تتعرض واحدة من بين كل ثلاث نساء لشكل من أشكال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وتزداد المخاطر خلال النزاعات والكوارث وفي الأزمات الإنسانية.
ومن أشكال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي: الاغتصاب، والاستعباد والاستغلال الجنسيين، واستخدام العنف الجنسي كأداة من أدوات الحرب.
وفي فعالية، عُقِدَت افتراضياً يوم الاثنين، بحث مشاركون ومشاركات هذه القضية التي تُعدّ من أشدّ المخاطر على المرأة وما لها من تداعيات على الأسرة والمجتمع. ويأتي المؤتمر بعد أكثر من عام على عقد حكومات ووكالات إنسانية تابعة للأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمات المجتمع المدني مؤتمراً في أوسلو بالنرويج لتمهيد الطريق نحو القضاء على العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي خلال الأزمات الإنسانية.
نادية مراد: تجربة شخصية مؤلمة
ومن بين المتحدّثين البارزين، الناشطة الإيزيدية نادية مراد، والتي بدأت كلمتها بالقول: “إن موضوع العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي شخصي جداً، يجب علينا أن ننظر بشكل نقدي إلى الأمور الجيدة التي قمنا بها، وأين يمكن أن نفتخر بأننا صنعنا فرقاً حقيقياً. ولكن يجب أن نكون صادقين وشفافين بشأن الفرص التي فوتّناها لوقف العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأن نقف إلى جانب الضحايا”.
نادية مراد، سفيرة النوايا الحسنة لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، دعت إلى التعاون الحقيقي ووضع الناجيات في مركز الجهود لتحقيق العدالة. كما حثّت على تحديد مناطق الفشل، والتعاون لوضع الحلول: “هكذا يمكن أن نحوّل فشلنا إلى إنجازات. فأحد أكبر مظاهر الفشل هو عدم الرغبة في تقديم مصادر كافية للمجتمعات. لقد استخدمتُ عبارة (عدم الرغبة) عن قصد لأننا كمجتمع دولي لدينا القدرة على تقديم المصادر للمجتمعات المدمرة بسبب العنف. ببساطة تنقصنا الرغبة السياسية الجماعية لفعل ذلك”.
المجتمع الإيزيدي من الأكثر تضرراً
يُذكر أن المجتمع الإيزيدي في العراق هو واحد من بين مجتمعات كثيرة حول العالم بحاجة ماسة للدعم لإعادة بناء ما تم تدميره بيد تنظيم داعش. وقالت نادية مراد، وهي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 2018: “إن مئات الآلاف من الإيزيديين لا يزالون مشرّدين في مخيمات النزوح، في ظروف خطيرة وخاصة في ضوء كوفيد-19”.
وأشارت إلى أنّ آلاف الإيزيديين ما زالوا يواجهون العنف الجنسي يومياً على يد داعش: “أكثر من 2,800 من النساء والأطفال الإيزيديين في عداد المفقودين وفي الأَسر”.
وشدّدت على مسؤولية الحكومة العراقية والأمم المتحدة والمجتمع الدولي لاتخاذ الخطوات الفورية لإنقاذ هؤلاء النساء.
العنف الجنسي “جائحة صامتة”
بحسب المنظمات الدولية، يؤثّر العنف على امرأة من بين كلّ ثلاث نساء في العالم، وفي بعض الأحيان، سيّدتان من بين كل ثلاث تتأثران بشكلٍ من أشكال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وقد فاقمت جائحة كـوفيد-19 تلك الأزمة. وخلال الجائحة ارتفعت معدّلات العنف وتضاءلت الخدمات المُنقِذة للحياة.
ممثّلة عن بلدها الإمارات العربية، إحدى البلدان المضيفة المشاركة في المؤتمر الافتراضي، وصفت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي، ريم الهاشمي، العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي بالجائحة الصامتة.
من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي شاركت في تنظيم المؤتمر، تحدّثت ريم الهاشمي وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي قائلةً: “خلال الدورة الحالية للجمعية العامة، نجد أنفسنا في خضم ما يُسمّى بجائحة صامتة مع انتشار غير مسبوق للعنف ضدّ النساء والفتيات”.
وشدّدت على أهمية أن تكون الأوضاع الإنسانية محور الجهود من أجل القضاء على العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وتابعت تقول: “يمكن وقف العنف، فهو ليس بُعداً ثابتاً في حياتنا الإنسانية، إنه مظهر من مظاهر الخيارات، التي نتخذها كمجتمع، المتعلقة بقيمة النوع الاجتماعي وقيمة العمر”.
وأضافت السيّدة ريم الهاشمي أنّ العنف ينشأ عن عدم المساواة في النوع الاجتماعي وانعدام الاستقرار، وأن مواجهته استثمار في السلام والازدهار وفي الإنسانية وفي الأجيال المستقبلية.
