على أرض صحراوية، عند المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق، أُقيم مخيم “الركبان” عام 2015، تحت ضغط الحاجة لإيواء عشرات آلاف السوريين الفارين من مناطق مختلفة في محافظات الرقة ودير الزور وريف حمص الشرقي، كانوا يحاولون العبور إلى الأردن، إثر سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على مساحات غير قليلة شرقي سوريا حينها.
ومع منع الأردن دخول الهاربين إليه عبره، علق النازحون في مخيم أُقيم كيفما اتفق، دون معايير تجعله صالحًا للسكن، ثم تقلص عدد سكانه ليبلغ نحو ثمانية آلاف نسمة تعاقبت عليهم العديد من الأزمات، لا تُحل بشكل مؤقت حتى تعاود الظهور مجددًا.
ومنذ بداية آب الحالي، ارتفعت المناشدات والمطالبات الداعية لإنقاذ مخيم “الركبان” جراء النقص الحاد في مياه الشرب بالتزامن مع ارتفاع حاد في درجات الحرارة.
هذه الأزمة مهّد لها تخفيض منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسف)، في 29 من أيار الماضي، كميات المياه القادمة من الأردن، إلى جانب حصار خانق يفرضه النظام السوري منذ سنوات، مانعًا قوافل المساعدات الأممية من دخول المخيم.
كما أغلق الأردن النقطة الطبية الوحيدة في المخيم عام 2020، ضمن ما قال إنها إجراءات الحد من انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، لكن النقطة بقيت مغلقة منذ ذلك الوقت، ما حرم المقيمين من منفس طبي رئيس للمخيم.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع مجموعة من الباحثين والخبراء المختصين قضية حصار المخيم الممتد منذ سنوات، وآثارها، وأدوار الدول المعنية والمنظمات، إلى جانب جهود المناصرة والخيارات المتاحة أمام سكان المخيم.
المياه أولًا
رغم نقص حاد في تأمين مقومات الحياة، يشدد أهالي المخيم على أولوية المياه في ظل الظروف الحالية، فالمناخ الصحراوي، وارتفاع درجات الحرارة إلى ما فوق 40 درجة مئوية، ورثاثة الخيام المبنية في مرمى رمال الصحراء، كل ذلك يضاعف الحاجة للمياه، وزيادة استهلاكها.
نهاية أيار الماضي، خفّضت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) كمية المياه الموردة لمخيم “الركبان” إلى نصف الكمية المعتادة التي تضخها من الأراضي الأردنية.
مدير منظمة “عالم أفضل”، المسؤولة عن توزيع المياه تحت إشراف “يونيسف”، رفض الإدلاء بأي تصريح لعنب بلدي حول الأمر، كما طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، طالبًا توجيه الأسئلة إلى منظمة “يونيسف”.
وقال مدير المنظمة لشبكة “الركبان”، إن منظمة “عالم أفضل” مسؤولة عن توزيع المياه والإشراف على ذلك في الجهة الشرقية من المخيّم، مؤكدًا أنها ليست الجهة المسؤولة عن تخفيض كمية المياه.
“أبو كريم”، مدير مدرسة “الحي التدمري” في المخيم، وأحد المقيمين فيه منذ عام 2016، قال لعنب بلدي، إن نقص توريد المياه من الجانب الأردني، وعدم صلاحية الآبار الموجودة في المنطقة للشرب، إلى جانب بعدها عن المخيم، وارتفاع تكاليف نقل المياه، كل ذلك أسهم في تعميق المأساة، باعتبار أن تكلفة نقل صهريج واحد من المياه تبلغ 75 دولارًا أمريكيًا، بسبب بعد الآبار، وارتفاع أسعار المحروقات.
وافتتح “جيش مغاوير الثورة” الموجود في قاعدة “التنف” الأمريكية (بجانب المخيم)، في 10 من آب الحالي، بئرًا للمياه قرب المخيم (الخفة)، في سبيل تخفيف حدة معاناة الأهالي المستمرة بوتيرة مرتفعة منذ أشهر.
ويعمل “جيش مغاوير الثورة” على نقل مياه الشرب إلى المخيم من بئر “الدقة”، لكن مياه البئر بحاجة إلى التحلية، ما يجعلها غير صالحة للشرب.
