أُصيبت سارة الصبوح (28 عامًا) بمرض السكر الشبابي، بعدما عانته إثر قصف منزلها في بلدة الفطيرة في ريف إدلب الجنوبي، حيث فقدت طفلها هيثم البالغ من العمر عامين، واثنين آخرين من أفراد عائلتها منذ أكثر من ثلاث سنوات.
ونتج مرض السكر الشبابي عند سارة بحسب ما أخبرها الطبيب عن عوامل نفسية، وهو من الأمراض التي لم يتم التوصل إلى علاج لها حتى الآن ويحتاج متابعة طبية مستمرة.
أسهمت عدة عوامل بزيادة انتشار المرض في إدلب وشمال غربي سوريا، أهمها الضغوط النفسية والظروف المعيشية القاسية إضافة لعوامل وراثية، وسط غياب الرعاية الصحية والمراكز العلاجية وغلاء الأدوية.
وقالت سارة لعنب بلدي إنها كثيرًا ما تشعر بالوهن العام وكثرة التعب والحاجة الدائمة لشرب المياه، كما أنها خسرت الكثير من وزنها عدا عن تعرضها لالتهابات المجاري البولية المتكررة.
“من لم يتأذَ بقصف طائرات النظام وحليفه الروسي تأذى من تبعات القصف، فجميع من كانوا موجودين في المنزل لحظة القصف كانوا إما ضحايا وفاة أو إعاقات أو أمراض مزمنة نشأت إثره”، تصمت سارة قليلًا لتتابع، “لم تترك هذه الحرب جسدًا معافى ودمرت كل ما هو جميل بحياتنا”.
المراكز بعيدة.. ولا توفر دعمًا
أكثر ما يؤرق سارة ضعف البصر الذي صارت تعاني منه مع تقدم عمر المرضم في جسمها، دون القدرة على العلاج لبعد مخيم “قاح” الذي تقيم فيه عن المراكز العلاجية، إذ يتطلب الوصول الدوري إليها الكثير من النفقات المتعلقة بالنقل وعناء السفر.
تعاني المراكز العلاجية في إدلب من قلة الدعم فيما يخص مرضى السكري، ويضطر معظم المرضى للعلاج على نفقتهم الخاصة مما يحرم الكثير من المرضى الفقراء فرص العلاج وتأمين الأدوية المجانية.
لساعات طويلة تنتظر براءة العبد الله (30 عامًا) دورها في عيادة طبيب العينية في مشفى العيادات الخارجية في مدينة إدلب، لتحصل على فرصة المعاينة المجانية وسط الازدحام الشديد الذي يستغرق منها نهارًا بأكمله بين الانتظار والتحاليل والسفر.
إصابة براءة بالسكر الشبابي أدى إلى ضعف البصر الحاد لديها مؤخرًا، وقالت لعنب بلدي إن إصابتها بالسكر الشبابي لم يكن نتيجة عامل وراثي وإنما ناتجًا عن توترات وضغوط نفسية تحاصرها في كل لحظة.
تشكو براءة اعتلال الشبكية السكري، بحسب تقييم طبيب العيون لحالتها، والذي أكد لها أن إصابتها بالسكر الشبابي هو السبب الرئيسي لإصابتها باعتلال الشبكية.
عانت براءة في البداية من مشكلات طفيفة في النظر، ولكن الأمر أخذ يسوء مع مرور الزمن، وخاصة بعد أن بدأت تشعر بتشوش الرؤية وتقلبها، بالرغم من أنها دائمة الفحص لمستوى السكر بالدم، غير أن تلك الأعراض بدأت تظهر كمضاعفات ناتجة عن المرض، وفق تعبيرها.
تخشى براءة أن تفقد بصرها فهو كل ما تملكه بعد خسارتها لزوجها في القصف الذي طال مدينتها سراقب منذ أكثر من أربع سنوات، وخسرت إثره منزلها وأرزاقها وباتت نازحة في مخيمات دير حسان الحدودية بلا معيل أو فرص للعلاج، وراح المرض ينال منها “شيئًا فشيئًا”.
لم يكن الحصول على المعاينة المجانية في العيادات المزدحمة أكثر ما يؤرق براءة، وإنما الصعوبات التي تكابدها لتأمين أدوية مرض السكري في ظل غلائها المستمر وعدم ثبات أسعارها، ما أدى لعجزها عن شرائها في أكثر الأحيان.
ارتباط الإجهاد بالسكر الشبابي
وبحسب المكتبة الوطنية الأمريكية للطب (NCBI)، فإن هناك أدلة قوية على أن الإجهاد النفسي مرتبط بتدهور السيطرة على نسبة السكر في الدم في مرض السكري الثابت.
وترجح المكتبة الأمريكية للطب أن الإجهاد النفسي يؤدي إلى تدهور نسبة السكر في الدم لدى المريض الذي لا يعاني من أعراض السكري، مما يؤدي بدوره إلى ظهور أعراض المرض وبالتالي تشخيصه.
وعن مرض السكر الشبابي، قال الطبيب محمد عيد الحسين، الذي يعاين حالات في إدلب، إنه يعتبر حالة مرضية مزمنة ينتج فيها البنكرياس كمية قليلة من الأنسولين أو إنه لا يفرزه على الإطلاق، ويظهر عادة في سن الطفولة أو الشباب.
ويشير إلى أن عوامل مختلفة تسهم في حدوث المرض أهمها عوامل وراثية أو نتيجة بعض الفيروسات أو الضغوطات النفسية وعوامل بيئية أخرى.
وأكد أن المرض يؤثر بشكل أو بآخر على الأعضاء الرئيسية في الجسم كالقلب والأوعية الدموية والأعصاب والعينين والكليتين، ويمكن للحفاظ على المعدل الطبيعي لمستوى السكر في الدم أن يقلل من إمكانية التعرض لمزيد من المضاعفات الخطيرة.
ووثقت مديرية صحة إدلب أكثر من 1370 مريض سكر شبابي تحت سن الـ 18 عامًا، وفوق عمر الـ 5 سنوات، ويوجد 109 مرضى تحت سن الـ 5 سنوات.
إلى جانب 63 ألف مريض سكري فوق سن الأربعين، بحسب مسؤول الرعاية الصحية الأولية في المديرية، الدكتور دريد رحمون.
وعلى الرغم من كثرة الأبحاث، لم يتم التوصل إلى علاج نهائي لمرض السكر الشبابي ويتركز العلاج حول التحكم في مستويات سكر الدم باستخدام الأنسولين والنظام الغذائي للوقاية من المضاعفات التي غالبًا ما تكون غير محمودة النتائج.
المصدر: عنب بلدي