تالا الشيخ _ syria press
يعد التحرش اللفظي، إحدى الظواهر التي تهدد أمن واستقرار المجتمع، لما تسببه من تهديد وقلق وانتهاك لخصوصية الآخرين، ومؤخراً لجأت بعض وسائل الإعلام التركية، للتركيز على سلوكيات فردية غير مسؤولة لإظهار اللاجئين السوريين، كمتحرشين ومعتديين جنسياً، وأصبحت ذريعة يستغلها البعض، لمهاجمتهم والنيل منهم.
إن العبارات والكلمات غير المرغوب بها، وكذلك الأفعال والإشارات، التي تحمل طابع جنسي جرماً، لما تسببه من شعور بالخوف وعدم الأمان وألم نفسي للضحية، يعاقب مرتكبها بالسجن، لمدة لاتقل عن شهرين، ولاتزيد على سنتين، وفق المادة 105 من قانون العقوبات التركي، ولكن في حالة كان المجني عليه طفلاً، فتصبح مدة السجن تتراوح بين ستة أشهر، و3 سنوات. وتضاعف العقوبة إذا ارتكبت نتيجة استغلال الوظيفة الحكومية، أو استخدام وسائل التواصل الإلكترونية، أو إذا ارتكبت من قبل المكلفين برعاية أو تعليم الطرف الآخر، أو إذا ارتكبت من خلال الاستفادة من العمل في نفس المكان.
تعرضت “سارة” للتحرش أثناء ذهابها إلى مدرستها صباحاً، وقالت في حديث خاص إلى “سيريا برس” اعترضني شاب في الطريق وبدأ بـ”التلطيش” ( الاسم العامي لظاهرة التحرش اللفظي)، تملكني الخوف لقلة المارة في الشارع، أسرعت الخطا، ولكنه كان مصراً على اللحاق بي، تجاهلته لفترة من الزمن دون فائدة، فقررت أن أتصرف بعد إلحاحه بطلب رقم هاتفي، انتظرت حتى وصلت إلى محطة باص فيها بعض الناس، وبدأت بالصراخ عليه وطلب المساعدة، فما كان منه إلا أن هرب مسرعاً، بعد هذا غيرت طريق ذهابي إلى المدرسة، خوفاً من أتعرض لموقف مماثل لاتحمد عقباه.
رغم انتشار ظاهرة التحرش اللفظي ضد النساء في الأماكن العامة، إلا أنه لاتوجد دراسات أو إحصائيات، حول هذه الموضوع رغم خطورته، وتهتم المنظمات الداعمة للمرأة، بشكل عام بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، وأساليب الحماية، ولكن هناك افتقار لمعالجة حالات التعامل مع التحرش اللفظي، وتصمم البرامج غالباً عن التحرش الجنسي والاعتداء، معتبرين أنه يتضمن كل أنواع التحرش، بحسب ” سامر الطه” عضو منتدى التطوير المجتمعي.
تداعيات التحرش على الضحية
وفق رأي الاستشاري الاجتماعي والنفسي “باسل نمرة”: المتحرش لفظياً أو جسدياً، يعاني من مشاكل سلوكية ونفسية تقتضي العلاج، مع ملاحظة أن ذلك ليس تبريراً، لهذا الفعل الذي يقتضي العقاب القانوني، لأنه انتهاك لحرمة جسد الآخر وخصوصيته.
وظاهرة التحرش بحسب الاستشاري، مرجعها تضاؤل الوعي والجهل بماهية العلاقة الصحيحة مع الأنثى، وهذا يعود لطرق التربية والعادات والتقاليد المجتمعية، التي ينشأ بها الشباب ومنظومة التعليم التي تفرض الفصل الكامل، بين الذكور والإناث، في أغلب المجتمعات العربية. ومع التطور التكنولوجي ووجود الاختلاط، عبر وسائل التواصل، لابد أن يكون هناك توعية وتدريب وتعليم حول التعامل بين الجنسين، بما يتوافق مع قيمنا الاجتماعية.
