ليس عيباً فتح الحوار في موضوع “النسوية” للوصول إلى فهم بسيط يمكننا عبره التقدم نحو موقع أفضل في قضايا “النوع الاجتماعي”، وبما أن البعض يعتبرها حرباً من أجل حرية المرأة، وهي كذلك بالفعل، لكن دعونا نطلق عليها اسماً أقل عدوانية، مثل “نضال” أو “كفاح” من أجل حرية المرأة حتى نأتي بالجميع إلى الساحة التي نريد، من أجل حريتها وتقدمنا جميعاً.
سأضرب مثالاً بسيطاً أحاول فيها الحصول على إجابة صعبة، والسؤال هو: كيف يمكن إجراء تمرين اجتماعي يتم بموجبه إقناع رجل يعيش في ريف سوريّ بسيط بضرورة المساهمة في نقاش قضية “الحيض” أو “الدورة الشهرية” عند ابنته التي دخلت للتوّ سنّ الحادية عشرة؟.
أطرح السؤال على اعتبار أن “منظمة العفو الدولية” (أمنستي)، تحدثت في هذه المسألة كواحدة من قضايا التمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي، إذ يشير أحد تقاريرها إلى أن “الحيض” أو ما يرمز له بـ “خالة وردة” أو “الجيش الأحمر” يعتبر وصمة في الكثير من المجتمعات، ففي دولة “نيبال” تم نفي إحدى الطفلات (11 عاما) من البيت خمسة أيام، ومنعت من لمس أفراد أسرتها الذكور 11 يوماً، ولم يسمح لها بدخول المطبخ 19 يوماً، وتناضل الناشطات والناشطون من أجل هذه القضية.
أزعم أن نسبة كبيرة من الآباء السوريين والعرب سيستهجنون هذا السؤال، وربما يستسخفون من يفكر بهذه الطريقة “المتخلفة” حسب رأيهم، والسبب هو مفهوم “العيب” في مجتمعاتنا الشرقية.
خلف سؤال من هذا الحجم سنلاحظ آلاف الأسئلة التي لم تطرح بعد، والتي تحتاج لإجابات تحكمها برامج توعية يقوم بها متخصصون من الجنسين وضمن بيئات مختلفة ومتباينة في ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها، بل قد يلعب العامل السياسي ـ أحيانا ـ دوراً أخطر في تعطيل مثل تلك البرامج.
تبدأ المشكلة من “العيب” و”الحرام”، علما أنه لا هذا ولا ذاك موجودان في تشريع ديني، وإنما هي العادات والتقاليد التي تشعر ذلك المجتمع بحساسية مثل هذا الموضوع، ورفض مناقشته، وسنكتشف أن الأمهات سيلعبن الدّور الأكبر في ترسيخ منع مناقشة هذه المسألة البسيطة، وليس ذلك سوى لأنهن نشأن في مجتمع مريض، وأصبحن أداة المجتمع الذكوري، وخط الدفاع الأول فيه للمنع والتحريم.
إذن، كيف يمكنني الانتقال إلى ما تعتبره البعض القضايا الكبرى في “النوع الاجتماعي”، وأي نضال نريده جميعاً حتى نتمكن من تفكيك كمّ العقد المستحكمة في بيئة لم تتعرف أصلا على أمراضها الاجتماعية.
تدافع بعض النسويات عن حقّهن باستخدام ما يرينه مناسباً من أدوات في الدفاع عن حرية المرأة وحقها في العدالة، لكنّهن يتعاملن مع حقل ألغام يحتاج أدواته، إذ لا يمكن استخدام مطرقة وإزميل في إزالة لغم أرضي وإلا سيتفجر بمن حوله جميعاً.
قد يستسهل البعض نساء ورجالاً قضايا هي مهمة في جوهرها سطحية في مظهرها، ويقفزون إلى أماكن أبعد معتبرين أن النضال من أجل العدالة للمرأة هو مجرد “وصفة” نحصل عليه من أي دراسة أو قانون يجري تطبيقه في الغرب ثم نبدأ معركة “سوشال ميديا” وتشكيل جمعيات ومجموعات لتطبيقه في مجتمعات تخضع لسلّم قيمي مختلف.
لا بدّ من معالجة تبدأ من تحديد ما هو مطلوب، وقد يكون الهدف الأول عقل الرجل لا جسد المرأة، وعندها كيف يمكننا كسب النضال بطريقة أقل عدوانية نستطيع بها إقناع المجتمع الذكوري المتمترس وراء قيم مفترضة غير صحيحة.
كيف يمكنني أن أقنع سيدة سورية أو عربية مسلمة وغير مسلمة أن الرسائل “الفاضحة” على وسائل التواصل الاجتماعي هي دروس يمكن الاستفادة منها في توعية المرأة والدفاع عن حقوقها، وهل أتوقع من تلك المرأة أن تدعو بناتها الصغيرات للاستفادة من تلك الرسائل المتداولة؟.
لا يمكن اعتبار هذه المساحة الضيقة من إبداء الرأي بمثابة دراسة أو تحليل واقع، إنما هو رمي حجر في ماء راكد، وعليّ أن لا أقلق من اعتبار البعض هذا النوع من الطرح نكوصاً وتقزيماً لقضية المرأة، واعتباره من قبل البعض الآخر انفتاحاً مبالغاً فيه، وهذا لا يستدعي الوقوف في المساحة الرمادية، وإنما البحث عن الفكرة والتقاطها، وفتح باب النقاش والحوار بشكل مقبول.
نهاية القول: ليس مطلوباً إيجاد حلّ لفلسفة جنس العقل كان أنثى أم ذكراً، المطلوب هو أن يعالج العارفون والمتخصصون سبب تحول المرأة إلى فكرة سرير وشرف وقدر طعام في بعض المجتمعات، بينما كانت قاطرة تقدّم بنت دولاً في مجتمعات أخرى، كما حصل في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.