العنف تعبير عن القوة الجسدية التي تصدر ضد النفس أو ضد أي شخص آخر بصورة متعمدة، أو إرغام الفرد على إتيان هذا الفعل نتيجة لشعوره بالألم بسبب ما تعرض له من أذى، وتشير استخدامات مختلفة للمصطلح إلى تدمير الأشياء والجمادات (مثل تدمير الممتلكات). ويستخدم العنف في جميع أنحاء العالم كأداة للتأثير على الآخرين، كما أنه يعتبر من الأمور التي تحظى باهتمام القانون والثقافة، حيث يسعى كلاهما إلى قمع ظاهرة العنف ومنع تفشيها. ومن الممكن أن يتخذ العنف صوراً كثيرة تبدو في أي مكان على وجه الأرض، بدايةً من مجرد الضرب بين شخصين والذي قد يسفر عن إيذاء بدني، وانتهاءً بالحرب والإبادة الجماعية التي يموت فيها ملايين الأفراد. والجدير بالذكر أن العنف لا يقتصر على العنف البدني فحسب بل ينسحب على العنف المسلح والعنف النفسي. سأتعرض في موضوعي هذا للعنف ضد المرأة لأهميته وحساسيته ومدلولاته ومعانيه، ولارتباطه الوثيق بالاستبداد والوعي الجمعي، و موروث ثقافي وديني وعادات وتقاليد.
فالعنف ضد المرأة هو أعلى درجات الانتهاك لحقوق الإنسان، وشكل من أشكال التمييز ضد المرأة ويعني جميع أعمال العنف القائم على أساس نوع الجنس التي تؤدي إلى أضرار بدنية، أو جنسية، أو نفسية، أو اقتصادية، أو من المحتمل أن تؤدي إلى ذلك بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأعمال، أو الإكراه، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء أحدث ذلك في الحياة العامة أم الخاصة. ومن الضروري أن نوضح للجميع أن مصطلح “العنف القائم على أساس نوع الجنس يشير إلى أي أعمال أو تهديدات بأفعال تستهدف إيذاء المرأة أو جعل المرأة تعاني جسدياً أو جنسياً أو نفسياً، وهي تلك الأفعال التي تؤثر على النساء لأنهن نساء، أو تؤثر على المرأة
تأثيراً ضاراً بها؛ لأنها امرأة وبما لا يتناسب مع إنسانيتها كونها إنسانة لها كامل الحقوق وعليها كامل الواجبات التي تتعلق بالإنسان كإنسان سواء كان رجلاً او امرأة.
وإذا تساءلنا ما هي أسباب العنف ضد المرأة ؟! سنبحث في دوائر متعددة، منها تاريخية، ومنها دينية، ومنها اقتصادية، ومنها سياسية، ومنها نفسية حيث تتعرض المرأة للعنف لأسباب عدة، قد يجتمع عدد منها في الوقت نفسه وتتشابك؛ مما يؤدي إلى أذي المرأة بشكل أكبر وأعنف سواء من الناحية النفسيّة أو الجسديّة، وترجع أسباب العنف ضد المرأة إلى دوافع اجتماعية ونفسيّة واقتصاديّة فالعوامل الاجتماعيّة من أبرز الدوافع لارتكاب العنف ضد المرأة، وتشمل العوامل الاجتماعية تدني مستوى التعليم وتفشي الجهل بين أفراد المجتمع، وبالتالي سهولة التأثُّر في المعتقدات الخاطئة المُتعلقة بشرف العائلة والعفاف؛ والتي تنتشر في المجتمع والبيئة المُحيطة، إلى جانب تبنّي وجهات النظر الداعية إلى فرض القوة الذكورية والتي تظهر على شكل العنف الجسدي والجنسي على حد سواء. كما أنّ العوامل النفسية التي تشكلّت في شخصيات مُرتكبي العنف ضد المرأة في الصِغَر تؤثر بشكل كبير في سلوكياتهم، وتظهر على شكل سلوك عدائي في الكِبَر. ومن أبرز هذه العوامل النفسية تَعرُّض مُرتكب العنف للإيذاء بأي شكل من الأشكال في طفولته، أو وجوده في بيئة أُسرية تنتشر بها حالات تعنيف الأبوين، أو اعتداء الأب على الأم بأي شكل من الأشكال، إلى جانب اضطرابات الشخصية التي قد تُؤدي إلى خلق شخصية مُعادية للمجتمع. كما أن العوامل الاقتصادية تُعد من أكثر دوافع العنف ضد المرأة التي تشهدها عدة مجتمعات في الماضي من الزمن، وفي وقتنا الحالي.