وفيما يتعلق بتأثير التحرش اللفظي، على الفتيات يضيف “نمرة”،أن مضايقة الشباب للبنات بألفاظ وكلمات، لها إيحاءات غير مريحة أو جنسية، يُشعر الفتاة بأنها كائن ضعيف مستباح، عاجز عن الرد والمجابهة، خاصة أن المجتمع يكيل الاتهامات لها، متناسياً أنها الضحية، ويضع مبررات مثل “طريقة اللبس، التصرفات، المكياج، …”، وهذا يترك لديها رضوضاً نفسية، قد تدفعها للتقوقع والاكتئاب، وعدم الثقة بنفسها، لذلك لابد من توعية الفتيات بطرق الدفاع عن أنفسهن، وبحقوقهن القانونية.
التحرش في القانون التركي
يُعرّف المحامي “مجد الطباع” التحرش الجنسي، بأنه نوع من الألفاظ غير المرغوب فيها والتي تأخذ طابعاً جنسياً، وفيه انتهاك لجسد وخصوصية ومشاعر الشخص الآخر.
وللتحرش أنواع عديدة، منها التحرش الجماعي والفردي، وهناك ما يسمى بالنظر المتفحص، ويعني التحديق أو النظر بشكل غير لائق، وغير مقبول إلى جسد الشخص الثاني، ولدينا التعبيرات الوجهية، مثل “الغمز واللمز وفتح الفم”، والنداءات مثال ” البسبسة، التصفير، الصراخ، الهمس”،جميعها تعتبر من الإيحاءات الجنسية، إضافة إلى التعليقات، بمعنى إبداء ملاحظات جنسية، وتتضمن على سبيل المثال لا الحصر “الكلام عن الملابس، طريقة المشي، الخ..”.
ويوجد أيضاً بحسب “الطباع” ما يعرف بالملاحقة أو التتبع، سواء بالقرب من الشخص أو من على مسافة، مشيًا أو باستخدام سيارة، بشكل متكرر أو لمرة واحدة، أو الانتظار خارج مكان العمل أو المنزل أو السيارة.
ومن أنواع التحرش الدعوة، أو طلب ممارسة الجنس، طلب رقم الهاتف، توجيه دعوات لتناول العشاء، أو اقتراحات أخرى، قد تحمل طابعًا جنسيًا بشكل ضمني أو علني.
إضافة إلى الاهتمام غير المرغوب به، بمعنى التدخل في عمل أو شؤون شخص ما، من خلال السعي لاتصال غير مرحب به، الإلحاح في طلب التعارف والاختلاط، أو طرح مطالب جنسية، مقابل أداء أعمال، أو غير ذلك من الفوائد والخدمات، وتقديم الهدايا بمصاحبة إيحاءات جنسية، أو الإصرار على المشي مع الشخص، أو إيصاله بالسيارة إلى منزله أو عمله، على الرغم من رفضه.
خفة ظل أو قلة أدب
يتلفظ الشباب بعبارات يعتقدون أنها خفيفة ظل، تقول “عليا“: مستخدمين الصفات الشخصية للبنت مثل “يسلملي هالطول، عنقك عنق غزال، دخيل هالوجه الحلو”، خصوصاً إن كانوا أكثر من شخص، فيصبح “التظارف” بالعبارات مباراة بينهم، يثبتوا جدارتهم متناسين مدى الإحراج الذي يسببونه للبنت، غير مهتمين بنظرات الناس التي تلاحقهم شذراً، وهذه الحالات ليست نادرة، بالعكس هي ظاهرة منتشرة، وتتعرض لها البنات بشكل يومي ولأكثر من مرة، وأكثر مايزعجني كفتاة، أن المجتمع يحملنا الذنب، متناسين أن جميعنا نتعرض لهذه المواقف، كباراً أو صغاراً، محجبة أو “سبور”، وكأن الشباب من حقهم فعل هذا، بناء على رأي شخصي بلبسنا وطريقة مشينا، أو بتفسير إشارات قد تصدر غير مقصودة من البنت.
