“المشروع الكبير”.. هل ينعطف النظام السوري بـ”دولة المخدرات”؟

على مدى السنوات الماضية أصبحت سوريا بنظر دول عربية وغربية “دولة مخدرات”، وارتبط ذلك بكم الشحنات الكبيرة التي خرجت منها وعبرت الحدود لتصل إلى مصر والسعودية والأردن ودول أبعد، كإيطاليا واليونان ورومانيا. 

وتنوعت هذه الشحنات ما بين “حبوب الكبتاغون” و”أكف الحشيش”، بينما اختلفت طرق تهريبها. تارة بعلب الحليب وأوراق الشاي، وأخرى ضمن لفافات الورق المقوّى وأطباق البيض وحبات الفواكه.  

وبحسب تقارير أمنية لعدة دول، فإن النظام السوري يعتبر المسؤول الأول عن تهريب وتصنيع ما تحتويه هذه الشحنات، والتي تحولت شيئا فشيئا إلى “مكسب تجاري كبير”، يعود بالفائدة الاقتصادية عليه من جهة، وعلى “حزب الله” اللبناني الذي ينتشر وكلاؤه في مناطق متفرقة داخل سوريا من جهة أخرى.  

وكان هذا “المكسب التجاري” قد طرأت عليه عدة تحوّلات، أبرزها أن إنتاجه لم يعد خارج الحدود، لتتحول سوريا من بلد لعبوره إلى باقي دول العالم، إلى المنشأ الأول للتصنيع، وهو ما أشارت إليه تقارير لوسائل إعلام غربية، بينها صحيفة “الغارديان”.  

وفي الوقت الذي وجهت فيه الاتهامات للنظام السوري مرارا وتكرارا، لم يتخذ الأخير موقفا رسميا واضحا للرد خلال السنوات الماضية، بينما اتجهت وزارة الداخلية السورية بين الفترة والأخرى إلى الإعلان عن “ضبط شحنات” داخل الأراضي السورية.  

واللافت في الوقت الحالي أن الإعلان عن ضبط الشحنات يتخذ مسارا تصاعديا، وبحسب ما رصد موقع “الحرة” عبر صفحة وزارة الداخلية السورية، في “فيسبوك” فقد تم الإعلان عن أكثر من 20 عملية ضبط خلال شهر نوفمبر الماضي فقط.  

إحدى هذه العمليات وقعت في الثلاثين من الشهر ذاته، إذ أعلنت سلطات النظام السوري ضبط أكثر من نصف طن من حبوب “كبتاغون” المخدرة، ضمن شحنة معكرونة كانت معدة للتصدير إلى السعودية.  

هل هناك انعطافة؟  

يثير المسار المذكور الذي بدت تفاصيله لافتة منذ مطلع نوفمبر الماضي عدة تساؤلات، بشأن الأسباب التي دفعت النظام السوري لتكثيف حملاته ضد مروجي ومهربي المخدرات، وعما إذا كان هذا الأمر صحيحا ويطبّق على أرض الواقع بالفعل.  

ومن جانب آخر هناك تساؤلات حول سر التوقيت، لاسيما أن “تكثيف الحملات ضد التهريب والترويج” من قبل النظام السوري تأتي في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن محاولات لفتح قنوات حوار مع الدول العربية. 

كما جاءت بعد أشهر من سيطرته على جزء كبير من الحدود السورية مع الأردن، بعد إجراء عمليات “التسوية الأمنية” في محافظة درعا، ومن ثم إعادة تفعيل حركة التجارة عبر معبر “نصيب – جابر”.  

ووفق باحثين ومحللين سوريين تحدث إليهم موقع “الحرة” فإن المسار الجديد الذي يتخذه النظام السوري يصب في إطار “تغيير السمعة”، والتي لصقت بالمناطق الخاضعة لسيطرته، منذ سنوات.  