والسبب في ذلك يعود إلى الضغوطات الاقتصادية التي تُعاني منها شريحة واسعة من المجتمع، وتدني المستويات المَعيشية، وتفشّي البطالة والفقر، حيث تُشكل هذه الأسباب مُجتمِعَة ضغوطات نفسيّة كبيرة على مُعيلي الأُسرة، بل الأسرة كلها، ولا شك توجد أسباب أخرى للعنف ضد المرأة منها: انخفاض مستويات التعليم وانعدام الفرص بتحسين الوضع الاقتصادي، وزيادة نسبة البطالة. (فانتشار البطالة بين الشباب ومواكب الخريجين الذين لا يجدون عملاً أو وظيفة، قد يكون لها التأثير في سلوكهم وتحويله لسلوك يتصف بالعنف). ووجود اختلافات اقتصادية وتعليمية وتوظيفية بين الرجل والمرأة، والعلاقة المتوترة بين الزوجين. وسيطرة الذكور على صنع القرار وبعض المواقف والممارسات التي تعزز خضوع المرأة مثل المهر، وزواج القاصر.
عدم وجود مساحات آمنة للنساء والفتيات تسمح لهن بحرية التعبير والتواصل، وتطوير الصداقات والشبكات الاجتماعية، وطلب المشورة من بيئة داعمة، وعدم وجود تشريعات وعقوبات متعلقة بمرتكبي العنف ضد النساء وانخفاض مستويات الوعي بين مقدمي الخدمات والجهات الفاعلة في إنفاذ القانون والجهات القضائية.
ونلاحظ تداخل الأسباب ببعضها لتشكل مناخاً مناسباً لتطبيق العنف بكل أشكاله على المرأة؛ ما ينتج عنه تداخل بين الأسباب والنتائج لتصبح عوامل فاعلة ومؤثرة في ممارسة العنف ضد المرأة.
فالعنف داخل الأسرة من ضرب وشتم وتحقير يؤثر سلباً على هذا الشخص المُعنف، فيتولد عنده مثل هذا العنف الذي قد يبحث لممارسته في مكان خارج البيت لينفس فيه عما يجول بخاطره وفكره، لذلك يجب على الوالدين اجتناب أفعال العنف أمام أطفالهم.
كما أن الإنسان الذي يعاني من شعور بالنقص لقلة الإمكانيات المادية والاجتماعية تؤثر فيه سلباً، فيبدأ بمقارنة نفسه بالآخرين باحثاً عن طريق للفت الأنظار وحب الظهور، فيلجأ للعنف والتعنيف للآخر أو لنفسه بشكل مباشر أو غير مباشر، شعوري أو غير شعوري؛ لذلك يجب على الوالدين في هذه الحالة تعليم أطفالهم مبادئ الرضا والقناعة وعدم مقارنة أنفسهم بالآخرين.
أما الثقافة التي ينشرها الإعلام فلها دور كبير وصارخ ومؤثر في تعزيز العنف وتبريره أحياناً، وبأشكال متعددة ومتنوعة.
فإعلامنا لا يبث برامج توعية ولا يبث برامج تنمي لدى الفرد روح المبادرة والإيثار، والحث والتشجيع على العمل التطوعي، ولا يخصص برامج تنمي روح التفكير والإبداع لدى جيل الشباب الذي يمثل شريحة كبيرة وواسعة من المجتمع، ناهيك بالأفلام والمسلسلات والبرامج التي لا تعطي القيم الإنسانية أهمية كبرى، ولا تحث على غرس الفضيلة والنزاهة، حتى الأغاني تشجع على العنف وتقدس البطولات الفردية، وتمجد الأنانية والعصبية القبيلة، سواء كانت أغانٍ عاطفية أو وطنية.
ومع اعتذاري لرجال الدين وعلمائه نساء ورجالاً لأن الحقيقة العلمية لا تعرف المجاملة، فضعف الفهم للدين وتطبيقاته وتعاليمه المتناقضة أحياناً يكون سبباً من أسباب ممارسة العنف بشكل عام، وضد المرأة بشكل خاص؛ لأنه قد يكون ناشئاً عن فهم خاطئ عند الناس والتعبير عن ذاتها كما في بعض الجماعات المتطرفة التي تتخذ من العنف وسيلة للتعبير عن أفكارها وآرائها.
