يكاد يتفق السوريون، بكل تنوعاتهم، على حقيقة أنهم في مشكلة كبيرة أساسها صعوبة أو استحالة (كما يقول البعض) خروجهم من الحال التي صاروا إليها حالياً، ولا سيما في انقسامهم واختلافهم حول سبل الخروج الممكن، رغم اتفاقهم العام في توصيف حالتهم الراهنة بجوانبها المختلفة.
وصعوبة توافق السوريين لا تعود لأسباب آيديولوجية وسياسية فقط، بل لأسباب أخرى، وفيها أسباب عملية، ربما الأبرز فيها هو طبيعة المشاركين في النقاشات والظروف المحيطة بهم. وثمة سبب آخر يتمثل في توسع دائرة النقاش، سواء من حيث تعدد موضوعاته وتداخلاتها، وهناك سبب ثالث مهم لا بد من التوقف عنده؛ وهو غياب مركز أو مراكز فاعلة ومؤثرة على مجريات النقاش ونتائجه.
ورغم اعتقادي بأهمية الأسباب، التي أدت بالسوريين إلى ما صاروا إليه، فإن الأبرز في الأسباب هو العامل الإنساني ممثلاً بالمشاركين في النقاش، وهم يستحقون التوقف عند حالتهم والتدقيق ما أمكن في بعض تفاصيل الحالة وحيثياتها، خاصة أن حجم الكارثة، التي وقعت على السوريين، جعلت أغلبهم ضحايا وأصحاب مظلوميات وحقوق ينبغي أن تعاد، وأن يتم الاعتراف بها على الأقل، ويمثل هؤلاء الكم الأكبر من المشاركين في النشاط العام من حيث انخراطهم في النقاش، وسعيهم للمشاركة في تحمل المسؤولية أيضاً.
ورغم اعتقادي بأهمية الأسباب، التي أدت بالسوريين إلى ما صاروا إليه، فإن الأبرز في الأسباب هو العامل الإنساني ممثلاً بالمشاركين في النقاش، وهم يستحقون التوقف عند حالتهم والتدقيق ما أمكن في بعض تفاصيل الحالة وحيثياتها، خاصة أن حجم الكارثة، التي وقعت على السوريين، جعلت أغلبهم ضحايا وأصحاب مظلوميات وحقوق ينبغي أن تعاد، وأن يتم الاعتراف بها على الأقل، ويمثل هؤلاء الكم الأكبر من المشاركين في النشاط العام من حيث انخراطهم في النقاش، وسعيهم للمشاركة في تحمل المسؤولية أيضاً.
لقد غذّت وقائع حراك الثورة والمعارضة والصراع في سوريا وحولها، ولا سيما في الأعوام الأولى 2011 – 2013 إلى توسيع قواعد التمثيل السياسي – الاجتماعي في الجماعات والتحالفات السياسية، وبدا ذلك بصورة واضحة في تشكيلي هيئة التنسيق الوطنية والمجلس الوطني السوري، ووريث الأخير الائتلاف الوطني السوري، وامتدت الحالة أيضاً إلى المجلس الوطني الكردي والتشكيلات المحيطة بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) وغيرهم كثير، كما ظهرت في الجماعات المسلحة ومنظمات المجتمع المدني.
لقد ولد الواقع عشرات الآلاف من الأسماء في ساحة سياسية لم يكن فيها قبل الثورة عام 2011 سوى عدة آلاف أكثرهم يعمل في شروط شديدة الصعوبة، وبعضهم في المعتقلات وتحت الملاحقة الأمنية، وجزء آخر في المنافي يعاني مرارات أعوامها الطويلة، إضافة إلى انقطاع تفاعله الحي والمباشرة مع أهله في بلاد يلاحق فيها الهواء، ويدقق في طبيعته واتجاهاته.
