عدة سيناريوهات محتملة، قد تُجبر على تنفيذها حكومة النظام السوري قريباً، والتي ستنعكس بشكل سلبي وخطير على المستوى المعيشي للسوريين الذين يعانون أساساً من سوء الخدمات وارتفاع الأسعار وانخفاض الدخل، حيث قررت الحكومة يوم الخميس الماضي، العمل على ترشيد الإنفاق العام حالياً بحيث يقتصر على الأولويات، في جلسة استثنائية للحكومة لتقليل تداعيات الأزمة الأوكرانية على سوريا، على حد تعبيرها.
واعترفت حكومة النظام خلال الاجتماع أنها تعتمد التمويل بالعجز عادةً، بقولها إن إجراءاتها الطارئة تهدف على “عدم زيادة التمويل بالعجز“، أي إن التمويل بالعجز متبع فعلاً، لكن حكومة النظام لا تريد زيادته، وهو السبب الذي دفعها مؤخراً إلى تسريع رفع الدعم عن شرائح واسعة من السوريين.
وسيزيد بالتأكيد عجز الموازنة المتوقع إثر تأثر الاقتصاد العالمي بالأحداث في أوكرانيا، نتيجة ازدياد الإنفاق على استيراد المشتقات النفطية والقمح والدعم مقابل انخفاض عائدات الحكومة، وأعلن وزير المالية في حكومة النظام كنان ياغي أن العجز في موازنة 2022 يقدر بنحو 4118 مليار ليرة، بينما رجح خبراء أن تكون قيمته أكبر من المعلن
وأشار ياغي إلى طرق تغطية العجز منها 600 مليار ليرة عبر سندات الخزينة، ونحو 500 مليون ليرة من موارد خارجية، والباقي ستتم تغطيته عن طريق “مصرف سوريا المركزي” كاعتمادات مأخوذة من الاحتياطي لدى المركزي.
سندات الخزينة
وفي السيناريو الأسوأ ستزيد حكومة النظام من قيمة سندات الخزينة (الدين الداخلي)، وهذا ما يرتب عليها أعباء فائدة كبيرة، إضافة إلى زيادة حجم الدين دون مقابل استثماري ما يعيق تسديد الحكومة للمستحقات، ما قد يدفعها ذلك إلى طباعة مزيد من العملة ما يعني زيادة أكبر في التضخم وانهياراً بقيمة الليرة، وإلحاق الخسائر بمستثمري السندات لانخفاض قيمتها.
وتلجأ حكومة النظام في الغالب لإجبار البنوك على الاستثمار بالسندات، لكونها غير مجزية لانخفاض قيمتها على المدى الطويل تبعاً لتقلبات قيمة الليرة، وبالتالي يعتبر الاستثمار بها غير مجدي، لكنه شبه إجباري. ولا تسمح الحكومة بتداول السندات في سوق دمشق للأوراق المالية، ما يجعل منها خياراً غير جيد للمستثمرين.
ويقوم مبدأ سندات الخزينة ببساطة، على أساس اقتراض المركزي للأموال من البنوك مقابل منحهم سندات بقيمتها وفائدة عليها، مع تحديد مدد استحقاق (تسديد) لاحقة تبعاً لروزنامة محددة.
النفط والقطع
لامس سعر برميل النفط الـ 105 دولارات يوم الخميس الماضي وهو أعلى مما كان عليه عندما رفعت حكومة النظام أسعار المحروقات مؤخراً، وبالتالي، ستساهم الأزمة الأوكرانية بالضغط على خزينة النظام من خلال زيادة في الإنفاق على استيراد المشتقات النفطية، ما يعني زيادة الإنفاق بالقطع الأجنبي، وبالتالي تجفيفه من الخزينة، وهذا سيزيد من حملات سحب الدولار من التجار، وتوقيف تمويلهم بالقطع.
ومن المتوقع أن تقوم حكومة النظام برفع أسعار المشتقات النفطية قريباً إلى مستويات تفوق السعر العالمي، حرصاً على خزينتها، حيث من المتوقع أن يتجاوز سعر البرميل الـ 130 دولارا في حال استمرت الحرب في أوكرانيا. وستزيد الأزمة الأوكرانية من كلف الشحن بشكل عام، ونسب التأمين على الناقلات، وكل هذه كلف ستكون مرهقة على الخزينة، إضافة إلى أن انتظام التوريد سيكون شبه مستحيل، ما يزيد ويفاقم من مشكلة توفر المشتقات النفطية.
رسائل الغاز والبنزين والمازوت
ستلجأ حكومة النظام لخيارين لضبط توزيع المشتقات النفطية، الأول عبر زيادة مدة تسليم الرسائل التي تصل حالياً إلى شهرين ونصف أو أكثر للغاز و11 يومياً للبنزين، بينما المازوت شبه متوقف، وبهذه الحالة سيصبح الحصول على المشتقات النفطية غير منتظم ويعود تبعاً للتوريدات فقط.
الخيار الثاني، هو خفض المخصصات القليلة أساساً، وكلا الخيارين، سينعكسان بشكل سلبي على عمل وسائل النقل، ويزيد من أزمة المواصلات ويرفع من تعرفتها والإنفاق علها.