يمكن تقسيم مظاهر العنف ضد المرأة إلى قسمين:
العنف المادي: وهو إلحاق الضرر بالوجود المادي للمرأة سواء في حقوقها أو مصالحها أو أمنها، وهذا يمس حق المرأة في الحياة كالضرب والصفع والحرق والقتل والطعن والاغتيال والاغتصاب.
العنف المعنوي: وهو إلحاق الضرر بالمرأة من الناحية السيكولوجية في الشعور الذاتي بالأمن والطمأنينة، والكرامة، والاعتبار والتوازن، وهذا العنف قد يكون مرحلة نحو ممارسة العنف المادي، ويُعرّف بأنه كل أنواع الضغوط النفسية على الإنسان للسيطرة على أفكاره الاجتماعية ومبادئه الإنسانية، والحد من حرية تفكيره، ويندرج تحت هذا العنوان كل ما يسيء إلى المرأة من كلام قبيح، كالشتم والإهانة، والتحقير، والتهديد، وجرح المشاعر، والإساءة العاطفية، وإجبارها على ممارسة أعمال لا ترغب بها، أو منعها من ممارسة أعمال مشروعة ترغب بها، والاستبداد والتعصب لآرائه وعدم السماح لها بالتعبير عن أفكارها وبيان آرائها، وعدم السماح لها بالتعلم، والعمل أو زيارة أقربائها وأصدقائها.
والعنف بشقيه المادي المعنوي نجده في الجوانب التالية:
العنف الجسدي: يُعدّ العنف الجسدي من أكثر أنواع العنف انتشاراً ضد المرأة، وعادةً ما يتسبّب به الزوج أو أحد أفراد العائلة الذكور، ويشمل هذا النوع من العنف أيّ أذى جسدي يَلحق بالمرأة، سواء كان اعتداء بالضرب أو باستخدام آلة، وتترتب على العنف الجسدي مخاطر صحيّة ونفسية كبيرة للضحية، وقد يتسبّب في بعض الأحيان بوفاة الضحيّة نتيجة القوة المُفرِطة والضرب المُبرِح الذي تعرّضت له. كما يشمل العنف الجسدي جرائم الشرف التي تُرتَكَب بحق المرأة في حال التشكيك بعفّتها من قِبَل أحد أفراد أُسرتها.
العنف اللفظي: هو العنف المُمارَس ضد المرأة من خلال ألفاظ مُهينة، أو شتائم تنتقص من قدرِها، بالإضافة إلى التهديد اللفظي وسوء المعاملة، ويشمل ذلك التهديد بالطلاق.
العنف النفسي: وله آثار سلبية تنعكس على نفسية المرأة، بالرغم من عدم وجود آثار واضحة، إلا أنه يؤدي إلى إصابة المرأة بأمراض نفسية حادة كالاكتئاب.
العنف الجنسي: يأخذ هذا العنف أشكالاً عديدة منها التحرش الجنسي أو أي تهديد جنسي، أو أي علاقة تُفرض بالإكراه، أو الاغتصاب. وقد يكون هذا الشكل من العنف مُمارس من قِبَل الزوج نفسه في بعض الأحيان، كما يندرج تحت هذا النوع من العنف، العنف الجنسي في حالات النزاعات، ويؤدي إلى خطورة تعرض المرأة للاغتصاب في المناطق التي تُعاني من حالات عدم
الاستقرار السياسي والحروب.
العنف الاقتصادي: هو العنف الذي يمنع المرأة من الحصول على استقلاليتها الاقتصادية، وإبقائها كتابِع لأحد أفراد أُسرتها، ويشمل هذا النوع من العنف حرمان المرأة من التعليم، والعمل والتدريب ما يؤهلها لدخول سوق العمل، وحصر مجال عملها داخل المنزل فقط، وهو انتهاك لحق المرأة بالعمل، والحد من حريتها في اختيار عمل ما تُحب.
لقد بيَّنت الأبحاث المختلفة أنَّ المرأة تتعرَّض لعِدَّة أشكال من العُنف المُوجَّه إليها، ومن أهمّها: العُنف داخل ا لأُسرة، يظهر هذا العُنف بعِدَّة أشكال، كالضرب، والزواج القسريّ، والعُنف الجنسيّ من قِبل الزوج على زوجته، أو الاعتداء الجنسيّ على الأطفال الإناث، والعُنف ضِدَّ النساء العاملات في المنازل، وغيرها من الأشكال التي تُمارَس على الأنثى داخل الأسرة. والعُنف في المجتمع المحلِّي، حيث تتعرَّض المرأة في مجتمعها، وفي مختلف الأماكن بما فيها وسائل النقل العموميّ، وفي أماكن العمل، والمدارس، والمُستشفيات، والمُؤسَّسات الاجتماعيّة، لأشكال عديدة من العُنف، كالاغتصاب، والتحرُّش الجنسيّ، والإتجار بالنساء، والبغاء بالإكراه.
