ما يزال مصير السوريات المختفيات قسراً من أهم الأسئلة التي خلّفتها الحرب السورية. وسبباً لمعاناة آلاف العوائل، التي تحاول التوصّل لأي معلومة عن بناتها.
«ندفع كثيراً من الأموال لمعرفة أي شيء عن مصير ابنتي. وإن كانت حية أو ميتة. ولكن دون أي نتيجة. فضلاً عن التساؤلات التي تحرمني النوم. عن حال ابنتي في سجون الحكومة السورية. وحصتها من الانتهاك والتعذيب». بهذه الكلمات تشرح “أم ندى”، والدة إحدى المختفيات قسراً، حالها لموقع «الحل نت». متابعةً أن اليأس قد تغلّب عليها في بحثها عن مصير ابنتها، التي لم ترها منذ أكثر من ست سنوات.
مأساة “أم ندى” لا تعتبر فريدة من نوعها. فكثير غيرها، من الأهالي والحقوقيين والناشطين السياسيين، أصابهم التعب والقنوط، في محاولتهم التعرّف على مصير السوريات المختفيات قسراً، اللواتي تنكر حكومة دمشق وجودهن في سجونها، أو معرفتها بمصيرهن. «المسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي، الذي لا يزال يقف متفرجاً على مصاب السوريين». بحسب قول “أم ندى”.
أما “أم شادي” فهي سيدة سورية أخرى، اعتُقلت ابنتها وأخوها على حاجز الأمن العسكري في مدينة دير الزور، بتاريخ الحادي عشر من حزيران/يونيو 2012. بتهمة الانتماء لفصيل إرهابي. وبحسب ما أفادت السيدة “أم شادي” لموقع «الحل نت» فإنه «لا أحد يتابع أخبار ابنتها، التي تم نقلها إلى دمشق بعد خمسة عشر يوماً من اعتقالها. فزوجها متوفٍ. وصحتها لا تساعدها على البحث عن ابنتها. أخبرها البعض أنها موجودة في سجن صيدنايا، دون أن تتأكد من صحة هذا الخبر. وهي تحلم بيوم تستطيع فيه رؤية ابنتها مجدداً».
إلى أين وصلت جهود الكشف عن مصير المختفيات؟
عدد من الناشطين الحقوقيين أكدوا لموقع «الحل نت» سعي كثير من الأمهات السوريات لمعرفة مصير بناتهن بكل الطرق الممكنة. سواءً من خلال مراجعة المراكز الأمنية وأماكن الاحتجاز والسجون، أو التواصل مع كبار المسؤولين، بهدف الحصول على أي معلومة من الجهات التي ارتكبت جرائم الإخفاء القسري بحق السوريات. سواء الحكومة السورية، المسؤول الأكبر عن مصير السوريات المختفيات قسراً. أو أطراف أخرى مثل داعش والفصائل الإسلامية المتشددة. بل حتى قوات سوريا الديمقراطية.
ولمعرفة أين وصلت الجهود التي تطالب بالكشف عن مصير السوريات المختفيات قسراً تواصل «الحل نت» مع “نور الخطيب”، المسؤولة عن ملف المعتقلين في “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، والتي أكدت أن «العمل على قضية المعتقلين السوريين بشكل عام مستمر وبعيد المدى. وحصر نتائج الجهود يحتاج لسرد كثير من التفاصيل. لأن هذه القضية يتم العمل عليها على أكثر من جبهة. ضمن تنسيق وتعاون بين كثير من المنظمات السورية المحلية والمنظمات الحقوقية الدولية الشريكة». كما أشارت إلى «وجود تقاعس دولي، وخاصة من مجلس الأمن. لأنه لا يضغط باتجاه تنفيذ قراراته المتعلقة بالمعتقلين السوريين».
وعن مصير السوريات المختفيات قسراً بالتحديد تقول “الخطيب”: «نحن بوصفنا جهة حقوقية لدينا رؤيتنا المتمثلة بالاستمرار بجهود التوثيق التي نقوم بها. ونولي اهتماماً خاصاً بتوثيق حالات المختفيات الإناث، سواء ضمن قاعدة بياناتنا، أو لدى المقرر المعني بحالات الاختفاء القسري في الأمم المتحدة».