الكهرباء
بما أن توريد النفط والغاز سيتعرضان لمشكلات من ناحية تأمين الوصول وكلف الشحن، يعني ذلك أن ساعات التقنين ستزيد بالتأكيد، علماً أنها حالياً بحدودها الدنيا بمعدل 4 ساعات وصل خلال 24 ساعة بأحسن الأحوال.
سيولة وضرائب
رفع أسعار المشتقات النفطية، سيزيد من التضخم، ما سيدفع حكومة النظام إلى اتباع أساليب جديدة لسحب السيولة من السوق وسد عجز الخزينة على حد سواء، عبر فرض مزيد من الضرائب ورفع العمولات وأسعار الخدمات، وتحديد سقوف السحب المصرفي من جديد ووضع ضوابط صارمة على كل ما له علاقة بتسييل الأصول.
سحب السيولة من السوق، سيؤدي إلى تعطيل الحركة الإنتاجية والاستثمارية أكثر مما هي عليه حالياً، وبالتالي سينعكس ذلك على قلة المتوفر من السلع في الأسواق، وسيرفع ذلك من سعرها إلى حدود خطيرة تهدد بأزمة اقتصادية كبيرة.
أسعار السلع
بما أن كلف الاستيراد سترتفع، وكلف الإنتاج ستزيد، وسينخفض المعروض من السلع تبعاً لخطة حكومة النظام التي أكدت فيها بأنها ستركز فقط على الأساسيات، فإن الأسعار ستقفز إلى مستويات تاريخية خطيرة، تضع السوريين أمام أزمة حقيقية في تأمين الاحتياجات اليومية.
ومن غير المستبعد أن يشهد السوريون ارتفاعاً بأسعار كل ما هو رئيسي رغم تأكيد حكومة النظام على أنها ستضبط الاحتياجات الأساسية، لأن معظم مدخلات الإنتاج والمواد الأولية وخاصة الزراعية منها، مستوردة، ما يعني زيادة في أسعار الخضار واللحوم والمنتجات الغذائية الأخرى.
الخبز
تعتمد سوريا على القمح الروسي والأوكراني، وبظل الأزمة الحالية، ستنقطع أو تتضرر سلاسل التوريد، ما سيرفع من سعر القمح الوارد، ويقلل من وتيرة وروده، والأخطر هو عدم إقبال العارضين إلى المناقصات السورية لتوريد القمح في ظل مضاربة عالمية ستحدث لاستجرار أكبر قدر ممكن من القمح والحبوب من مصادر عالمية مختلفة غير أوكرانيا وروسيا (روسيا الأولى عالمياً وأوكرانيا الثالثة بتصدير القمح) لتعزيز المخزونات عالمياً خوفاً من تفاقم الأزمة، وبالتالي لن تستطيع حكومة النظام منافسة هذه المضاربات ودفع أسعار مشجعة.
كل ذلك، سيؤدي لرفع أسعار الخبز بشكل واضح أو تخفيض المخصصات إلى أدنى حد، والحجة ستكون أن العالم بأسره يعاني، لكن سوريا ستكون من أكثر الدولة تأثراً لكونها تعاني من تدهور اقتصادي وارتفاع بمعدلات الفقر وعدد غير الآمنين غذائياً.
رفع الدعم
قد تقوم حكومة النظام بتسريع إجراءات رفع الدعم بشكل مفاجئ، وذلك لتخفيف العجز، علماً أنها تعمل على ذلك وفق خطط مجدولة غير معلنة، لكنها قد تجد بالأزمة في أوكرانيا مبرراً مقنعاً.
مزيد من الهجرة
كل ما ورد أعلاه قد يزيد من موجة الهجرة خارج البلاد ويستنزف المزيد من اليد العاملة والمستثمرين، وفي ظل توقيف منح جوازات السفر، قد تزيد الهجرة غير الشرعية، لكن الاقتصاد العالمي المثقل، قد يدفع الدول لرفض أي موجة هجرات جديدة، وبالتالي قد يسهم ذلك بمشاهدة مآس جديدة للمهاجرين على حدود دول المقصد.
كل ما ذكر أعلاه عبارة عن سيناريوهات مستقاة من لقاءات مع أكثر من 5 خبراء في الاقتصاد في سوريا، لكنها تبقى سيناريوهات ربما تحدث مجتمعة أو بعضها أو لا تحدث إن استقرت الأوضاع في أوكرانيا قريباً.
لكن الأحداث المتسارعة ترجح ربما أسوأ مما ذكر، حيث علقت روسيا حركة السفن التجارية التي تنشط بشكل خاص في تجارة الحبوب والقمح، إثر قرارها بشن حملة عسكرية على شرق أوكرانيا. وقال مصدر في قطاع الحبوب لـ”رويترز” مشترطاً عدم نشر هويته “جميع السفن متوقفة (في بحر آزوف).
وزادت أسعار القمح الخميس لتبلغ أعلى مستوى منذ أكثر من تسعة أعوام، في حين قفزت الذرة إلى أعلى مستوى في ثمانية أشهر، في حين سجلت أسعار فول الصويا أعلى مستوى لها منذ 2012.
فتحي أبو سهيل _ تلفزيون سوريا