في المقابل، يحاول النظام “تبرئة نفسه” من الصناعة والتجارة وعمليات التهريب داخل البلاد وخارجها، خاصة أن الاتهامات مرتبطة في معظمها بشخصيات مقربة منه، وأخرى على ارتباط بـ”حزب الله” اللبناني. 

ويرى الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي، أن “رغبة النظام السوري بالقول إنه يصادر المخدرات هي رسائل للدول المستهدفة، ومفادها أنه يعمل جاهدا لإيقاف التهريب”.  

ويشير بربندي في تصريحات لموقع “الحرة” إلى أن كل البيانات الرسمية الأردنية التي صدرت في الأشهر الماضية كانت واضحة، وأن “أحد أهم أهداف التواصل مع النظام السوري هو محاربة تهريب المخدرات”.  

ويضيف الدبلوماسي السوري “قيام السعودية بمنع دخول أي بضائع لبنانية هي بسبب كميات المخدرات الضخمة التي يتم تهريبها عبر سوريا. بمعنى أن الأخيرة تحولت من ممر للتهريب إلى بلد التصنيع”. 

من جانبه، يقول الباحث السوري في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، إن “النظام السوري يطمح الآن لتوطيد وإحياء العلاقة مع دول الجوار بينها السعودية”. 

وبذلك تصب “حملاته المعلنة بشأن المخدرات” في سياق “الطموح” المذكور. 

ويضيف الباحث لموقع “الحرة” أن “الموضوع المتعلق بالمخدرات يعتبر أمرا إيجابيا في السعودية. النظام يستخدم حملاته كنوع من المغازلة”.  

وبينما يشكك شعبان في صحة الحملات المعلنة من جانب النظام السوري، يؤكد بربندي على ذلك، مشيرا إلى أن “حجم المخدرات الكبير في السوق السورية يعطي مؤشرا عن حجم إنتاج معامل المخدرات”. 

ويتابع: “بالتالي ما يقوم به النظام من إلقاء القبض على بعض المهربين أو ضبط المواد المخدرة يعكس عدم جديته أو عدم قدرته أو رغبته في إيقاف هذه الظاهرة”.  

“مشروع كبير”

في تقرير لها، في مايو 2021، قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية إن الحدود بين سوريا ولبنان انعدم فيها القانون، وباتت مرتعا لعمليات التهريب، والتي يتورط فيها مسؤولون من الجانبين. 

وينقل المهربون الحشيش والكبتاغون عبر طريق يمتد من سهل البقاع اللبناني ومدينة القصير السورية الحدودية، والطرق شمالا باتجاه مينائي اللاذقية وطرطوس. 

ووفقا لـ”الغارديان” فإن اللاذقية تقع تحت عيون ومراقبة كثيفة من أجهزة أمنية أميركية وأوروبية وأجهزة الاستخبارات. ورغم هذا وقعت بعض عمليات التهريب من المصدر، وتم إحباطها لاحقا.

وشملت العمليات خمسة أطنان من حبات الكبتاغون عُثر عليها في اليونان، عام 2019، وشحنتين مماثلتين في دبي في العام ذاته، وأربعة أطنان من الحشيش تم العثور عليها في ميناء بورسعيد المصري في أبريل 2020. 

وعلى عكس الرواية الخاصة بدول غربية وعربية تحدث المحلل السياسي السوري المقيم في دمشق، علاء الأصفري، عن “مشروع كبير تقوده الدولة السورية للقضاء على أي وجود للمخدرات في سوريا”. 

ويقول الأصفري في تصريحات لموقع “الحرة”: “خلال الفترة الماضية لم تقصّر الدولة في هذا الأمر، لكن كانت هناك إعاقات، بينها عدم تعاون المنظمات والهيئات الدولية التي تشرف على المكافحة والاتجار بالمخدرات”.  