وتصل المياه إلى المخيم عبر النقطة الغربية، التي تبعد نحو خمسة كيلومترات، وتُنقل مياهها للسكان عبر الصهاريج إلى نقطة مجاورة للمخيم، يحصل النازحون على مياهها عبر “الطنابر” والعربات الصغيرة.
محفوف بالمعاناة
المأساة التي يعانيها أهالي المخيم ليست وليدة الأشهر الأخيرة، لكن ما اختلف هذه المرة نوع المشكلة، باعتبار أن تناوب أشكال المعاناة داخل المخيم قلّص العدد الإجمالي لقاطنيه من حوالي 70 ألف شخص قبل عام 2018، إلى آلاف فقط من القاطنين.
وتتضارب أرقام قاطني المخيم، لتبدأ من ثمانية آلاف نسمة، وفق “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في سوريا“، وعشرة آلاف نسمة يحصيها حساب “صوت الركبان” عبر “تويتر“، وهو منصة تنقل الأخبار من داخل المخيم، بينما تحدث وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في وقت سابق، عن حوالي 12 ألف نسمة لا يزالون في المخيم، “أغلبيتهم من الداعشيين والجماعات الإرهابية المسلحة”، وفق تعبيره.
وفي حديث إلى وكالة “الأناضول” التركية، في 3 من نيسان الماضي، قال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي، ينس لارك، “نشعر بالقلق حيال الأوضاع الإنسانية والظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها سكان المخيم البالغ عددهم نحو عشرة آلاف و500 شخص”.
الظروف الصعبة داخل المخيم دفعت، في 4 من حزيران الماضي، أهالي مدينة القريتين في ريف حمص الشرقي، المقيمين في المخيم، لتشكيل لجنة من وجهاء المدينة للتفاوض مع سلطات النظام في سبيل عودة الأهالي إلى قراهم.
وفي نيسان الماضي، تضاعفت أسعار المحروقات في المخيم جراء تحكم مهربي المحروقات داخل “الركبان” بالمادة، وفق رصد سابق أجرته عنب بلدي، ليصل سعر ليتر البنزين إلى نحو 15 ألف ليرة سورية، وأسطوانة الغاز إلى 200 ألف ليرة، في حين تراجع سعر ليتر المازوت من خمسة آلاف ليرة إلى نحو أربعة آلاف (الدولار يقابل أربعة آلاف ليرة وسطيًا).
مدير مدرسة “الحي التدمري”، أشار إلى اعتماد أغلبية أهالي المخيم على الحوالات التي تأتيهم من ذويهم لتأمين لقمة العيش، موضحًا أن غياب الحوالة لشهر واحد عن عائلة في المخيم يعني “كسرًا اقتصاديًا” لثلاثة أشهر أخرى بالنسبة لها، بينما يوجد أشخاص ليس لديهم من يمدهم بالحوالات المالية.
وتعتمد فئة من الأهالي في المخيم على الأعمال اليدوية والحرف لتأمين قوت يومها، كبناء البيوت الطينية التي يسعى الأهالي للاستعاضة بها عن الخيمة، فلا منظمات في المخيم تمنح مساحة وظيفية لبعض قاطنيه، باستثناء مشروع “عالم أفضل” لإدارة وتوزيع المياه، ويديره ما بين ثمانية وعشرة موظفين من أبناء المخيم.
ويقع المخيم ضمن منطقة معزولة عما حولها، بما ينفي أي ارتباط جغرافي لها بالمناطق المحيطة، ولا يتيح أيضًا خلق أي فرص عمل، وفق مدير المدرسة.
ويصل الغذاء عن طريق النظام كل أسبوع أو خمسة أيام، لكن الأسعار تتضاعف قبل وصول السلعة إلى يد المستهلك، بسبب الإتاوات التي تفرضها قوات النظام على دخول الخضراوات والمنتجات الغذائية.
يفتقر المخيم لطبيب يتعامل مع الحالات الطارئة، وتقتصر الخدمات الطبية على ممرضين للإسعافات الأولية، يعملون في نقطة طبية، ومستوصف “الشام”، أما الدواء فيصل تهريبًا من مناطق سيطرة النظام، بأسعار مرتفعة.
