مع منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وصل سعر صرف الليرة السورية إلى أكثر من 5100 ليرة سورية مقابل كل دولار، وهو أكبر انخفاض لقيمة الليرة منذ فترة طويلة بعد الاستقرار النسبي الذي استطاعت تحقيقه.
ولا يمكن النظر إلى التحوُّلات الأخيرة في سعر الصرف الليرة عَبْر سياق أوسع من الناحية الموضوعية، وأطول من الناحية الزمنية؛ حيث تعرضت إلى هبوط مستمر في سعرها منذ أكثر من 10 سنوات، بمعنى أن المسار الطبيعي لليرة السورية هو الهبوط، على خلفية الانهيارات في الاقتصاد السوري، واستنزاف موارد الدولة في سبيل الحرب.
بينما استطاعت الليرة تحقيق ثبات في سعر الصرف لأكثر من 16 شهراً بسبب جملة من الإجراءات التي اتبعها النظام أبرزها:
• ضبط الكتلة النقدية السورية عن طريق إجبار كبار التجار على إيداع أموالهم في البنوك، والتحفظ على الحوالات الكبيرة الخاصة بهم.
• إطلاق قوانين تتعلق بضرورة فتح حسابات بنكية لعمليات البيع العقاري ومبيعات السيارات بحيث تبقى المبالغ في البنوك وبالليرة السورية.
• التشديد على عمليات نقل الأموال والاحتفاظ بها. لقد ساهم قانون الحجز الاحتياطي بإجبار عدد كبير من الشركات ورجال الأعمال بدفع مبالغ كبيرة بالليرة السورية للمؤسسات الحكومية، وجعلهم أكثر استجابة للقرارات الصادرة عن هذه المؤسسات عَبْر تسويات مالية قاموا بها في الأفرع الأمنية على غرار تلك التي جرت في الجانب السياسي، مما ساعد كثيراً في تخفيض الكتلة النقدية وحصرها بيد النظام لفترة طويلة، وساهم في النتيجة باستقرار سعر الليرة نسبياً.
في الربع الثاني من 2022 بات النظام أكثر حاجة للعملات الأجنبية، لأسباب تتعلق بارتفاع سعر السلع الأجنبية على خلفية الأزمات العالمية، واستطاع الاستفادة من العروض المغرية للحبوب المسروقة من أوكرانيا عَبْر تُجّار من روسيا أو وسطاء أمّنوا له كميات بأسعار مغرية، مما جعله يستقدم مزيداً من الكميات، وبالتالي مزيداً من الطلب على العملات الأجنبية.
من جانب آخر، بدت روسيا أكثر احتياجاً للعملات الأجنبية مع بَدْء هجومها على أوكرانيا وتطبيق عقوبات غربية عليها، مما جعلها تتوقع استرداداً قريباً لديونها قصيرة الأمد -على أقل تقدير- من حلفائها، وهذا أيضاً ساهم برفع احتياج النظام للعملات الأجنبية، وجعله يطرح كميات أكبر من العملة السورية للحصول على الدولار القادم من أسواق دمشق وحلب وشمال سورية.
في السياق ذاته، يتعرض حلفاء النظام لأزمات غير مسبوقة، من عقوبات وخسائر عسكرية وسياسية كالتي تتعرض لها روسيا، واحتجاجات كالتي تواجهها إيران، إضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الرئيسية.
بذلك، يزداد المعروض النقدي من الليرة السورية في الأسواق، وتقلّ ثقة تُجّار ورجال أعمال سوريين بعملة بلادهم، مما يدفع الليرة لانهيار جديد قد لا ترسم حدوده خلال العام الجاري.
الثابت الوحيد هو أن قيمة الليرة تتجه لمزيد من الهبوط خلال الأشهر الستة المقبلة، وترتبط مستويات هذا الهبوط بقدرة النظام على استعادة زمام المبادرة في ضبط سعرها، عَبْر خفض المعروض النقدي، والحصول على أموال بالعملات الأجنبية من شركائه أو من مشاريع التعافي المبكر التي يَتوقَّع بَدْأَها في مناطقه.
المصدر: مركز جسور للدراسات