سيريا برس _ أنباء سوريا
في صباح كل يوم، ينطلق عبد الكريم على كرسيه المدولب متجهاً إلى الحظيرة ليطمئن على البقرة الحلوب التي استلمها كمنحة من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ليقوم بتنظيفها وعلفها، بينما تساعده زوجته في حلبها، فهذه البقرة هي مصدر الرزق الوحيد لعبد الكريم وأسرته.
وصل عبد الكريم مع أسرته إلى بلدة خطاب الواقعة في شمال محافظة حماة منذ عامين تقريباً، بعدما أمضوا أربع سنوات من النزوح في إدلب نتيجة اضطرارهم للفرار من القتال الدائر آنذاك في مدينة حلفايا في ريف حماة الشمالي منذ ما ينيف عن ست سنوات.
حتى قبل اضطراره للنزوح، كان عبد الكريم يجد صعوبة في الحصول على فرصة عمل بسبب إعاقته. أما اليوم، فقد مكنته منحة المفوضية من تأمين مصدر للرزق يساعده في تدبر نفقات أسرته وبناته الأربعة. يقول: ”لم يكن لدي أي عمل ولم أكن أملك المال الكافي لأطعم أطفالي أو حتى أن أرسلهم إلى المدرسة. أما الآن، فقد أصبح لدي فرصة عمل مكنتني من تحمل نفقات المعيشة والتعليم لأطفالي“. ويضيف: ”إنه عمل بسيط ولكنني اليوم اعتمد على نفسي ويمكنني أن أطور هذا العمل في المستقبل“.
يقطن عبد الكريم حالياً في منزل استأجره في بلدة خطاب ويعتمد في معيشته على المردود الذي يحصل عليه من بيع الألبان والأجبان. ومن الواضح أنه يدير عمله على نحو جيد، فهو دائم الحديث عما سيفعله في المستقبل القريب لزيادة إنتاجه من مشتقات الحليب خصوصاً وأنه قد أصبح لديه عجلٌ آخر في حظيرته الصغيرة.
عبد الكريم هو واحد من مئات آلاف الأشخاص الذين استفادوا من أحد مشاريع ”دعم القرية“، والتي أطلقتها المفوضية لدعم اللاجئين العائدين والنازحين والمجتمع المضيف في محافظات حمص وحماة وحلب بتمويل من الصندوق السعودي للتنمية. وتهدف المفوضية من خلال هذه المشاريع إلى مساعدة الأهالي على استعادة زمام الأمور والعودة إلى حياتهم الطبيعية بتقديم أشكال مختلفة من الدعم كسُبل كسب العيش والمأوى والتعليم والصحة وغيرها من الخدمات الأساسية.
أصيبت البنية التحتية في سوريا بأضرار جسيمة، وفي أشد المناطق تضرراً تهدمت الكثير من المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والعيادات مما أدى إلى تعرض المرافق القليلة التي استمرت في أداء عملها إلى ضغوطات كبيرة. وكان الشغل الشاغل للعاملين في المجال الإنساني هو تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المتضررين، حيث تحول محور برامج المفوضية إلى دعم المجتمعات على اكتساب القدرة على التحمل والوصول إلى مصادر الرزق، إلى جانب تحسين المأوى وضمان حصول الأهالي على المساعدات الأساسية من تعليم وصحة وخدمات قانونية.
واستطاعت المفوضية أن تخطو خطوات كبيرة في السنوات الأخيرة بفضل دعم الشركاء الدوليين، من ضمنهم الصندوق السعودي للتنمية. فقد ساهم برنامج ”دعم القرية“ في توفير المساعدة والدعم لما مجموعه 57,300 أسرة بمن فيها 25,000 أسرة في محافظة حلب و32,300 أسرة أخرى في محافظتي حمص وحماة حيث شرعت المفوضية من خلال هذا البرنامج بتوفير حزمة من الخدمات، من ضمنها تأهيل المأوى وترميم وإعادة تأهيل المدارس والمراكز الصحية ومكاتب السجل المدني والأفران وغيرها من مرافق الخدمات الأساسية.
في حلب، وفرت المدارس الأربع التي انتهت المفوضية من إعادة تأهيلها في أواخر عام 2019 خدمات التعليم لحوالي 1,000 طالب وطالبة من النازحين والعائدين ممن حُرموا من التعليم لسنوات عدة. أما في حمص وحماة، فقد أمنت المدارس الخمس التي أعيد تأهيلها خدمات التعليم لحوالي 2,300 طالب وطالبة.