ويضطر الأهالي لإرسال مريضهم (في الحالات الصعبة والولادة القيصرية) إلى مناطق سيطرة النظام، تهريبًا بتكلفة ألفي دولار ذهابًا وإيابًا، أو عن طريق الأمم المتحدة التي تعالج المريض وتضعه لأجل غير مسمى في مراكز إيواء.
عقدة مصالح دول.. ومخاوف
إلى جانب خصوصيته الجغرافية، باعتباره نقطة قريبة من حدود سوريا مع دولتين، الأردن والعراق، فإن لمخيم “الركبان” وضعًا سياسيًا معقدًا بالنسبة للنظام السوري الذي يشكك بالأيديولوجيا التي يتبناها من بقي في المخيم، وبالنسبة للروس أيضًا باعتبار المخيم جارًا لقاعدة “التنف” الأمريكية، التي لا يعتبر وجودها محط ترحيب روسي.
كما أن إغلاق الأردن حدوده في وجه المساعدات الدولية القادمة إلى المخيم عبر أراضيه، يخدم رغبة النظام بدفع سكان المخيم لمغادرته باتجاه الأراضي السورية التي يسيطر عليها، ما يعكس انسجامًا في ملف المخيم، ليس موجودًا في ملفات حدودية أخرى مرتبطة بالتهريب والتموضع الإيراني مثلًا.
الأردن “غير مسؤول”
تعود جذور مشكلة “الركبان” إلى آذار 2020، عندما أغلق الأردن، دون رجعة، النقطة الطبية الوحيدة التي كانت تقدم الإسعافات الأولية وتستقبل حالات الولادة الحرجة لسكان المخيم.
وفي نيسان من العام نفسه، تبرأ الأردن على لسان وزير خارجيته، أيمن الصفدي، من أي مسؤولية تجاه المخيم.
جاء ذلك خلال اتصال أجراه الصفدي مع المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، وقال فيه إن “(الركبان) ليس مسؤولية الأردن، وإن إمكانية تلبية احتياجاته من داخل سوريا متاحة، وأولويتنا صحة مواطنينا، نحن نحارب (كورونا)، ولن نخاطر بالسماح بدخول أي شخص من المخيم”.
الناشط الحقوقي السوري عاصم الزعبي، أوضح لعنب بلدي أن “التملّص” الأردني من المسؤولية عن المخيم نابع من كونه تابعًا من الناحية الإدارية للأراضي السورية، وتحديدًا ضمن مناطق نفوذ قوات التحالف الدولي في قاعدة “التنف”، ومن هذا المنطلق يُصرح مسؤولون أردنيون أن المخيم ليس مسؤولية بلدهم، لكنه لم ينفِ وجود مخاوف أردنية متعلقة بـ”الركبان”، منذ الهجوم الذي شنه تنظيم “الدولة” عام 2016 ضد حرس الحدود الأردني عبر سيارة مفخخة.
ورغم ذلك، واصل الأردن السماح بدخول مساعدات للمخيم عن طريق الساتر الحدودي بواسطة “روافع كبيرة”، ومن ضمنها مياه الشرب القادمة عن طريق الأمم المتحدة.
إلى جانب ذلك، سجّل الأردن تصريحات عدة حول إعادة علاقاته مع النظام السوري، وكان للاجئين نصيب منها، وجاء أبرزها على لسان الملك الأردني، عبد الله الثاني، في مقابلة مع شبكة “CNN” الأمريكية في تموز الماضي، تحدث خلالها عن العلاقات مع النظام، ومدى احتمالية عودة اللاجئين السوريين في الأردن إلى بلادهم.
وقال الملك الأردني حينها، إن “هناك استمرارية لبشار الأسد في الحكم، والنظام ما زال قائمًا، ولذلك علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك؟”.
وشهدت العلاقات بين سوريا والأردن بعد عام 2011 تحولات عديدة، إذ دعم الأردن فصائل المعارضة في الجنوب السوري، لكن الموقف الأردني أخذ منحى مختلفًا في وقت لاحق، وبدا ذلك بوضوح عند فتح معبر “جابر- نصيب” الحدودي بين سوريا والأردن، في 29 من أيلول 2021.
