ما إن تصدر تصريحات من هنا وهناك عن ضرورة إصلاح مؤسسات المعارضة السورية وعلى رأسها الإئتلاف، حتى يبدأ أعضاء هذه المؤسسة نشاطهم المحموم للحفاظ على أماكنهم ومناصبهم ومكتسباتهم وتمثيل من يمثلونه في هذه المؤسسة، لأنهم من الممكن أن يمثلوا أي أحد، فرد أو مؤسسة أو دولة عدا الشعب السوري، فقد أثبت الإئتلاف خلال السنوات المنقضية من عمره أنه لم يمثل ولن يمثل تطلعات السوريين، ربما ذهب هنا وهناك وعقد الجلسات والاجتماعات وشارك في المؤتمرات في كل عواصم العالم، لكنه لم يقدم أي شيء للسوريين، اللهم سوى للأعضاء الذين تعرفوا على كل فنادق النجوم المميزة ودور الأزياء الخاصة بالألبسة البروتوكلية، ناهيك عن السفرات بالدرجة الأولى في الطائرات الفخمة وكذلك الظهور على كبريات محطات الإعلام للإدلاء بالتصريحات التي لاتسمن ولاتغني من جوع، بالنسبة لسوري يعيش في أحد مخيمات الشمال أو في مخيم الركبان، يفترش الأرض ويلتحف السماء، في الوقت الذي ممثلوه يوظفون من يحمل لهم المظلات التي تحميهم من المطر وهم يدلون بتصريحاتهم في العواصم العالمية في مقابلة لا يمكن أن تتجاوز الخمسة دقائق، كذلك هم لم يمثلوا من أسعفهم الحظ في الوصول إلى دول الجوار ويعانون ما يعانون من إهانة وإذلال في مخيمات لبنان، أو الإهمال في مخيمات الأردن، ولم يمثلوا الميسورين الذين استطاعوا أن يقيموا في البيوت بأموالهم في هذه الدول، أو من استطاعوا أن يصلوا إلى تركيا أو الدول الأوربية الذين يعانون من الغربة وصعوبة الإندماج بالمجتمعات الجديدة مع حلم يراودهم بالعودة إلى بيوتهم وديارهم حتى ولو كانت مدمرة.
في ظل هذه المعضلة والقطيعة مابين مؤسسات المعارضة وحاضنتها الشعبية لابد من التساؤل عن أسباب هذه القطيعة، وهل من الممكن إعادة اللحمة بين الشعب ومن يدعون قيادته، وأن نعود إلى شعار أطلق في يوم من الأيام وحملت اسمه جمعة من الجمع، المجلس الوطني يمثلني، لا أعتقد أن هذا ممكنا لعدة أسباب أبرزها:
1-أن الشعب عندما أطلق هذه التسمية كان منتشياً بماحققه هو من إنتصارات ولم يدقق كثيراً في تشكيلة هذه المعارضة ولا تركيبتها وهل الشخوص يمثلونه حقاً وأنه من اختارهم.
2-النظام الداخلي لمؤسسة الائتلاف، الذي رسخ الشخوص وتمثيلهم بالمحاصصة بين المكونات إلى الأبد، دون أن يتم المساس بهم أو تغيرهم، ولكن يمكن التوسعة والإضافة وفق المصالح، وهذا مارأيناه من خلال التوسعات السابقة والتفاوض على عدد المقاعد والتحاصص حسب قوة الداعم لهذا المكون أو ذاك، وهذا ينسحب على كل مؤسسات المعارضة.
3- عدم امتلاك كثير من الأشخاص في هذه المؤسسات القدرة والجرأة على المكاشفة وتقديم الاستقالة نتيجة لفشلهم في إدارة العملية كلها والسماح لغيرهم بإدارة الملف.
