الملف النووي الإيراني كان أحد السجالات التي طبعت المناظرات الانتخابية الأمريكية، بين الرئيس السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن.
ترامب الجمهوري الذي انسحب من الاتفاق النووي الذي وقعه سلفه الديموقراطي أوباما، والذي يرى فيه تراجعاً أمريكياً وتنازلات قدمتها إدارة أوباما لإيران.
وبايدن الذي بنى حملته الانتخابية الخارجية على وعود للعودة إلى الاتفاق النووي، حيث ضمت إدارة بايدن الذي كان نائباً لأوباما حينها صانعي الاتفاق النووي وعلى رأسهم روبرت مالي، الذي أصبح مبعوثاً للرئيس الأمريكي للمفاوضات حول الصيغة الجديدة للاتفاق.
بعد وصول بايدن البيت الأبيض، بدأ الحديث عن إحياء المباحثات التي مرت بمصاعب كثيرة أبرزها ماقامت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تحقيقات تثبت حسب مسؤولين فيها سعي إيران لتطوير عمليات التخصيب، كذلك إدراج الحرس الثوري وبعض مكوناته على لائحة العقوبات الأمريكية، والموقف الإسرائيلي والخليجي من الإدارة الامريكية في حال توقيع الاتفاق.
إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية أفرزت ظروفاً وأسباباً دعت أوربا للاستعجال بتوقيع الاتفاق الذي كان يسير ببطء، إذ إن تراجع توريد الغاز والطاقة إلى أوربا بسبب موقفها من الحرب، والأزمة الاقتصادية التي أفرزتها الحرب والتي بدأت آثارها تظهر على أوربا.
جعلت الأوربيين يستعجلون خطوات الاتفاق؛ ما دفع الاتحاد الاوربي لتقديم مقترحات لتقريب نقاط الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران، وذلك بسبب استعجال أوربا لتعويض النقص في الطاقة والغاز من خلال النفط والغاز الإيراني في حال توقيع الاتفاق.
الاستعجال الأوربي قبل حلول فصل الشتاء وازدياد الحاجة لموارد جديدة للطاقة، قابله برود إيراني بسبب إدراكهم حاجة الأوربيين لموارد الطاقة الإيرانية، وكذلك حاجة شركاتهم للعودة للسوق الإيرانية، لذلك لم يتنازل الإيرانيون عن الشروط التي وضعوها للعودة، والتي أبرزها إزالة الحرس الثوري من قائمة العقوبات الأمريكية وكذلك رفع الحظر الأمريكي عن الأموال الإيرانية المجمدة وذلك في ظل أزمة اقتصادية إيرانية، إلا أن الشروط الإيرانية قابلها تعنت أمريكي خاصة أنّ معاناة الولايات المتحدة في مجال نقص الطاقة أقل بكثير من معاناة الأوربيين؛ ما جعل عدم الاستعجال سمة واضحة لدى الأمريكان، بالرغم من عودة الإيرانيين عن بعض شروطهم خاصة المتعلقة بالحرس الثوري، وذاك ما جعل الحديث عن قرب توقيع الاتفاق النووي يزداد في الآونة الاخيرة.
بما يخص المسألة السورية، ماهي انعكاسات توقيع الاتفاق النووي على الوضع في سوريا في حال توقيعه؟
منذ التدخل الإيراني المباشر في سوريا، أصبحت الأرض السورية ملعباً وصندوق رسائل بين الولايات المتحدة وإيران، حيث سمح الاتفاق الذي وقع عام ٢٠١٥ بنسخته الأولى لإيران بالتمدد في سوريا، وذلك بغض نظر من إدارة أوباما حينها التي اعتبرت تخفيف الضغط عن التوسع الإيراني هو عامل مساعد لتوقيع الاتفاق والذي كان هدفاً استراتيجياً لإدارة أوباما.
بالمقابل، وبعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق وممارسة سياسة الضغط الأقصى على الإيرانيين، وتحرير الرغبة الإسرائيلية في استهداف المواقع الإيرانية في سوريا، تراجع الدور الإيراني على حساب أدوار اخرى كالتدخل الروسي والتركي والذي بدا واضحاً بتراجع الدور السياسي لإيران من خلال التنسيق الأحادي بين تركيا وروسيا والتي تعتبر جزءاً من ثلاثي أستانا حينها،
حيث اقتصر الدور الإيراني على سياسة خلط الأوراق والضغط على الجناح الموالي لإيران في نظام الأسد من أجل عرقلة التوافقات.
عودة الروح للمفاوضات حول العودة للاتفاق النووي أعادت تنشيط الدور الإيراني في سوريا، والذي بدوره سينعش نظام الأسد، من خلال:
١-رفع الحظر عن أموال إيران المجمدة سيكون بمثابة طوق النجاة لنظام الأسد الذي يعاني اقتصادياً بسبب تراجع الدعم المادي الإيراني الذي كان بمثابة شريان الحياة له.
٢-رفع الحظر عن تصدير النفط الإيراني لأوربا سيعيد تنشيط الموانئ السورية، وبالتالي سيكون مصدر إنعاش آخر لاقتصاد النظام، وفي الوقت ذاته نافذة لدخول النظام إلى السوق الأوربية، وبوابة تواصل مع حكوماتها.
٣-هنالك خشية من أن تكون الساحة السورية بمثابة جائزة ترضية لإيران من أجل الذهاب بعيداً في تنفيذ بنود الاتفاق النووي، خاصة ملحقاته المتعلقة ببرنامج الصواريخ بعيدة المدى.
٤-رفع الحظر يعني انفتاحاً سياسياً لإيران على أوربا، ويالتالي تسويق سياسي لنظام الأسد، ما يجعل إعادة تعويمه مطروحاً على الطاولة.
٥-تراجع تأثير قانون سيزر الأمريكي على النظام السوري، وبالتالي تحسن في اقتصاد النظام عبر الدعم الإيراني المنتظر.
بالمقابل، فإنّ احتمالية فشل التوصل لاتفاق وإن كانت ضعيفة بسبب الموقف الأوربي وظروف الحرب الروسية الأوكرانية والتصعيد الأمريكي مع الصين، تعني ازدياد الضغط على إيران في مناطق نفوذها بما فيها الملف السوري، وبالتالي ستشهد تصعيداً إسرائيلياً ضد المواقع الإيرانية في سوريا وحلفاء إيران في المنطقة كحزب الله اللبناني.
بالمحصلة فإن انعكاسات الاتفاق النووي في حال التوقيع أو فشله ستكون واضحة على الملف السوري، والذي يعني تغيرات مفصلية تتعلق بالسياسات التركية والعربية العاملة على التقارب مع النظام ومحاولة تعويمه تحت ذرائع مختلفة.
فراس علاوي _ الطريق