ورغم إعادة فتح المعبر، ومناشدات سكان المخيم بإعادة فتح النقطة الطبية المغلقة منذ 2020، لم يستجب الأردن، وبقي المخيم دون إمدادات طبية تلبي الحاجة.
روسيا تواجه أمريكا بـ”الركبان”
يتبع المخيم إداريًا لمناطق نفوذ ما يُعرف بمنطقة “55 كيلومترًا” التي تتمركز فيها قوات التحالف الدولي جنوب شرقي سوريا، إلى جانب فصيل “مغاوير الثورة” المحلي.
قاعدة “التنف” الأمريكية في منطقة “55 كيلومترًا” تمثّل مصدر قلق للنظام السوري من جهة، وروسيا من جهة أخرى مؤخرًا.
الصحفي والخبير في الشأن الروسي رائد جبر، اعتبر في حديث إلى عنب بلدي، أن “الركبان” ليس ورقة مساومة جديدة بيد النظام وروسيا، إذ لطالما تصر موسكو على تفكيك المخيم، وهو أمر مرتبط بخروج الجانب الأمريكي المتمركز في المنطقة.
وأشار إلى أن استعمال “الركبان” ورقة ضغط من الجانب الروسي مرتبط بالتصعيد الروسي ضد الأمريكيين في منطقة التنف، إذ حاولت روسيا خلال الأشهر الماضية “التحرش بالتنف” عدة مرات، وهي من القضايا التي تضعها موسكو في قائمة أولوياتها حاليًا، و”الركبان” ليس مستثنى.
من جانبها، تحاول القوات الأمريكية التي تدير المنطقة الإبقاء على وجود المخيم، فتمده بالمساعدات التي تحافظ على الحد الأدنى من مقومات الحياة فيه.
وكان أحدث هذه المساعدات افتتاح “جيش مغاوير الثورة”، في 10 من آب الحالي، بدعم من القوات الأمريكية بئر “الخفة” المتوقفة عن العمل منذ 11 عامًا، لزيادة الموارد المائية في المخيم.
بينما قال ناشطون من المخيم لعنب بلدي، إن معظم سكان المخيم لا يستفيدون من صيانة البئر، لأنها تبعد عن المخيم ما يقارب 53 كيلومترًا، إنما يستفيد منها عدد قليل من العائلات الموجودة قريبًا منها.
النظام يساوم
سياسة الحصار التي يفرضها النظام على المخيم أجبرت آلاف الأشخاص على العودة إلى مناطق سيطرته منذ عام 2019، خاصة بعد أن أغلق الأردن حدوده بشكل كامل، ما اعتبره النظام إنجازًا يتحدث عنه عبر وسائل الإعلام الموالية.
وفي نهاية عام 2021، تحدثت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) عن وفاة طفل من قاطني المخيم نتيجة سوء الأوضاع الإنسانية فيه، كما أرجعت أسباب الوضع الإنساني المتردي في المخيم إلى “الحصار من قبل قوات الاحتلال الأمريكي ومرتزقتها من التنظيمات الإرهابية في منطقة التنف”.
ويتعامل النظام السوري مع قضية “الركبان” على أنها “مصدر قلق”، أمام “الفشل الأمريكي” في إنقاذ سكانه إثر غياب المعونات الإنسانية، وفق بيان صادر عن “الهيئتين التنسيقيتين السورية والروسية” نقلته “سانا“.
وأشار البيان الصادر في تشرين الأول 2021، إلى أن المساعدة اللازمة للمواطنين العائدين من المخيم “تقدم على الأراضي التي تسيطر عليها الدولة، حيث تتوفر هناك جميع الشروط المطلوبة”، في حين أن المشكلات الإنسانية “لمن ترعاهم أمريكا من المسلحين في (الركبان)” هي بالكامل مسؤولية أمريكية في هذه المنطقة حسب معايير القانون الدولي، وفق البيان.
أين المنظمات؟
لم تلقَ أوضاع مخيم “الركبان” تفاعلًا من قبل المنظمات الأممية والإنسانية، رغم إحكام الخناق عليه من قبل النظام السوري وحليفه الروسي منذ سنوات.
