قلوا عن معمر القذافي، الصبي الكهل، وهو غير العجوز المتصابي، قوله إنه يستطيع أن يجري انتخابات مثل زملائه الرؤساء العرب، ويعلن الفوز بنسبة تعادل أسماء الله الحسنى، لكنه يأنف من الغش وخلط اللبن بالماء، أي أنه يحب التزوير الصريح، والقوة الصافية، بالسيف، ويروي الرواة أن معاوية سأل عمرو بن العاص، الذي يلفظ أكثر المذيعين في التلفزيون اسمه الأول مضموماً ضماً عاطفياً خانقاً: ما بلغ بك دهاؤك؟
قال: ما دخلت في شيء إلا وأحسنت الخروج منه.
قال معاوية: لست بالداهية يا عمرو.
قال: ما دهاؤك أنت؟
قال معاوية: ما دخلت في أمر أحتاج منه إلى خروج.
والقارئ يعلم أن الرئيس العربي، خليفة، فهو يخلف أباه على الحكم وعلى الشعب وكأنهم عبيد، بل هو ملك متنكر، وبلغ منه دهاؤه أن يحوّل انتخابات الرئيس إلى انتخابات شعب! وقد جعلها الرئيس السوري كل سبع سنوات، وهي مدة تعادل مدة السبع العجاف في قصة يوسف، وفي دول الغرب هي أربع سنوات وهي أقصر، لأن الزمن يجري مثل قطار الطلقة، وهو يجني منها هذه الثمار السياسية، ويقطف منها هذه الغلال المعنوية:
– قدسية الإجراء الديمقراطي حتى في المجاعة والحرب، فالديمقراطية مثل الصلاة، كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً، ولا حياة في هذا القطر إلا بالتقدم والاشتراكية. والديمقراطية.
– يرسل رسالة إلى الغرب الديمقراطي بأنه ديمقراطي مثلهم وزيادة، يقوم بالإجراءات الديمقراطية في موعد القطار، والصناديق شفافة، يمكن تربية الأسماك فيها، والشعب من غير زعانف، بل إن الصناديق مستوردة من أوروبا غالباً، مع أنها صناعة يستطيع أبو عبدو البلاستيكي بائع الحارة أن يصنع مثلها من مخلفات الشحاطات، والمراكز الانتخابية كثيرة، بل إن هناك مراكز انتخابية متجولة مثل بائعي شعر البنات في البوادي، وأخرى غير معلومة تنبت مثل نبات الفطر والحسحسوك، والشعب يبدو سعيداً بالنقل المجاني في هذا اليوم الطلقة في صدر الشعب، بل إن هناك أمر زيادة على ما في الغرب، هو الطبل والزمر والحلويات وعرانيس ذرة مجانية، وهوما يبخل الغرب به على شعبه المسكين، وتمنُّ به علينا حكوماتنا الرؤوم.
– تجديد الشرعية كما تجدد الحية جلدها، وإسباغها على الرئيس الذي نكث بوعود قديمة، والتذكير بالوفاء بها، وتلقين الشعب الطاعة، الذي قد يكون بَطِر خلال هذه السنوات السبعة، وفسد من ديمقراطية مسلسلات بقعة ضوء، وشجاعة مسلسل مرايا وصدقها، فلا بد من أن يرعوي ويعرف أن الحق حق والباطل باطل، وليس بينهما جولة.
– اختبار الشعب بنار الوعد والوعيد، فالانتخاب حق وواجب، وإعادة معرفة الموالين من المعارضين، فاللجان القائمة على الصناديق ليست لجان شرف وصدق، وإنما هي لجان جسٍّ وعدٍّ وإحصاء هدفها مراقبة الشعب وامتحانه، وهذا ما لم ينتبه له معمر القذافي الذي لم يكن في مملكته الخضراء السعيدة من يجرؤ على دخول غرفة الموت السوداء ذات الستارة التي تعلن نهاية المسرحية، ولا في مملكتنا طبعا.
– إن انتخابات الرئاسة هي عرس متنكر تحت اسم الانتخابات، اسمها في الممالك هو عيد الجلوس على العرش.
– إن انتخابات مجالس الشعب لها أسماء كثيرة مثل مجالس الدمى، أو مجالس التصفيق، وهما اسمان لطيفان، وأنَّ لها غرضاً اقتصادياً رابحاً، هو بيع المقاعد إلى تجار الفساد، فهي موسم تجاري يدرّ على جيوب فروع المخابرات التي تتجسس على الشعب كثيراً من الأموال.
– كما أن من أغراض مجالس الشعب وانتخاباته معرفة الهوارين الجدد، واختيار أفضل الفاسدين وأكثرهم فسادا، وقياس ميول الشعب ببعض الفخاخ والمصائد، بتزكية مرشحين فاضلين لا ينجحون.
– حفلة الزينة، والعرس، التي تتزين بها البلاد، تحرك مجاري البلاد كل أربع سنوات، فيجري بيع الكثير من القماش الأبيض للشعارات الكاذبة، التي تكفن بها مصائر الشعوب، وتضخ بعض العملة في المواسير المسطومة.
– إن للمواطن في أشرف الديمقراطيات الغربية صوتا واحدا، أما عندنا فله أكثر من صوت، وكلما زاد عدد أصواته زاد شرفاً، بل إن للموتى عندنا أصواتا، ويبلغ التضامن الشعبي أن المواطن ينتخب لأخيه وينوب عنه، بل عن أسرته وعشيرته.
– التأكيد على الأصالة والخصوصية الشرقية أو المشرقية والاختلاف عن الغرب، فهو ديمقراطي لكن بديمقراطية خاصة “ايزو”.
– الصوت هو البيعة، يبيع المواطن ولاءه سبع سنوات أو يهبه وهبا أو يتخلى عنه.
– نختم بحوار معاوية وعمرو الذي استشهدنا به حول الدهاء، فنذكّر أنهما كانا من كبار الأمراء ومن الصحابة، ومن الأبطال والفاتحين، فنقول إن دهاء الرئيس العربي الحالي، محبوس على الرعية والقصر، بحيث يبقى الرئيس محبوسا في قمقم القصر الذهبي والشعب في قمقم الانتخابات الحديدي، لا يخرجان منها.
– إنها المرة الأولى في تاريخ نظام انتخابات الأسد التي يشتهر فيها مرشحون خاسرون، فيصيرون “أبطالا” في الإعلام بسبب نبشهم صندوق الانتخابات وهي رميم، أمثال بروين إبراهيم و فارس الشهابي، وحسب الخارجية الأمريكية ستكون آخر انتخابات سورية في عهد الأسد.
أحمد عمر / زمان الوصل