هذه بعض الأسباب وغيرها كثير ولذلك لايمكن تحسين العلاقة بين هذه المؤسسات والحاضنة، لأننا عندما ننظر إلى الممثلين في الإئتلاف عن المحافظات أو التكتلات نجد أن هؤلاء الممثلين أتوا مع المطر نزولاً من السماء، أو نبتوا كما الكمأة من الأرض دون مقدمات ولاحيثيات سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية، فمن أتى يمثل حزباً او تجمعاً سياسياً نجد أن حزبه لاوجود له على الأرض سوى عنده، وأن عدد أفراد هذا الحزب لايتجاوز عدد أصابع اليد وهذا الممثل على رأسهم وربما نائبه معه، وهذا الأمر ينسحب على الممثلين الاقتصاديين الذين لايملكون شيئاً، وربما أصبحوا من رجال الأعمال بعد الثورة وهم من نتائج الواقع في سورية ولا أحد يعرف مصادر ثروتهم هذه، أما الممثلين الإجتماعيين فنجد أن بعضهم ليس له أي بعد إجتماعي وهذا ما نلاحظه في من يدعون تمثيل العشائر، أو أن هذه المؤسسات غير موجودة على أرض الواقع وهو مانراه عند ممثلي كتلة المجالس المحلية التي ليس لها وجود، منذ سنوات في كثير من المحافظات إنما من يمثلونها لازالوا في مناصبهم دون تغيير منذ تأسيس هذا الائتلاف.
أمام كل ماسبق “هل يمكن إصلاح هذه المؤسسة أو الإعتماد عليها” وهل يمكن أن يرتق الفتق أم أنه يصعب على الراتق؟
إن التخبط الذي تعيشه هذه المؤسسات كلها والتعامل مع الأمور بردود الأفعال وعدم قدرتها على القيام بشيء يفيد السوريين وينهي مأساتهم ويفتح أمامهم آفاقاً تعطيهم الأمل بالحل، وكذلك عدم قدرتها على الإقتراب من الحاضنة الشعبية، وهو ما لاحظناه من خلال الدعوات للاجتماع مع بعض الشخصيات عبر وسائل التواصل أو فيزيائياً، وملاحظة عدم وجود شخصيات فاعلة أو مكونات ذات قوة على الأرض في هذه اللقاءات، يدعونا للتساؤل؟
هل رفضت هذه الشخصيات أو التجمعات الفاعلة اللقاء بالائتلاف وقياداته، أم أن الإئتلاف لم يدعوها لعدم قدرته على تقديم الإجابات لها، أو لخوف شخوصه من سحب البساط من تحت أقدامهم، لأن اغلبهم يعي حقيقة أنه لو كان التمثيل حقيقياً أو الإختيار ديمقراطياً فلن يكون لهم مكان ولن يختارهم الشعب حتى، وإن كان بعضهم ممن حظي باحترام الحاضنة الشعبية يوماً ما، وذلك للأسباب التي ذكرناها سابقاً، من فشلهم في إدارة كل الملفات التي تصدوا لها، من تقديم للاجئين في أماكن تواجدهم أو القرب منهم ورعايتهم، أو النجاح في تقديم قضيتهم بشكل خاص والقضية السورية بشكل عام للعالم.
إن مؤسسة صرفت المليارات ولم تستطع أن تنجز شيئاً، حري بالقائمين على صدارتها التنحي عن أمكنتهم، وافساح المجال لجيل من الذين يفرزهم الشعب، يستطيعون تمثيله ورعاية مصالحه والدفاع عنها.
لذلك لا أعتقد أن هناك إمكانية للإصلاح إلا باعتراف هذه المجموعة ممن تصدوا للقيادة بفشلهم، والعودة إلى الشعب، ليطلبوا منه السماح، ولكي يضيق الفتق على الراتق بعد اتساعه، لأنهم إن لم يقوموا بهذا العمل فإنه سيتسع، وحينها لاينفع الندم، وعندها ربما لا يمكن لهذا الشعب أن يسامحهم، وقد يذهب تاريخ كثير منهم النضالي وماقدمه في حياته أدراج الرياح، لأن البون شاسع بين الطرفين.
فهل يمتلك هؤلاء القدرة على الإقتراب من حاضنتهم التي ربما تغفر لهم جميعاً، وتعيد بعضهم إلى مكانه، مع الدعم بآخرين يستطيعون التقديم
لعل الأيام القادمة تجيبنا بشي، مع أننا نعتقد أنهم لايملكون قرارهم ولا مايقدمونه.
صفا عبد التركي _ سيريا برس