عادت الانتقادات لتلاحق جماعة القبيسيات بعد مشاركة تلك الجماعة الدينية “السنية” التي تقتصر عضويتها على النساء في احتفال بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف في المسجد الأموي في دمشق، الأحد، بمشاركة الرئيس السوري بشار الأسد.
وللمرة الأولى تشارك هذه الجماعة في احتفال المولد النبوي الذي تقيمه وزارة الأوقاف التابعة للنظام السوري بشكل سنوي.
تمسك المجتمع بالدين
وفي الحفل ألقى بشار الأسد كلمة بحضور “القبيسيات” أشار فيها إلى تضحيات الشعب السوري في مواجهة الحرب العدوانية التكفيرية، حسب تعبيره، وأكد أن ما يحدد قدرة المجتمعات على مواجهة العواصف الهدامة هي عوامل الاستقرار وتحصينه من الاختراقات الفكرية مشدداً على أن “قياس تمسك المجتمع بالدين يكون من خلال قياس أخلاق المجتمع وسلوك أبنائه”.
واعتبر الأسد أن وجود “معلّمات القرآن” معنا في هذا الاحتفال الديني هو “أمر طبيعي” بينما كانت القبيسيات متجمهرات حوله، وليست المرة الأولى التي يجتمع فيها الأسد بالقبيسيات، إلا أن سوريين انتقدوا طريقة نظرهن إلى الأسد التي تدل على إعجابهن الشديد به حسبما علق الكثير من المراقبين والنشطاء مدللين على ذلك بصور التقطت لهن خلال الحفل. ومن بين هؤلاء كانت تغرديدة الصحافي عمر قصير إلى جانب صورة تظهر كيفية استقبال القبيسيات للأسد عند وصوله الحفل: “إن كنت ترغب أن تكون سعيداً بحياتك، ابحث عن شخص ينظر إليك كما تنظر القبيسيات للطبيب الشاب، خلال إحياء ذكرى المولد النبوي”.
ونالت حركة “القبيسيات”النسوية السورية اهتمام وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بعد أن برز دورها بشكل لافت خلال السنوات الماضية في دعم رأس النظام السوري بشار الأسد، في حين اقتصرت أنشطتها قبل الثورة في سوريا على الدعوة الدينية.
هيكلية شبه تنظيمية
وعن “القبيسيات” ممن شاركن في الاحتفال في دمشق، ترى عضو الجماعة نور عقاد إن “القبيسيات جماعة دينية إسلامية دعوية نخبوية نسوية تعتمد هيكلية شبه تنظيمية غير مُعلنة، نواتها من طبقة أثرياء دمشق ونشاطها الحقيقي والجاد يستهدف هذه الطبقة، تُعرف الحركة أنها جماعة دينية إسلامية، صوفية الجذور، تقتصر العضوية فيها على النساء، وتنشط في مراكز المدن السورية، وفي دمشق وحلب و حماه على وجه الخصوص وتعداد المنتسبات إليها الآن في سوريا وصل إلى نحو 60 ألف امرأة” حسب عقاد.
أما عائشة شيخ وهي عضو آخر في جماعة القبيسيات فترى أن الحركة نجحت في الحفاظ على وجودها لاسيما داخل الحواضر الكبرى في سوريا، رغم ظروف الحرب التي تمر بها البلاد منذ العام 2011، والتي أثرت على العديد من التنظيمات والمجموعات الدينية ذات الخلفية الفكرية “المعتدلة” في مقابل صعود التيارات الراديكالية.
وسمح النظام لهذه الحركة بزيادة نشاطاتها بشكل غير مسبوق بعد عام 2012، وتحولت بعد ذلك إلى مؤسسة دينية قدّم لها الدعم الحكومي، وحرص النظام على استقطاب هذه الحركة الدينية النخبوية إلى صفه بعد أن كانت المواقف الرسمية تجاهها متباينة ومغلفة بالكثير من الشكوك وانعدام الثقة، وشكل اللقاء الشهير في القصر الجمهوري في العام2011 بين عضوات الحركة والرئيس الأسد بمثابة إعلان عن انحياز هذه الحركة للنظام في وجه الثورة.