وفي 24 من أيار الماضي، أدان فريق “منسقو استجابة سوريا” الحصار الذي تفرضه قوات النظام على مخيم “الركبان”، الذي تمنع عبره دخول أو خروج المواد الغذائية والطبية إلى المخيم الذي يحوي أكثر من ألف عائلة.
عنب بلدي تواصلت مع منظمة “يونيسف” لمحاولة معرفة أسباب تخفيض كمية المياه، الأزمة الأبرز حاليًا في المخيم، لكنها لم تلقَ ردًا حتى لحظة إعداد هذا الملف.
كما وجهت أسئلة عبر البريد الإلكتروني إلى منظمة العفو الدولية، ومنظمة “أنقذوا الأطفال”، حول سبب إهمال الاحتياجات الإنسانية المتزايدة في المخيم، لكنّها لم تلقَ أيضًا أي تجاوب حتى لحظة إعداد الملف.
ولا يقتصر تجاهل المنظمات الأممية للمخيم على عدم تقديم المساعدات، إذ سلّطت عشرات التقارير الضوء على مخيمات شمال غربي سوريا خلال النصف الأول من العام الحالي، بينما ظلّ ملف “الركبان” شبه غائب حتى عن التقارير التي ترصد الوضع المعيشي في سوريا.
محاولات خجولة
برزت جهود المنظمات السورية في دعم مختلف قطاعات الاحتياجات الإنسانية بمخيمات شمال غربي سوريا، لكنّها لم تُظهر تحركًا واضحًا تجاه “الركبان”، رغم تفاعل واسع تصدّر خلاله “الركبان” الصورة في مواقع التواصل، إلى جانب تسبب الإجراء الأممي هذه المرة بشكل جزئي في زيادة حاجة الأهالي لا معالجتها.
مدير قسم العمليات في فريق “ملهم التطوعي”، والمشرف على حملة “مخيم الركبان”، فيصل الأسود، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن العديد من محاولات الفريق لتقديم المساعدات لأهالي المخيم باءت بالفشل، نتيجة رفض الجانب الأردني السماح بدخول المتطوعين إلى “الركبان” عبر حدوده.
وكان الفريق أطلق حملة لمساعدة المخيم وتوفير المياه بعد تفاقم الأزمة، وجرى إدخالها عبر مناطق سيطرة النظام، من خلال التنسيق مع إدارة المخيم التي تنسق بدورها مع مهربين، وفق ما ذكره الأسود.
وأوضح مسؤول الفريق أنه بعد جمع مبلغ 25 ألفًا و690 دولارًا، جرى تأمين المياه لـ195 عائلة، حصلت كل منها على ألف و899 ليترًا من مياه الشرب، بتنفيذ من الإدارة المحلية للمخيم التي توزع حصص المياه.
كما استطاع “ملهم التطوعي” قبل أسابيع تشغيل مخبز المخيم، وتوزيع الخبز على ألف عائلة لمدة شهر.
وأطلق فريق “الاستجابة الطارئة”، مطلع آب الحالي، حملة “سقيا الماء”، التي تعتبر حملة المساعدات الأولى من قبل الفريق لأهالي المخيم، وفق مديرة مكتب العلاقات العامة في الفريق، رهف الجع.
وفي حديث إلى عنب بلدي، عزت الجع عدم وجود حملات سابقة في “الركبان” لما قالت إنه “غياب إحصائيات المنظمات الإنسانية لعدد السكان والاحتياجات”.
وتبلغ قيمة السهم الواحد في حملة “سقيا الماء” 50 دولارًا، وهي جزء من الصهريج الذي يبلغ حوالي 150 دولارًا، وفق حديث رهف الجع، التي أشارت أيضًا إلى تأمين الفريق حوالي 32 صهريجًا من المياه ضمن الحملة.
ووفق الإحصائيات التي ذكرتها الجع، استطاعت المنظمة توفير المياه لـ820 عائلة مكوّنة من حوالي أربعة آلاف و500 شخص منذ انطلاق الحملة.