تضيف “عليا” بالطبع هناك شباب ضد “التلطيش”، ويعتبرونه قلة أدب وأخلاق، وبعضهم من ذوي الحمية، يتدخلون لحماية الفتاة، وإبعاد الأذى عنها، مهما كانت النتيجة، التي قد تصل إلى تبادل الشتائم والشجار بالأيدي.
إلى ذلك، يقول “مضر” شاب في أواخر العشرينات، في مرحلة المراهقة: “يسعى الشباب للفت نظر البنات، عبر استخدام بعض العبارات “الظريفة”، لإثارة ضحك الفتاة، وهو مايعتبرونه إشارة قبول أو إعجاب، ويتفننون بهذه العبارات، من باب المفاخرة، وإظهار الخبرة أمام أصدقاءهم، وأغلبهم يعتقد أن البنات يحببن أن يسمعن كلمات الإعجاب والإطراء، وبمفهومهم أن هذا التصرف، ليس فيه أذى للفتاة، كونه مجرد كلام لايصل لمرحلة تحرش جسدي، ويجهلون أنه جرم يعاقب عليه القانون.
يشير “مضر” إلى أنه في المرحلة الثانوية، مارس “التلطيش” للتسلية، ومع الوقت أصبح أكثر وعياً، ويخجل من هذه الممارسات ولايحبذها، ويؤكد أن ماينقص الشباب هو التوعية القانونية والاجتماعية بهذا الأمر، لأنه اقتنع انه تصرف معيب، بعيد عن الأخلاق، وقد يؤدي في كثير من الأحيان، إلى عراك بالأيدي وتدخل الشرطة.
القانون الدولي وسلامة النساء
تناولت الأمم المتحدة في موجز، سياسات الأطر الدولية المعنية بسلامة النساء في المدن والأماكن العامة، وقوانين الدول العربية بشأن التحرش الجنسي، حلولاً مبتكرة لمعالجة العنف الجنسي والتحرش بالنساء في الأماكن العامة، قالت فيه: إن هناك أدلة وافرة، على الدور الأساسي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، في زيادة الشعور بالسلامة والأمن، لدى النساء والفتيات في الأماكن العامة. غير أن الممارسات الجيدة العالمية والإقليمية ذات الصلة، لا تزال في مراحلها الأولية. وتستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لزيادة التوعية حول التحرش في الأماكن العامة، وتحديد المناطق الآمنة، والدعوة إلى توفير خدمات آمنة، والإبلاغ عن المناطق غير الآمنة.
ودعمت وكالات الأمم المتحدة ومنظمات نسائية رائدة، البرنامج العالمي “مدن آمنة وخالية من العنف ضد النساء والفتيات” الذي أطلق عام 2011.ويهدف إلى وضع وتنفيذ وتقييم أدوات وسياسات، ونهج شامل لمنع ومكافحة التحرش الجنسي، وغيره من أشكال العنف الجنسي، ضد النساء والفتيات في ظروف مختلفة.
لا تشكل قوانين مكافحة التحرش الجنسي بأنواعه، رادعاً يقضي على هذه الظاهرة، إلا أنها توفر الحماية القانونية للنساء، وينبغي بذل الجهود لدحض البنى الاجتماعية والثقافات، التي تسمح بالعنف القائم على النوع الاجتماعي. والعمل على تحقيق أحد أهداف خطة التنمية المستدامة، التي أقرتها الأمم المتحدة، بإنهاء كافة أشكال العنف، والممارسات الضارة ضد النساء والفتيات بحلول عام 2030.
تالا الشيخ _ سيريا برس
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR“صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.