والقبيسيات جماعة دينية إسلامية، تقليدية، تقتصر العضوية فيها على النساء، وتنشط في مراكز المدن السورية، وخاصة في دمشق، وأخذت الجماعة تسميتها من مؤسستها منيرة القبيسي 89 عاما، التي تتلمذت على يد مفتي سوريا الراحل، الشيخ أحمد كفتارو، المشهور باتباعه الطريقة ” الصوفية النقشبندية”.
الدروس الدينية
وبعد أن كانت القبيسي تنشط سراً في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وسعت نشاطها بعد تسلم بشار الأسد الحكم، خلفا لأبيه حافظ في العام2000، ومع اندلاع الثورة السورية بدأ نشاط الجماعة يظهر إلى العلن، من الدروس الدينية إلى الموالد النبوية والاحتفالات، وغيرها من المناسبات الدينية والاجتماعية، الهادف إلى التعليم الديني ونشر الأخلاق الإسلامية بين فئات النساء.
وتنضبط الجماعة بقواعد وقوانين يُقال إنها “صارمة”، وتُقسم البينة التنظيمية للجماعة العضوات فيها إلى ثلاثة أقسام، الحجَّات: وهن الطبقة الأولى والنواة المركزية والمرجعية النهائية التي تدير الجماعة وحلقاتها، والآنسات/ الخالات الكبيرات: وهن الذراع التنفيذية للخطط والبرامج، وعلى عاتقهنّ تقع مسؤولية الاستقطاب والوصول إلى الشرائح المستهدفة، وأخيراً المريدات/ التلميذات: وهن القاعدة التي ترتكز عليها الجماعة في عملها، والشريحة المستهدفة، ويتم تأطيرها في حلقات تتبع كل حلقة لآنسة.
منافع متبادلة
“القبيسيات” لاقت انتقادت كبيرة، حيث يعتبرها الأكاديمي والكاتب في الشؤون الإسلامية، محمد علي النجار، جزء من تيار عالمي رافض لمصطلحات الحرية والعدالة باعتبارها مصطلحات غربية تهدف إلى تخريب المجتمعات وضرب خصوصيتها، والجماعة تيار تقليدي يمنع التدخل في السياسة فلا مشكلة له مع الأنظمة.
الطرفان مستفيدان، فالنظام يرى في الجماعة وغيرها من الجماعات الصوفية التقليدية، وليست الصوفية الإصلاحية، بديلاً عن الحركة الإسلامية في سوريا، بمعنى آخر هذه الجماعات تؤمن البديل لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات التي لا تتعارض مع مصلحة النظام، علماً أن الجماعة تؤمن الحواضن الشعبية الموالية للنظام.
وفي المقابل، تحصل الجماعة على امتيازات وتسهيلات من النظام، حيث تم السماح للجماعة بتوسيع نشاطها في المساجد ، وهو ما أشار إليه النجار “هناك توجه عاطفي في الجماعة يرافق التعليم الديني ويمكن توظيفه بتوجيهه نحو شخص بشار باعتباره حاميا للدين ومثالاً للرئيس الشاب المثقف والقوي في مواجهة الخطر الذي تمثله القيم الغربية على المجتمعات المحلية”.
كافأ “بشار الأسد” حركة “القبيسيات” ففي العام 2014، عيّن الأسد سلمى عياش إحدى النساء البارزات في “القبيسيات” معاونة لوزير الأوقاف، كما أصبحت القيادية في الحركة “فرح عشو” مقربة من النظام السوري خلال الفترة الممتدة بين عام 2016 2020 ، بينما تم تعيين القيادية “خديجة الحموي” مديرة للدعوة النسائية في وزارة الأوقاف.والواضح أن النظام السوري يحاول الاستفادة من أي جماعة لا تظهر تأييدا لدعوات الحرية حقوق الانسان.
وائل عصام _ القدس العربي