في الوقت الذي تبدو فيه موجة من الهجوم ضد الحركة النسوية التي تتبدّى ملامحها أكثر فأكثر، يبدو أنّ مهاجمي النسوية لا يعرفون الكثير عن النسوية، ويتبدّى الجهل هذا في التعليقات.
يتحدّث المعلقون عن الناشطات النسويات ويصفونهنّ بأنّهن داعيات انحلال ومثلية و…، وتغدو النسوية بالنسبة لهم عدواً قادماً، يستخدم هؤلاء النسوة كعملاء له “للنيل من مجتمعنا المحافظ”.
في الحقيقة فقد نشأت النسوية في الغرب، بداية، في الفترة ذاتها التي نشأ معها الفكر التحرري للثورة الفرنسية، منذ ما يزيد على مائتي عام، وكان لها مفكرات وفيلسوفات نسويات بارزات، من مثل سيمون دو بوفوار، الفرنسية، وقد تنوّعت مدارس النسوية بين نسوية راديكالية، ونسوية اشتراكية، ومؤخراً ظهرت النسوية البيئية، في الدول العربية ظهر الفكر النسوي مع باحثة البادية، ملك حفني، ولم يتوقف ظهور النسويات حتى اليوم، بينما ظهرت مدرسة نسوية سميت بالنسوية الإسلامية، وقد حاولت أن تجادل وتثبت أنّ الإسلام لم يظلم المرأة بينما ظلمها من يدّعون أنّهم رجال الدين، وتدعو هذه المدرسة لقراءة معاصرة للمرأة في الإسلام، وللإسلام عموماً.
وبينما كان اضطهاد النساء والعنف ضدهن على أشدّه في العالم العربي، فإنّ الحركة النسوية لم تتبدّى ملامحها كما يجب، وبقي صوتها ضعيفاً، نتيجة عنف كثير من الرجال وقمعهن للصوت النسوي، ونتيجة قمع سلطة ذكورية ديكتاتورية، قمعت في الآن ذاته النساء والرجال والأطفال، واستخدمت ثنائيّة الرجل والمرأة مرات للهروب من مسؤولية القمع الممارس من قبلها، والعنف الذي كرسّته في المجتمع.
كانت نتيجة هذا التزاوج الثلاثي بين السلطة السياسية والاجتماعية والدينية في سوريا، قوانين تمييزية ضد النساء، متمثلة في قانون الأحوال الشخصية، والمادة ٥٤٨ من قانون العقوبات، التي تعطي للرجل المتذرّع بالشرف لقتل زوجته أو أخته أو أمه أو ابنته، عذرا مكللاً بالعار وليس بالشرف.
أما في حال تعرّض الطفلة أو المرأة للأذى الذي يكون غالباً على يد الأقارب، فإنّها تخاف أكثر من المجرم، ويغدو صوتها أضعف، لأنّها تعلم أنّ كل السلطات ضدها.
ولطالما كان الحديث عن هذه القوانين والانتهاكات جريمة نعاقب عليها نحن النسويات، بدلاً من معاقبة المجرم الحقيقي، فنتعرّض للشتم مرات، ونتعرّض لعنف السلطات والاستدعاءات الأمنية مرات أخرى، ويصنف ملفنا في الأفرع الأمنية تحت عنوان “مجتمع مدني” وكأنّ المطالبة بمجتمع مدني ومواطنة وحقوق جريمة كالإتجار بالمخدرات.
قدّم الربيع العربي دفعة من الحياة للنسويات السوريات منهنّ على وجه الخصوص، فقد تحدّت المرأة كل الخطوط الحمراء، وقالت لا لأكبر نظام قمعي في العالم، هي التي كانت وما زالت تفتقر لحق الحياة، وحق العمل، وحرية التنقل، وحرية الملبس، وحرية اختيار الزوج.
وبسبب ظروف الحياة المعقدة، مع النزوح والاعتقال والتهجير واللجوء والفقر وفقد الزوج والأخ والأب، تغيرت بحكم الواقع الأدوار النمطية، فباتت كثير من النساء السوريات معيلات لأسرهن، وحتى غير المؤهلات أو المتعلمات منهن، خرجن ليبحثن عن تأهيل ومهنة وعمل، وبدأت نظرة المجتمع للمرأة تتغير، ليس فقط بالنسبة للعائلات اللاجئة، بل وكذلك بالنسبة للعائلات التي بقيت داخل أسوار السجن الكبير، الذي كان يسمى وطناً.
ولكن، ومع كل حملة للتضامن مع معنفات، ومع زوجات متضررات ونساء وطفلات ضحايا، تخرج بعض الأصوات النشاز من عجلة الديكتاتورية التي تعاند التغيير، وتثبت هذه الأصوات مرة جديدة أنّ الضحايا، نساء كانوا أم رجالاً، متضامنون، وأنّ المجرمين المرتكبين للانتهاكات متضامنون أيضاً، بغض النظر عن جنسهم وعرقهم ودينهم وموقعهم الجغرافي.
هي ثورة فكر هذه النسوية، لتغيير العنف النمطي، وربما لتغيير العالم فيما بعد، لو تم تقويتها نصرة للمظلومين بتضامن عالمي يجدر به أن يحدث في وجه هذا العنف الذي يعصف بالمستديرة، ويجعل من أب وأخ يقتلون ابنتهم، ومن “دولة” تقتل مواطنيها، لكنها بالتأكيد ليست شتيمة، هذه النسوية الطامحة لنصرتنا.
هنادي زحلوط_ ليفانت