ولأن إقرار حقوق وحريات المرأة يظل في مصر وبلاد العرب هما مجتمعيا شاملا يتجاوز دور الحكومات وحدود السياسة ويرتبط بقناعات ومواقف الرجال ومدى استعدادهم لقبول فريضة المساواة بين الجنسين، يجدر بدعاة تمكين النساء مراجعة دراسة «فهم هويات الرجال الجندرية» التي أطلقتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة خلال السنوات الماضية وتفصل نتائج أبحاث استقصائية عن الرجال ونظرتهم إلى المرأة في مصر ولبنان والمغرب وفلسطين.
أجريت الدراسة باستقصاء آراء ما يقرب من 10000 رجل وامرأة تتراوح أعمارهم بين 18 و59 عاما في البلدان الأربعة، وخلصت إلى أن معظم الرجال «يدعمون مصفوفة واسعة من السلوكيات التقليدية غير المنصفة» للنساء بداخلها تبرير العنف المنزلي ضدهن وتهمشهن في الفضاء العام وتنتهك حقوقهن وحرياتهن المدنية والاجتماعية والسياسية.
خلصت الدراسة أيضا إلى أن أقلية من الرجال، تدور نسبتها حول 25 في المائة في البلدان الأربعة، تنتقد العنف ضد النساء وتدعم المساواة في البيت والمدرسة والجامعة والمصنع والمؤسسات الحكومية وترغب في تمكين المرأة بمشاركتها في تحمل الأعباء الأسرية وتشجيع استقلاليتها الاقتصادية والمالية.
أثبتت دراسة «فهم هويات الرجال الجندرية» والتي شارك بإعدادها من مصر مركز الأبحاث الاجتماعية في الجامعة الأمريكية، أن أغلبية كبيرة من المصريين واللبنانيين والمغاربة والفلسطينيين ترى أن الدور الأهم للمرأة يتمثل في الاعتناء بالأسرة والرعاية المعيشية لأفرادها رجالا وأطفالا بينما يتعلق دورهم هم بمراقبة النساء والفتيات في أسرهم وضبط سلوكياتهن. بل أن الدراسة، ومن خلال استقصاء آراء آلاف النساء، وجدت أن أكثر من نصف عدد النساء يقبلن تلك الرقابة الذكورية عليهن ولا يمانعن في أن يختزل دورهن إلى الاعتناء بالرجال وورثتهم من الأطفال.
فيما يخص سوق العمل، تسود بين أغلبية الرجال والنساء في مصر ولبنان والمغرب وفلسطين ذات النظرة الذكورية التي تعطي الرجل الأولوية في الحصول على الوظيفة وتستبعد المرأة متذرعة بأنها زوجة وأم في المقال الأول بدلا من موظفة وعاملة.
وبين الأقلية من الرجال التي تساند المساواة مع النساء في سوق العمل وتنزع إلى تفضيل إقرار حقوقهن وحرياتهن ترتفع نسبة الرجال ميسوري الحال وذوي التعليم العالي والقادمين من أسر كان بها أمهات عاملات، وترتفع أيضا نسبة الرجال من سكان المناطق الحضرية مقارنة بانخفاضها في المناطق الريفية (وينطبق ذلك على مصر والمغرب بوجه خاص).
وباستثناء الجمهورية اللبنانية، وبها يتزايد بين الأجيال الشابة عدد الرجال المؤيدين للمساواة مع النساء والرافضين للعنف ضدهن، لا يختلف شيوع النظرة الذكورية والمواقف التمييزية وغير المنصفة ضد المرأة بين الشباب من الرجال عن الرجال متوسطي العمر والكهول في مصر والمغرب وفلسطين. بينما يحمل الشباب في البلدان الثلاثة قناعات تقدمية بشأن السياسة والمجتمع والعلاقة بين المواطن والسلطة، إلا أن الصفة التقدمية تغيب فيما خص وضعية المرأة داخل الأسرة وفي المجتمع على نحو كاسح وصادم.
وفي هذا السياق، تتناقض ذكورية الشباب من المصريين والمغاربة والفلسطينيين مع قناعات ومواقف نظرائهم في العدد الأكبر من بلدان العالم (متقدمة ونامية) حيث يتسم الشباب بالدعم الكامل للمساواة بين الجنسين.
ومن بين التداعيات السلبية لغياب المساواة بين الجنسين وتهميش المرأة في سوق العمل وتعاظم مسؤولياتها داخل الأسرة، تشير الدراسة إلى معاناة النساء من العديد من أوجه الضعف الصحية مثل مرض الاكتئاب الذي تتعرض له نسب تتراوح بين 35 و52 في المائة من المصريات واللبنانيات والمغربيات والفلسطينيات مقارنة بنسبة 26 إلى 38 في المائة من الرجال. ويبدو أن لكل من انتشار العنف المنزلي ضد النساء (بين 10 و45 في المائة من الرجال الذين استقصت الدراسة آراءهم أقر باستخدام العنف الجسدي ضد شريكات حياتهن) ولتخاذل أغلبية الرجال عن الاضطلاع ببعض المهام الأسرية صلة مباشرة بارتفاع نسب النساء المكتئبات.
ما أحوج دعاة تمكين المرأة وإنصافها والمساواة بين الجنسين في مصر وبلاد العرب إلى قراءة دراسة «فهم هويات الرجال الجندرية» ومناقشة استخلاصاتها، والتفكير في التغيرات الاجتماعية اللازمة (تحديث النظم التعليمية مثالا) لإبعاد أغلبية الرجال عن النظرة الذكورية والقناعات والمواقف التمييزية. كل يوم امرأة عالمي ونساء مصر والعرب إلى المساواة أقرب.
عمرو حمزاوي _ القدس العربي