كما أكدت على «دعم مسار العدالة وفضح الانتهاكات ومرتكبيها، عبر إصدار التقارير الخاصة بقضايا المعتقلين. ونشر الوعي حول أهمية التوثيق لدى أهالي الضحايا. وعدم ربط هذه الجهود بانتظار تحقيق نتائج فورية. فالتوثيق بحد ذاته يعتبر حقاً للضحايا. وواجباً على أسرهم، والشهود الذين يعلمون أي شي عنهم. لضمان حقوقهم. ولحفظ السردية والذاكرة. ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات في المستقبل».
«لا يمكن كشف مصير السوريات المختفيات قسراً دون ضغط دولي»
وترى “الخطيب” أنه «من الصعب التوصّل لنتائج سريعة حول مصير السوريات المختفيات قسراً». مبررةً هذا بأن «عمل المنظمات الحقوقية يفرض عليها التعامل مع نظام ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ومستمرٌ في ارتكابها. كما أن تعداد المختفين قسرياً في سوريا هو الأكبر والأسوأ في العالم».
كما أضافت: «بناءً على خبرتنا يمكنني التأكيد أنه طالما لا يوجد ضغط دولي حقيقي على الحكومة السورية فهي لن تقوم بالإفراج عن أي من المعتقلين. أو كشف مصيرهم. ولكن هناك هامش للعمل. علينا التحرّك ضمنه. وهو استمرار ممارسة الضغط على الدول المعنية بالمسألة السورية. وإبراز قضية المختفين السوريين. وهذه الضغوط قد تعرقل وتمنع أي جهود غربية لإعادة العلاقات مع حكومة دمشق. ما قد يدفعها لكشف مصير المغيّبين قسراً».
وتختم “الخطيب” إفادتها بالقول: «نعمل على إيجاد آليات عقابية إضافية ضد مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سوريا. و”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تساهم في إعداد قوائم العقوبات، التي تصدر من قبل دول متعددة. مثل الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي. وتستهدف كيانات أو أشخاصاً في حكومة دمشق. متورطين بارتكاب انتهاكات. بما فيها قضية الاختفاء القسري. وربما يكون هذا هو السبيل الوحيد الممكن للكشف عن مصير السوريات المختفيات قسراً».
طالبت #الشبكة_السورية المدعي العام الألماني تضمين اتهام الإخفاء القسري ضد المتهم "أ.ر" بمحكمته الجارية في "كوبلنز" غرب ألمانيا، نظراً لوجود ارتباط عضوي بين الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري بكافة مراكز احتجاز النظام السوري ومن ضمنها فرع الخطيب@zamanalwslhttps://t.co/zowjWHmcDg
— الشبكة السورية (@SN4HR) November 12, 2021
«السوريات المختفيات قسراً لسن أسرى»
من جهته يرى “فاضل عبد الغني”، مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أن «إدخال ملف المعتقلين ضمن محادثات “أستانا”، التي تدرج ضمن برنامجها الشق العسكري. وتحويل قضية المغيبين قسراً إلى ما يشبه عملية تبادل أسرى، إهانة لملف المعتقلين. فالمعتقلون ليسوا أسرى».
ويتساءل “عبد الغني”: «هل الحكومة السورية لديها العدد نفسه من المعتقلين الذي تمتلكه المعارضة؟». مشيراً إلى أنه «عندما يطلق فصيل معارض سراح أحد المعتقلين يجب على حكومة دمشق إطلاق سراح نحو عشرة آلاف معتقل. كي يحصل نوع من التوازن. ضمن منطق تبادل الأسرى. وهذا مستحيل تماماً. فالحكومة السورية لديها ما يقارب مئة واثنين وثلاثين ألف معتقل. وكل هذا يجعل العمل في ملف المعتقلين. ومنه الكشف عن مصير السوريات المختفيات قسراً، أمراً شديد الصعوبة».
كما يلفت إلى «عدم وجود ضمانات كافية للمعتقلين والمعتقلات وذويهم. فبمجرد ذكر اسم أحد منهم يمكن أن ينتهي الأمر بتصفيته من قبل الحكومة السورية. أو انزال إجراءات عقابية بأهله. وذلك فالعملية مبهمة وصعبة. وأي مفاوضات عن المعتقلين أو محاولة للكشف عن مصير السوريات المختفيات قسراً يجب أن تجري ضمن إطار المؤسسات الحقوقية المتخصصة».
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حالات أكثر من مئة ألف معتقل في سجون الحكومة السورية وفصائل النزاع الأخرى. بينهم تسعة آلاف امرأة.
رهام بحري _ الحل نت