“الإفلات من العقاب” أحد المشكلات
من جانبها، قالت وزيرة خارجية النرويج، إين ماري إريكسون سوريد، إن العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي هو مشكلة عالمية: “نعلم أن البنات يُحتَجَزن للاستعباد الجنسي ونعلم أنه يتمّ اغتصاب نساءٍ وفتياتٍ بشكل جماعي ومنهجي، ونعلم أنه يتمّ استغلال الأطفال المجنّدين جنسياً. هذه وغيرها من الانتهاكات تحصل في جميع أنحاء العالم وفي هذه اللحظة التي نجتمع فيها اليوم”.
وأشارت إلى أنّ لهذه الأمور تداعيات مدمّرة على حياة الأطفال والشابات والنساء والرجال، وتؤدّي إلى تحطيم المجتمعات وتمزيق النسيج الاجتماعي وتقويض السلم والأمن.
وفيما يتعلق بالإفلات من العقاب، قالت الوزيرة النرويجية: “يجب علينا أن نفعل المزيد لضمان تقديم المرتكبين للعدالة ووضع حدّ للاستخدام واسع الانتشار للعنف الجنسي كتكتيك في الحرب”.
وكشفت عن أنّ حماية المدنيين بما فيها الحماية من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي هي واحدة من أولويات النرويج الأربع، عندما تبدأ عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن في الأول من كانون الثاني/يناير المقبل.
تضافر الجهود هو الحل
ومن الدول المشاركة في الفعالية، الصومال الذي أظهر التزاماً قوياً بمكافحة العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، عبر تطبيق تشريعٍ شامل لحماية البنات والنساء وتوفير العدالة للناجيات. وقالت وزيرة شؤون المرأة وتنمية حقوق الإنسان في الصومال، ديقة ياسين، إنّ النساء في الأوضاع الإنسانية الصعبة من بين الأكثر تضرراً وهذا يعني أن دعمهنّ أصبح أكثر تحدّياً وحتى أكثر إلحاحاً.
وأضافت تقول: “لإحراز التقدّم، يجب علينا أن نعمل معاً وخاصة في أوقات كوفيد-19، وتتطلّب الاستجابة الفعّالة تضافر جهود جميع القطاعات في المجتمع والعمل بشكل متماسك وتعاوني”.
“عمى سياسي” عندما يتعلق الأمر بالمرأة
أشارت نتاليا كانم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى تحقيق تقدّم كبير منذ مؤتمر أوسلو، لكنّها دعت إلى الاستثمار في العمل المجتمعي والمشورة القانونية للنساء والفتيات المتضرّرات. وقالت: “جزءٌ من التعافي يتمثّل في معالجة قضية الإفلات من العقاب، والعمى السياسي الذي لا ينقشع عندما تتعرّض النساء للضرر وللخطر. نريد أن نعزّز السلامة والتعافي عبر استخدام أنظمة العدالة لمصلحة النساء والفتيات”.
كوفيد-19 عذر غير مقبول
وشدّد روبرت مارديني، مدير عام اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على ضرورة الحيلولة دون حدوث العنف الجنسي، مشيراً إلى أنّ الصليب الأحمر يقوم بذلك عبر التواصل مع جميع الأطراف بموجب القانون الإنساني الدولي. وقال: “رغم التحدّيات الجسيمة، لا يجب أن يكون كوفيد-19 عذراً للتغاضي عن احتياجات ضحايا العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والناجيات”.
ودعا الدول والأطراف الإنسانية لمضاعفة الجهود وضمان تقديم الرعاية الصحية للاحتياجات، الجسدية والعقلية.
من جانبٍ آخر، أكد رامش راجاسينغام، مساعد وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، على واجب تقديم الخدمات المنقذة للحياة، والاستشارة والدعم الطبي والقانوني والنفسي والاجتماعي. وقال: “يجب علينا جميعاً أن نتحرّك بقوة لمعالجة الأسباب الجذرية لانعدام المساواة في النوع الاجتماعي والذي يسمح بانتشار العنف ضدّ المرأة”.
التمويل والتقدّم المُحرَز
وكانت مئات الالتزامات قد أُعلنت لتعزيز الحماية القانونية والمساءلة وتوفير الخدمات لمنع العنف ورعاية الناجيات، وتمّ التعهد بأكثر من 363 مليون دولار لعام 2019 وما بعده. وقدّم 49 مشاركاً تعهّدات مالية والتزامات سياسية. وحتى أيلول/سبتمبر 2020، وضع 38 من بين 49 مشاركاً (78% من المشاركين) تقاريرهم حول التقدّم المُحرَز بشأن التزاماتهم. وتمّ قطع 130 تعهّداً من قبل 21 من المانحين عام 2019، 15% من تلك التعهّدات هي أموال جديدة (تُضاف إلى ما تمّ التعهّد به في السابق).
المصدر: أخبار الأمم المتحدة