ومن بين “الإعاقات” أيضا، بحسب المحلل السياسي، “وجود معابر غير شرعية تم استغلالها من قبل المسلحين ودول إقليمية لتعزيز زراعة المخدرات”، مضيفا أن “عودة الكثير من الأراضي لسيطرة الدولة كان له تأثير على تصاعد عمليات المكافحة”. 

ويتوقع الأصفري “المزيد من هذه العمليات سواء داخل سوريا أو في أثناء العبور منها”.  

ولم تنفصل خطوات النظام حيال “المخدرات” عن “الانفتاح العربي الكامل”. 

ويتابع المحلل السياسي أن “ما سبق مجموعةُ عوامل ستكون من خلالها سوريا رائدة في مجال كشف الاتجار. الآن أيضا بدأ التعاون في ذلك بين أجهزة الأمن الخاصة بالمخدرات في سوريا والأخرى في الدول العربية الشقيقة”.  

“ضغط وملف خطير” 

في غضون ذلك يقرأ الإعلامي السوري، أيمن عبد النور، “التعاطي الجديد” للنظام مع ملف المخدرات بأنه مرتبط بالاستياء الشديد من جانب الدول العربية، وبالتالي سيكون مانعا للعودة إلى الجامعة العربية.  

ويقول عبد النور لموقع “الحرة”: “النظام يعمل على تغيير السمعة، لكن كل ذلك يعد وهميا وللإعلام. هذه التجارة ستبقى لأنها جزء أساسي من بقاء النظام السوري على قيد الحياة اقتصاديا”.   

وأشار الإعلامي السوري إلى لقاءات قد ترتبط بما وصل إليه الحال اليوم، بينها “اللقاء الأخير بين رئيس المخابرات السعودية، اللواء خالد حميدان، وعلي مملوك، مستشار رئيس نظام الأسد للشؤون الأمنية”.

إضافة إلى الزيارة الإماراتية الأخيرة إلى دمشق، حيث ضم وفد أبوظبي عددا من المسؤولين من بينهم، علي محمد الشامسي، رئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ، بحسب عبد النور.  

من جانبه يقول بربندي، الدبلوماسي السوري السابق، إن “موضوع المخدرات في سوريا خطير لأنه يطرح سؤالا أعمق وهو: هل استطاع حزب الله وإيران إيجاد سوق وبيئة سورية لتصنيع وتهريب المخدرات بطريقة أكبر من قدرة النظام على إيقافها رغم أنه شريك فيها؟”. 

ويضيف بربندي أن “انتشار المخدرات في كل المدن السورية (مع النظام أو خارج سيطرته) وفي أوساط الشباب ظاهرة موجودة في سوريا، وأسعارها رخيصة، بمعنى أن هناك استمرارا لمشروع تدمير من هو ما زال في البلاد”.  

أما الباحث السوري، نوار شعبان، يرى أن مسار النظام السابق أو الحالي “لم ولن يختلف”. 

واعتبر شعبان أن “تجارة المخدرات في سوريا رابحة على الحدّين، سواء في حال عملية التطبيع الاقتصادي أو في أثناء غياب العلاقات”.

ماذا عن السعودية؟

يكاد لا يمر أسبوع، دون أن تعلن السلطات في المملكة العربية السعودية ضبط شحنات ضخمة من المخدرات، وخاصة حبوب “الكبتاغون”. 

في أبريل العام الحالي، قررت السعودية منع دخول شحنات الخضروات والفواكه اللبنانية إليها أو العبور من خلال أراضيها، بعد ضبط شحنة من الرمّان بداخلها حبوب “كبتاغون”. 

وقد نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن بيان لوزارة الداخلية حينها أن الحظر سيستمر إلى حين تقديم السلطات اللبنانية المعنية ضمانات كافية وموثوقة بشأن إجراءات وقف عمليات التهريب. 

من جانبها، كانت وسائل إعلام لبنانية قد كشفت أن مصدر “الرمّان المحشو بالكبتاغون” هو الأراضي السورية. 

