الرغم من حظر استخدام الدولار الأمريكي في مناطق سيطرة النظام، يمكن للمسافرين استبدال الليرة السورية بأموالهم بسهولة عند نقاط الوصول في المنافذ الحدودية.
وقال التقرير، إن من المتوقع أن يدفع السياح مقابل التصاريح الأمنية وتأشيرات الدخول إلى سوريا، ولا يمكن الحصول على التصاريح الأمنية إلا عن طريق حجز الرحلات من خلال وكالة سياحة وسفر معتمدة من الدولة، والتي ستفرض بدورها أن يكون السائح مصحوبًا بمرشد سياحي في جميع الأوقات.
وغالبًا ما تكون رسوم هذه التصاريح مبهمة، بحسب التقرير، نظرًا إلى أن منظمي الرحلات السياحية يمكنهم بسهولة اقتطاع رسوم إضافية.
ماذا يمكن فعله؟
بيّن تقرير “المركز السوري للعدالة والمساءلة” أنه لا يمكن حظر السفر إلى سوريا تمامًا، إذ سيجد المسافرون دائمًا طريقة للدخول، ولكن يجب فعل المزيد لتثبيط “السياح المغامرين”، الذين يشجعون إنفاق الأموال التي تدعم حكومة النظام.
ويجب أن تشمل الإجراءات إبعاد سوريا عن المنتديات، مثل “معرض السياحة الدولي” الذي يمنح النظام منصة لمشاركة دعايته، بالإضافة إلى الضغط على شركات الطيران لعدم تسيير رحلات جوية إلى البلد.
ولا ينبغي تشجيع السياحة إلا بعد التوصل إلى اتفاق سلام عادل، وبعد ضمان عودة كريمة لمئات الآلاف من السوريين الذين نزحوا قسرًا، بحسب التقرير.
ولفت التقرير إلى ضرورة إجراء مزيد من التدقيق على الأفراد الذين يروّجون للسياحة في سوريا، وما إذا كانوا ينظمون هذه الرحلات بمبادرة ذاتية منهم أم أنهم يتلقون تمويلًا من مصادر خارجية.
كما أن المؤثرين في مجال السفر يتحملون مسؤولية الوعي بالتأثير المجتمعي لعملهم في تشجيع السفر إلى مناطق مزّقتها الحرب ومناطق خطيرة، خاصة عندما يعمل ذلك على إضفاء الشرعية على حكومة ضالعة في انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان.
رحلات محجوزة بالكامل
وكانت وكالات سفر أوروبية أعلنت استئناف رحلاتها السياحية إلى سوريا، بعد توقفها لنحو عقد كامل، على الرغم من تأكيدات لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن سوريا تشهد تصعيدًا متواصلًا بعمليات القتال، ولا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين.
وأوضح التقرير الصادر عن شبكة “DW” في 30 من تشرين الأول الماضي، أن جزءًا من سبب “موجة الحماسة الحالية” هو حقيقة أنه بعد انقطاع مرتبط بجائحة فيروس “كورونا” لمدة 18 شهرًا تقريبًا، بدأت حكومة النظام بإصدار تأشيرات سياحية مرة أخرى مطلع تشرين الأول الماضي.
ولفت التقرير إلى أن “من الأفضل” وصف معظم الشركات التي تقدم السياحة السورية بأنها شركات رحلات مغامرات مفصّلة حسب الطلب، إذ غالبًا ما تتضمن قائمة وجهاتها أيضًا أماكن مثل كوريا الشمالية والصومال واليمن وباكستان وأفغانستان، مشيرًا إلى أن من المستحيل الانضمام إلى إحدى هذه الجولات السورية إذا كان السائح صحفيًا أو باحثًا في مجال حقوق الإنسان أو سوريًا.
وتبلغ تكلفة الرحلات الجماعية المعلَن عنها إلى سوريا حوالي 2000 يورو (2300 دولار) لرحلة مدتها تسعة أيام، ما عدا تكلفة الرحلات الجوية.
وتنظم شركة “Rocky Road Travel” السياحية، ومقرها برلين، رحلات خاصة وجماعية إلى سوريا، لعامي 2021 و2022، سواء رحلة ليوم واحد إلى دمشق، أو رحلة مدتها 15 يومًا إلى سوريا بأكملها، بحسب نص الإعلان المنشور عبر موقعها الرسمي.
ويظهر موقع شركة “Lupine Travel” البريطانية الرسمي وجود رحلات سياحية إلى سوريا لعامي 2022 و2023، محجوزة بالكامل حتى أيار المقبل، بتكلفة 1395 يورو للرحلة الواحدة.
وأرفقت الشركة مع جدول هذه الرحلات إعلانًا ينص على أن وزارة الخارجية البريطانية تنصح بعدم السفر إلى سوريا، على الرغم من تنظيم الشركة جولات إلى المناطق التي تشعر فيها بأنه يمكنها الحفاظ على سلامة عملائها.
كما تنصح الشركة عملاءها بإجراء بحثهم الخاص “ليكونوا مرتاحين لرحلتهم”.
وبحسب تقرير “DW”، كانت شركة “Clio”، وهي شركة مقرها باريس ومتخصصة في الجولات الثقافية، واحدة من أولى الشركات الأوروبية التي بدأت بالترويج للرحلات السورية في عام 2019، وتقدم جولات مرة أخرى لعام 2022.
وقال التقرير، إن التأشيرات السياحية إلى سوريا كانت متاحة للسفر الجماعي منذ عام 2018، وقد أعلن عدد من منظمي الرحلات السياحية الصينية والروسية سابقًا عن رحلات إلى هناك.
والآن، تحجز شركة “Young Pioneer Tours” الصينية، المعروفة بأخذ زوار إلى كوريا الشمالية، رحلات إلى سوريا في أوائل عام 2022.
وكانت حكومة النظام كثّفت دعاياتها للسياحة، منذ أن تمكنت قواتها من استعادة مناطق واسعة من سيطرة الفصائل المعارضة خاصة في محيط العاصمة دمشق.
وتعتمد وزارة السياحة بشكل كبير على ترويج السياحة الدينية، وتتجه حكومة النظام نحو تشجيع هذه السياحة كعامل لدعم الاقتصاد المحلي، من خلال خطط ترويجية لا سيما في الدول التي تعتبرها حليفة وعلى رأسها إيران وروسيا.
زينب مصري _ عنب بلدي