مدرسة الشهداء هي واحدة من المدارس التي أعادت المفوضية تأهيلها وفتحت أبوابها من جديد لحوالي 800 طالب وطالبة من أبناء مدينة صوران والقرى المحيطة بها في ريف حماة الشمالي.
تقول رجاء، والتي كانت تعمل كمديرة لمدرسة الشهداء لسنوات قبل اندلاع الأحداث ولكنها عادت على الفور إلى منزلها عندما سمعت بعودة افتتاح المدرسة: ”عند سماعي صوت جرس المدرسة أشعر بأن الحياة قد عادت إلى الحيّ“.
تعتبر الحلول طويلة الأمد لمشكلة الإيواء ذات أهمية حيوية، ولذلك فقد ساعدت المفوضية السكان في تجديد أحيائهم وتعزيز مجتمعاتهم وينطوي ذلك على إيجاد حلول أكثر ديمومة تشمل إعادة ترميم المنازل وتركيب الأبواب والنوافذ.
ساهمت المفوضية في دعم عدد من المساكن من خلال تركيب 1,671 باب ونافذة لتلبية احتياجات المأوى الملحة لحوالي 8,355 شخص من العائدين إلى المناطق المتضررة في حمص وحماة. كما أعادت تأهيل 720 منزلاً في المناطق الأكثر تضرراً في حلب والتي يقطنها حوالي 3,600 شخص من العائدين.
تقول يسرى، وهي من أوائل العائدين إلى مدينة صوران: ”عندما عدنا إلى صوران أنذهلنا لمشاهد الدمار والأنقاض التي تملأ معظم الشوارع، ولم يكن هناك ماء أو كهرباء، وكان منزلنا مهدماً وليس فيه أبواب أو حتى نوافذ“. وتضيف: ”حاولت القيام ببعض الإصلاحات البسيطة للمنزل ليكون صالحاً للعيش، ولم يكن بمقدوري إتمام العمل لولا مساعدة المفوضية، حيث ركبت لنا الأبواب والنوافد مما وفر لنا بعضاً من الخصوصية والأمان“.
يُشكل فقدان الوثائق الشخصية والمدنية أو عدم امتلاكها مصدر قلق لعشرات الآلاف من الأشخاص الذين اختاروا العودة طواعية إلى بيوتهم أو لا زالوا مهجرين داخل البلاد. وقد عملت المفوضية من خلال مشروع ”دعم القرية“ على تأهيل مبنيين للسجل المدني في ريف حلب لتمكين الأهالي من الحصول على الوثائق المدنية لضمان حقوقهم في الحصول على الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والحفاظ على حقوق الملكية المتعلقة بالعقارات والممتلكات والإيجارات وغيرها.
وضاعفت المفوضية من دورها المساعد في دعم الرعاية الصحية الأولية فأكملت أعمال إعادة التأهيل لأربعة مراكز لتقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية لحوالي 55,500 شخص في كل من حمص وحماة وحلب. وضماناً لتسيير النشاط اليومي لتلك المراكز، فقد قدمت المفوضية دعماً إضافياً اشتمل على المعدات الطبية وإمدادات الدواء للمراكز الصحية.
كما ساهمت المفوضية بترحيل الأنقاض في تسعة مناطق في حمص وأعادت تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي في أربعة مناطق أخرى، فضلاً عن تركيب مصابيح الإنارة بالطاقة الشمسية في عدة أماكن في محافظة حلب والمساعدة في تأهيل عدد من المخابز وتزويدها بخطوط الإنتاج مما يضمن حصول الأهالي على مادة الخبز.
يعتبر النجاح الذي تحقق من خلال برنامج ”دعم القرية“ بدعم من الصندوق السعودي للتنمية مشجعاً ويدعو إلى التفاؤل، إذ تمكنت المفوضية من خلاله من تنفيذ مشاريع لها مقومات الاستدامة، وعملت مع السكان على إدماج الخدمات الأساسية اللازمة للمجتمع ليمارس حياته على نحو جيد. ومن المتوقع أن تستمر المفوضية ببرامج مماثلة تساهم في تخفيف الأعباء عن الأهالي وتعزيز قدرتها على التعافي.
المصدر: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين _ فيفيان طعمة