لا يأتي الاستهداف الإسرائيلي “غير الاعتيادي” لمطار حلب الدولي من كونه الاستهداف الأول لثاني أكبر مطار دولي في سوريا في العام الجاري، أو كونه استهدفاً لموقع لم يُستهدف إسرائيلياً منذ أربع أعوام في تموز 2018، حيث تم الإبلاغ عن غارات إسرائيلية في محيط مطار النيرب، بل يأتي كنتيجة طبيعة لزيادة ملحوظة رصدها تلفزيون سوريا في منسوب الطائرات الإيرانية “المشبوهة”، التي زارت هذا المطار.
وعلى ما يبدو وضعت هذه الزيادة الملحوظة في نسبة زيارات طائرات الشحن الإيرانية متوسطة البدن التي يُمكِّنها حجمها المتوسط من الهبوط في المطارات الصغيرة خارج الخط عند الضرورة، هذا المطار المدني في قائمة الأهداف العسكرية الإسرائيلية مجدداً.
ويأتي هذا الاستهداف الإسرائيلي النادر لمطار حلب الدولي، في وقت اختفت كل تأثيرات الغارات الإسرائيلية من الشمال والشرق السوري منذ بداية العام الجاري.
لماذا استهدف مطار حلب الدولي في هذا التوقيت؟
تشير الإحصائيات التي جمعها تلفزيون سوريا بعد التعطيل الإسرائيلي المتعمد لمطار دمشق الدولي في 10 حزيران 2022 إلى أن إيران صَّعَّدت من مسار تسيير طائرات الشحن متوسطة البدن التابعة لشركة ماهان إيران إلى كل من مطاري حلب ودمشق الدوليين، فيما يشبه تقسيم للمهام العسكرية والأمنية بين كبرى المطارات الدولية السورية.
وتشير الإحصائيات إلى أن إيران سيرت 13 رحلة جوية مشبوهة على متن طائرات الشحن متوسطة البدن التابعة لماهان إير إلى كل من مطاري دمشق وحلب الدوليين في شهر أغسطس/آب المنصرم. أي أن إيران سيرت أكثر من 3 رحلات جوية مشبوهة كل أسبوع في الشهر الماضي إلى سوريا.
وكان نصيب مطار حلب الدولي 5 رحلات (38.5% من مجمل الرحلات المشبوهة)، في حين كان نصيب مطار دمشق الدولي 7 رحلات (61.5%).
وبحسب مصادر مفتوحة، أدت الغارات الإسرائيلية على مطار حلب الدولي لإحداث ثلاث تأثيرات دون وجود تأكيدات لحجم الأضرار المادية داخل المطار. لكن مصادر إيرانية وموالية لنظام الأسد رجحت البارحة أن الاستهداف الإسرائيلي قد يكون أدى لتخريب المدرج الغربي من مطار حلب أو تقصير طول المدرج لمنع هبوط نوع معين من الطائرات بالمطار.
وجاء استهداف مطار حلب الدولي بعد ساعة تقريباً من هبوط طائرة إيرانية من طراز An-74T [EP-GOX] تابعة للحرس الثوري الإيراني في هذا المطار.
مخطط زمني لغارات 31 أغسطس/آب 2022
ويقول موقع (تحولات العالم الإسلامي) الإيراني أنه بالتزامن مع الغارات الإسرائيلية على مطار حلب الدولي، كانت طائرة ركاب إيرباص A300B4 تابعة لشركة ماهان للطيران في طريقها إلى مطار حلب الدولي ويبدو أنها غيرت وجهتها إلى مطار دمشق.
different planes, different times – Sabreen reporting nonsense..
— Samir (@obretix) August 31, 2022
15:50 UTC: IRGC An-74T [EP-GOX] near Aleppo
17:15 UTC: airstrike reported near Aleppo airport
18:20 UTC: airstrike near Damascus airport
18:50 UTC: Mahan Air A300 [EP-MNH] from Tehran to Aleppo diverted to Damascus https://t.co/8i3VTYTWfL pic.twitter.com/HR1QAi5kF1
ويرى الموقع أن هذا الموضوع يعزز التكهنات حول الأضرار التي لحقت بمدرج مطار حلب الدولي.