العُنف الواقع من الدَّولة: يَقع من الدَّولة عُنف جسديّ، أو نفسيّ ضِدَّ المرأة، يُمارسه مندوبو الدَّولة، كأعضاء الهيئات التشريعيّة، والتنفيذيّة، والقضائيّة، والقُوَّات العسكريّة، وقُوَّات الأمن؛ فيظهر ذلك العُنف على صورة اغتصاب، أو تحرُّش جنسيّ، أو إساءة في المُعاملة بشكلٍ لا إنسانيٍّ مُهين، أو إيقاع عُقوبة قاسية على المرأة، وتعذيبها في السُّجون، وقد يظهر العُنف على صورة انتهاكٍ لحُقوقها في القوانين، والسياسة، كتلك القوانين التي تجعل مُرتكبي العُنف ضِدَّ المرأة يفلتون دون عقاب.
العُنف أثناء الصراعات المُسلَّحة: حيث تتعرَّض المرأة للعُنف بمختلف أشكاله، وقد يكون هذا العُنف واقعاً من جهات تابعة للدَّولة، أو جهات غير تابعة لها، فتتعرَّض للقتل المُتعمّد، أو الاغتصاب، والزواج القسريّ، أو التعذيب، والتشويه، والاختطاف، وغيرها من أشكال العُنف.
ويمكن أن نضيف العنف الديني والعنف السياسي المتعلق بالصراع وما ينتج عنه.
يسبب العنف ضد المرأة آثاراً خطيرة، لا تقتصر على المرأة فقط، بل تمتد لتشمل أسرتها المُحيطة والمجتمع، ومن أبرز الآثار المُترتبة على العنف ضد المرأة:
الآثار الصحية: المتضرر الأول من العنف ضد المرأة هي المرأة نفسها، وتتأثر المرأة بمشاكل صحية مثل الإصابات الخطيرة، والكدمات والجروح، التي قد تُؤدي إلى اضطرابات داخلية، وبعض المشاكل في الجهاز الهضمي، والتأثير في الحركة، وتدني مستوى الصحة العامة، وقد تؤدي بعض حالات العنف إلى الوفاة.
الآثار النفسية: يترتب على العنف عدد من المشاكل النفسية مثل الاكتئاب الحاد والاضطراب النفسي، والتي قد تقود الضحية إلى محاولات الانتحار نتيجة للضغط النفسي الكبير الذي تقع تحته، كما يمكن أن تُسبب مشاكل مثل إدمان شرب الكحول، والتدخين، وإدمان المخدرات، الأمر الذي ينعكس على صحة المرأة النفسية في مراحل مُتقدمة.
الآثار الاجتماعية: لأن المرأة عضو فاعل في المجتمع؛ فإن كل ما تمر به ينعكس على أُسرتها ومُحيطها المجتمعي بشكل كبير، ومن المشاكل التي يسببها العنف ضد المرأة الاضطرابات الأسرية التي بدورها تنعكس على الأطفال بشكل كبير، وقد تؤدي إلى إصابتهم بعدم استقرار نفسي وعاطفي، وهو ما يؤثر في سلوكياتهم المجتمعية في مراحل متقدمة من العمر.
وَالعنف ضد المرأة مظهر من مظاهر علاقات القوى غير المتكافئة على مدى التاريخ بين الرجل والمرأة، ما أدى إلى سيطرة الرجل على المرأة وتمييزه، والعمل ضدها والحيلولة دون نهوضها.
ويُشكل العنف ضد المرأة عائقاً كبيراً أمام ممارستها دورها الفاعل في المجتمع؛ فعند تعرضها للعنف تنطوي المرأة على نفسها، الأمر الذي يحُد من مشاركتها كعضو فاعل في المجتمع ويحرمها من استثمار قدراتها في الدفع الاقتصادي للمجتمع.
ويمثل العنف ضد المرأة عقبة أمام تحقيق أهداف المساواة والتنمية والسلم. والعنف ضد المرأة ينتهك حقوقها كإنسان ويمنعها من أن تتمتع بحرياتها الأساسية.
سليمان الكفيري _ نينار برس