وبحسب المعلومات التي نشرتها صحيفة “الجمهورية” فقد دخلت شاحنات الرمّان من سوريا إلى الأراضي اللبنانية عبر معبر “العبودية”، وتوجهت بعد ذلك إلى البقاع، حيث مكثت في أحد المستودعات لمدة أسبوع جرى خلالها نقلها إلى الشاحنات اللبنانية.  

ويستبعد الخبير العسكري والاستراتيجي السعودي، اللواء عبد الله غانم القحطاني، أن تكون هناك “انعطافة من جانب النظام السوري في أي شأن إيجابي، وخصوصا في ملف المخدرات”. 

ويقول القحطاني لموقع “الحرة”: “هو يعلم خفايا التهريب منذ مدّة وخاصة المتوجهة إلى السعودية، وإعلانه قبل يومين ضبط الشحنات هو أمر غير معتاد، وقد يكون الموقف الوحيد. حتى في ظل العلاقات الجيدة لم يعلن عن هذه الأشياء”.  

ولا يصب الموقف الجديد للنظام السوري “في إطار محاربة المخدرات”، بل يبدو أن الأخير “يريد من خلال الإعلان، إن كان صحيحا، أن يرسل رسالة إيجابية للرياض، وكأن الأمر شيء من التودد لإعادة العلاقات”. 

ويضيف الخبير العسكري “مع ذلك هذا الموقف من النظام السوري لا يراد به خير، بل عبارة عن رسالة موجهة للرياض بأنه ضمن منظومة عربية، وجاهز للتعاون مع العرب. هو يعلم أن الأمر لن يتأتى بعيدا عن السعودية”.  

“مرحلة استشراف” 

من جانبه يقول المحلل السياسي الأردني، عامر السبايلة، إن النظام السوري يستشرف في المرحلة الحالية “قرب انفتاحه على الدول العربية”. 

ويضيف لموقع “الحرة” أن النظام السوري “يدرك تماما أن أهم دولة وازنة هي السعودية ويدرك أنه لا بد من إرسال رسائل إيجابية اتجاهها”. 

وتكمن رمزية خطوة منع التهريب وإحباط المحاولات، بحسب السبايلة، في إظهار أن “النظام يلعب دورا إيجابيا تجاه دول الخليج وأمنها. قد يمثل ذلك بداية انطلاقة لفكرة التنسيق الأمني ومن ثم السياسي وبعد ذلك عودة العلاقات مع السعودية”. 

لكن القحطاني يعتبر أن موقف النظام السوري بشأن ملف المخدرات “انتهازي ولا يزيد عن ذلك”.

ويقول: “رسالته أنه مستعد لضبط الشحنات. هذا الأمر عذر أقبح من ذنب، وكأنه يقول إنه يعلم بها سابقا والآن يريد التعاون. ماذا عن الشحنات الأخرى التي تعبر من سوريا قطعا وتصنّع فيها؟”. 

ضياء عودة _ الحرة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

جمعية الأمل لمكافحة السرطان

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
منظمة INGEV

واقع دعم المشاريع النسائية الصغيرة في مدينة شانلي أورفا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا تدعم منظمات المجتمع المدني المتخصصة في التنمية وريادة الأعمال، المشاريع الاقتصادية للاجئات السوريات في مدينة شانلي أورفا، بهدف...
مركز الأمل لمكافحة السرطان

خدمات دور ضيافة مرضى السرطان القادمين من سوريا بين الواقع والمأمول 

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا تستقبل دور الإيواء المعدودة ومحدودة الإمكانيات في تركيا، مرضى السرطان السوريين عند تحويلهم من الشمال السوري حسب طاقتها...

سوريات إلى الدعارة في العراق..ضحايا ميليشيات عراقية

“يضربني زوجي كل يوم، ويصطحبني مُكرهةً لممارسة الجنس مع أشخاص في الفنادق والبيوت، ثم يعود بي إلى البيت ليفعل بدوره الأمر نفسه بعد ضربي...

الأكثر قراءة