وأفادت مصادر مفتوحة مدعمة بصور الأقمار الصناعية أمس الخميس أن الغارات الإسرائيلية على مطار حلب الدولي تسببت بإصابة مدرج الطائرات وكذلك نظام المساعدات الملاحية DVOR / DME، مؤكدة أنها ذات المشكلة التي يعاني منها مطار دمشق الدولي حالياً.
ونفذت مقاتلات إسرائيلية في التوقيت العالمي الموحد 18:20 UTC غارات حول مطار دمشق بعد ساعة من استهداف مطار حلب الدولي.
المعركة بين المطارات السورية
لا يمكن قراءة الاستهداف الإسرائيلي لمطار حلب الدولي ضمن سياق الغارة الأخيرة على ندرتها، بل يجب النظر في سياق الإحصائيات الكلية التي جمعها تلفزيون سوريا حول المواقع التي استهدفتها الغارات الإسرائيلية في عام 2022، خاصة كبرى مطارات سورية الدولية.
في خضم ذلك، يشير سلوك الغارات الإسرائيلية في العام 2022 إلى أن المسار الجوي كان المسار المفضل لسلسلة التهريب غير المشروع للأسلحة والمعدات العسكرية الخاصة بميليشيا فيلق القدس إلى سوريا، بدرجة أكبر من الاعتماد على المسار البحري والبري.
وتقول الإحصائيات أن كبرى مطارات سوريا الدولية (مطاري دمشق وحلب) تعرضت هذا العام لأكثر من 16 هجمة صاروخية (13 تأثير خاص بمطار دمشق، و3 تأثير خاص بمطار حلب مؤخراً) نفذتها مقاتلات إسرائيلية أغارت على مواقع داخل المطارات وما حولها.
وشكلت هذه الهجمات الصاروخية التي نفذتها مقاتلات إسرائيلية على أرضي مطاري دمشق وحلب الدوليين وما حولهما قرابة 33% من مجمل ما استهدفته إسرائيل من مواقع عسكرية موزعة على مجمل الجغرافيا السورية في العام 2022.
أي أن ثلث ما ألقته الطائرات الإسرائيلية من وسائط نارية جوية كصواريخ كروز دليلة مثلاً لضرب أهداف عسكرية إيرانية على الأرض السورية كان مخصصاً لمواقع في مطاري دمشق وحلب الدوليين وما حولهما.
وتركز القصف الإسرائيلي لأهداف في مطاري دمشق وحلب الدوليين بشكل أساسي على تدمير أو إعطاب المدارج الرئيسية فيها، وتخريب محطات الاتصالات اللاسلكية، بهدف تأخير عملية التوريد الإيراني غير المشروع للأسلحة والمعدات الصاروخية إلى سوريا.
رسائل إسرائيلية مكلفة
أصبح من الواضح بشكل متزايد أن إسرائيل غدت تهاجم البنى التحتية اللوجستية التي تتعامل مع سلسلة التوريد من إيران، بما في ذلك محطات الشحن والاستقبال، خاصة الجوية منها.
هذه المعلومات تشير بطبيعة الحال إلى تزايد أهمية المعركة الإسرائيلية بين المطارات السورية، ولا تمنعنا من توقع تكرار الغارات الإسرائيلية على مطار حلب، الذي يبدو أنه يواجه مصيراً مشابهاً لأخيه الأكبر مطار دمشق الدولي. وبالنظر لما طرأ من أحداث مستجدة في مطار دمشق الدولي مؤخراً، يبدو أن استهداف مطار حلب الدولي كان رسالة تحذيرية إسرائيلية، قد يتبعها تنفيذ عملي للتحذيرات.
في خضم ذلك، يترتب على فترات الانقطاع التي يمكن أن تصيب كبرى مطارات سوريا الدولية نتيجة الغارات، تكاليف اقتصادية باهظة على نظام الأسد، الذي فُتحت لطائراته التجارية (أجنحة الشام والسورية للطيران) مؤخراً آفاق تنفس اقتصادية جديدة نحو بعض الدول العربية كالإمارات والكويت وعمان.
وعليه فإن شن هجمات واسعة وعميقة على المطارات السورية يهدف لتكبيد الطرف الآخر أثمان اقتصادية باهظة من خلال إطالة زمن تعافي المطارات المستهدفة، وتأخير قدرة إيران على ترميم وإعادة تأهيل قواعدها في سوريا كل مرة.
ضياء قدور _ تلفزيون سوريا