بين رسالتين فكريتين : الأولى رسالة سماوية هدفها إشاعة السلام والأمان والرحمة،(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهي الدعوة بالحسنى، وفكرة التطرف التي ارتدت ثوبا دينيا تارة، وايديولوجيا أو قوميا و أثنيا تارة من هنا فإن المعركة الأهم لمواجهة التطرف هو التصدي لمنبعه الأول وهو الفكرة والفكرة هنا وإن تسترت برداء الدين لكن العالم بات مقتنعا بشكل أوضح عبر السنوات الماضية، أن الأديان ليست سببا أو منبعا للتطرف سواء كان دين أو معتقد أو هو ليس السبب الوحيد، ولكنه الرداء الأسهل الممكن إلباسه لكل حركات التطرف مستخدمة تفسير مغلوط، أو اقتباس مبتور أو تطويع لنص ديني خدمة لهدف.
كيف يولد التطرف؟
على محرك البحث غوغل ستجد تعاريف كثيرة، ودراسات مهمة حول كيف ينشأ هذا الفكر ومن يغذيه ومن المستفيد منه ….؟
لم يولد المتطرفون من فراغ، بل من تطرف سابق وليست الأحزاب والحركات السياسية والدينية في العالم عموما وفي منطقتنا العربية والإسلامية خاصة هي المسؤول الأول أو الوحيد عن وجود متطرفين فكريا ومتطرفين عنيفين كانوا سببا حقيقيا في خسارات كبيرة لأرواح بشرية أزهقت، واتهام هؤلاء وحدهم هو اتهام مجتزأ إذا لم نحمّل أنظمة الحكم الفاسدة والإستبدادية مسؤولية مشتركة مع أمراء الحرب من حركات متطرفة وإرهابية يقف العالم الحر كله بما فيهم منظمات المجتمع المدني في مواجهتهم وكشف خداعهم وإجرامهم.
ندرك جميعا نحن المعنيين بمكافحة التطرف حجم التحدي الذي نواجهه خاصة في واقعنا المعاش من حروب، وبيئات تعيش القهر والضغط والتي من السهل تحولهم لأهداف سهلة لتجنيدهم في أعمال إجرامية وخاصة الفئة الشابة وتشكل مانسبته أكثر من 60 بالمئة من مجموع السكان في منطقتنا.
المثقف ورجل الدين وطوق النجاة
ربما يستغرب البعض وضع طرفين متناقضين في الرؤية والمنهج معا لمكافحة التطرف، ولطالما تم التركيز بداية على دور رجال الدين وحدهم في هذه المهمة، رغم اختلاف التأويلات حسب دوافع التطرف والتطرف العنيف لكن لايمكن تجاهل حقيقة ربما تكون صادمة للبعض أنه ما خرج من صلب المجتمعات الإسلامية، إنما من انحرافاتها الثقافية فضلا عن تعقيدات البنية الإجتماعية والإقتصادية من معاناة الغالبية وعيشهم بظروف حياتية شديدة القسوة، والشعور بالظلم والتهميش.
فالمعركة ضد التطرف والأفكار الظلامية ليست معركة رجال دين فقط، فللمثقفين والمتنورين الذين طالما تعاملوا مع الدين والمؤسسات الدينية جميعها على أنها معوقات أمام التطور والحداثة، مع الإعتراف بشفافية أن الدعوة لهذه المبادرة ليست بهذه السهولة، فالمؤسسات الدينية تعاني تراجعا وعوامل ضعف وتحتاج إصلاحا بنيويا، خاصة ونحن نعي أنها افتقدت لعقود طويلة الإستقلالية، والقدرة على تطوير أدائها، فكانت غالبا مستتبعة لأنظمة الحكم وتأتمر بأمرها …الأمر ذاته تقريبا وقعت به النخب الثقافية فهي إما تابعة للسلطة أو منزوية ولكنها ادعت دائما أن السبب الجوهري للتخلف والتطرف السبب وراءهما هو الدين.
نحتاج في أحد أركان مكافحة التطرف إلى توقف المعارك الفكرية بين المثقفين ورجال الدين ومعهم المؤسسات الدينية للعمل معا وتوحيد الجهود لمواجهة الأصوليين والإحيائيين العابثين بمصائر البشر جميعا…ومحاولاتهم الشرسة لاختطاف عقول الشباب والفتيات في مجتمعاتنا الفتية الباحثة عن هوية ودور يستحقونه لحمل مهمات جسام في طريق التنمية …بدل تركهم لوحدهم في غرف دردشة عبر مواقع التواصل الإجتماعي المكان المثالي لقادة الفكر الظلامي لجذب الشباب والنساء اليائس والحانق مستغلين حاجتهم لإشعارهم بقيمتهم وجدواهم وأهمية كل فرد منهم بذاته أو ضرورته في التعبير ودوره في التغيير .
لكن أي مصير ينتظرهم إذا لم…..
أعتقد أنها ربما المرة الأولى التي يتم فيها طرح فكرة بناء جسر بين طرفين يبدوان متناقضين وهما المثقف ورجل الدين والبحث عن مؤسسات دينية وثقافية ناهضة منسجمة مع فكرة السلام في الأديان كلها ومنها الإسلام لتصحيح الأفكار المغلوطة واسترجاعه من خاطفيه، بدل اختطاف أصحاب الفكر الظلامي المتطرف لفتياتنا وشبابنا ورميهم للموت أو المجهول وتجنيدهم كأدواة هدم .. البديل ايجاد مؤسسة عمادها مفكرين ومتنورين من رجال دين وعلمانيين وليبراليين وتصحيح العلاقة بينهم …الأمر يستحق المحاولة لأنه طوق نجاة آخر في خندق محاربة التطرف بكل أشكاله.
هند بوظو _ تجمع سيدات حياة