ورغم محدودية المساعدات المقدمة، تسهم في تجنيب الأهالي العودة إلى مناطق سيطرة النظام السوري، خاصة بعد تصريحات سابقة لوزير الخارجية، فيصل المقداد، اعتبر خلالها أغلبية الموجودين في المخيم من “الدواعش”، وقف تعبيره، ما يعني أن أي عودة في هذا السياق لا تخلو من مخاطرة أمنية.
وبحسب تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، صادر في 3 من آب الحالي، فإن عودة الأهالي إلى مناطق النظام يمكن أن تشكّل خطرًا على حياتهم، وتعرضهم لخطر الاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب.
مساران للحل
منذ سيطرة النظام على المنطقة الجنوبية عام 2018، لم تدخل المساعدات إلى المخيم سوى مرتين، آخرهما قوافل محمّلة بالطحين والأرز والغاز والسكر والزيت، دخلت في 9 من حزيران الماضي، بدعم من قوات “مغاوير الثورة” المدعومة من قوات التحالف الدولي.
يأتي ذلك بعد دخول قافلة مساعدات أممية في أيلول 2019، بإشراف “الهلال الأحمر السوري”، قادمة من مناطق سيطرة النظام.
يتصدّر ملف إدخال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري عبر الحدود كل عام، حديث السفراء والدبلوماسيين بالنيابة عن الدول التي يمثّلونها بشأن احتمالية حدوث كارثة إنسانية حقيقية بسبب قطع المساعدات التي تكاد تسد حاجة أقل ما يقال أربعة ملايين سوري، والتي لا يتوانى “الفيتو” الروسي عن اعتراضها أو المفاوضة عليها بأوراق جديدة مع تجديد كل تفويض.
لكن الكارثة الإنسانية التي تحدث في “الركبان” لا تقل عن غيرها، لخصوصية موقعها وإحاطتها من ثلاثة جوانب لا تدخل إليها المساعدات إلا ما ندر.
طرح “الركبان” في مجلس الأمن
الدبلوماسي السوري السابق والباحث غير المقيم في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” داني البعاج، قال لعنب بلدي، إن طرح ملف مخيم “الركبان” في مجلس الأمن يتطلّب قيام منظمات المجتمع المدني العامة في الشأن الإنساني بتقديمه.
ويُفترض أن تمتلك المنظمات حملات مناصرة تدفع بالدول المعنية لأن تتحدث بالملف حتى يُطرح على طاولة مجلس الأمن، بحسب البعاج، الذي يشير إلى أن “الائتلاف السوري” يستطيع أيضًا البدء بالتحرك، تبعًا لوجود مكتب له في نيويورك.
وفي حال قوبلت جهود تقديم الملف عبر منظمات المجتمع المدني السوري التي تعمل في المجال الإنساني والإغاثي بالرفض من قبل الدول، يمكن لها أن تخرج ببيان توضح فيه ذلك.
ويعتقد البعاج أن الإشكالات لوجستية يمكن أن تُحل، عبر الأردن أو عن طريق النظام، في حال وجود قرار أممي لإيصال المساعدات.
من جانبه، قال الرئيس المشترك للجنة الدستورية، هادي البحرة، في حديث إلى عنب بلدي، إن ملف “الركبان” قُدم لدول الاتحاد الأوروبي وأمريكا.
ولإدخال المساعدات إلى المخيم هنالك خطان تعمل عليهما المعارضة السورية، بحسب البحرة، الأول عبر تقديمه من قبل الدول الفاعلة إلى مجلس الأمن، والذي يقابل للأسف بعقبة كبيرة هي “الفيتو” الروسي أو الصيني.
أما الخط الثاني فهو محاولة لإقناع الأمريكيين بتقديم بعض الخدمات عبر القاعدة الأمريكية، فمنذ فترة بدأ السكان المرضى في المخيم بالطبابة عند الأطباء الأمريكيين الموجودين في القاعدة عبر فصيل “مغاوير الثورة”.
وتتطلّب هذه الخطوة تعاونًا أمريكيًا أكبر على الأرض، بإيصال مساعدات منظمات المجتمع المدني عبر القاعدة الأمريكية، وهو الحل الذي يُرجّح أن تصل المعارضة إلى تفاهمات لتطبيقه.
حسام المحمود وخالد الجرعتلي ولجين مراد وديانا رحيمة _ عنب بلدي