وإن كنت كما كثير من السوريين المؤمنين بحق الجميع
في النقاش، وتحمُّل المسؤوليات السياسية والاجتماعية في شؤون قضيتهم وأوضاعها الراهنة، ورسم سبل الخروج منها، فإن الذاهبين نحو المشاركة يحتاجون إلى مؤهلات وقدرات للقيام بمسؤولياتهم، وهي أمور لم يتم التدقيق فيها، بل ربما لم يفكر فيها سوى قليل من المشاركين بحكم التجربة المحدودة والإرث الضعيف للحركة السياسية وثقافتها الموروثة، طبقاً لما كرّسه نظام الأسد طوال خمسين عاماً في سوريا.
لم يتغير ويتبدل واقع ونوعية وحجم المشاركين في النقاش السوري العام فقط، بل تغيرت بعض ملامح البيئة المحيطة بالنقاش، حيث سقطت بعد الثورة التبعات السياسية والأمنية للنقاش وللمواقف المعلنة، حيث خرج أغلب السوريين من دائرة سيطرة نظام الأسد، ووصل جزء كبير منهم إلى بلدان ذات طبيعة ديمقراطية، وأخرى لا تمانع في نقاش لا يضرها، ولا يمس أمنها القومي، بل إنه قد يخدم سياساتها في هذا الجانب أو ذاك، ولعل التطور الأهم فيما يحيط بالنقاش السوري، كان التبدل في أدواته ووسائله، التي شهدت تحولاً انقلابياً بالمعنى الدقيق للكلمة.
عندما انطلقت ثورة السوريين عام 2011، كانت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة قد فقدت تحكمها شبه المطلق في نقل الأخبار وتحليلها ومناقشتها، بل إن حضورها ودورها أخذا يتراجعان لصالح زيادة حضور ودور وسائل التواصل الاجتماعي، التي لم تتزايد فقط، بل وسعت دوائرها، وطورت نشاطاتها وقدراتها، وسط تقدم وسائل الاتصال والتطور العالي المستوى في تقنياتها، وكان الانعكاس المباشر لما سبق على السوريين، وبشكل خاص المشاركين في النشاط والنقاش السوري العام، أن أعطاهم فرصاً وخيارات واسعة للقول والنقاش والحصول على المعلومات والوثائق ومشاركتها بأفضل الشروط، وأقل التكاليف، خاصة في الأعوام الأخيرة.
وكان من نتائج دخول السوريين الإعلامي إلى وسائل التواصل الاجتماعي، أن نشأت عشرات آلاف المنصات من مختلف الأنواع، لكن العدد الأكبر منها كانت على مواقع «فيسبوك» و«تويتر» و«سكايب»، قبل التوسع أكثر نحو «واتس أب» و«يوتيوب»، وصولاً إلى «كلاب هاوس» و«زووم» وأخواتهما، وقد اختلطت هذه المنصات ما بين الحسابات الفردية لناشطين، أو مجموعات وهياكل جماعية مختلفة الهويات، تشاركت في نشاطات مختلفة؛ بينها أنشطة سياسية وإعلامية وثقافية.
وسط الوقائع المحيطة بالمشاركين في النقاش السوري العام، وفي ظل غياب مركز موجه ومؤثر يؤشر إلى الأهم والمُلحّ في قضايا النقاش وموضوعاتها، ويساهم في تنظيمها، ويرسم خلاصاتها، طرحت قضايا النقاش، بعضها كان جدياً وضرورياً، وآخر لم يكن ثمة حاجة للانخراط فيه من حيث؛ لا جدواه ولا وقته، وكثير من النقاشات كان ضاراً في موضوعاته وفي مجرياته ونتائجه، وكل ما سبق كان في بعض جوانبه، نتيجة عاملين؛ أولهما بسبب ضعف خبرات وتجارب أغلب المشاركين في النقاشات، وعدم الاعتماد على الوقائع والمعطيات الحقيقية، وشيوع تضخم الذات وروح الاستسهال وغياب الموضوعية، والثاني فوضى النشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وانعدام التدقيق، بما فيه التدقيق اللغوي الذي أساء في كثير من الأحيان إلى أفكار ومواقف ربما كان بعضها يستحق الوقوف عنده.
فايز سارة_ الشرق الأوسط