ما يزال الإجهاض من المواضيع المعقدة والأكثر جدلاً وإثارة للخلاف في العديد من الدول والمجتمعات على اختلاف انتماءاتهم الدينية والسياسية والاجتماعية، ورغم المخاطر المترتبة والناتجة عنه، إلا أن القوانين الموجودة في العالم سواء في الإباحة أو المنع، لم تحدث تغييراً حقيقاً في أرقام عمليات الإجهاض، وفق منظمة الصحة العالمية.
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.
اتخاذ القرار ليس سهلاً
“لم يكن قرار الإجهاض سهلاً” بالنسبة للنساء اللواتي أجرينه سواء بطرق شرعية أو ملتوية، فكان لبعضهن مؤلما وله تداعيات طويلة الأمد، ولأخريات خياراً إيجابياً ساهم بتغيير حياتهن نحو الأفضل.
سلافة، من دمشق 32 عاماً تقيم في ولاية غازي عنتاب، أجرت عملية الإجهاض في إحدى المشافي التركية نظراً لأن هذه العمليات متاحة بموجب القانون التركي.
تقول سلافة: ” فكرت كثيراً قبل إجراء الإجهاض وأبقيت هذا الأمر مخفياً عن عائلتي وأصدقائي خوفاً من ردود فعل رافضة”.
اتخذت سلافة مع زوجها قرار الإجهاض، لأنهما لم يكونا جاهزين بعد لوجود طفل من الناحية المادية والمعنوية، وأيضا بسبب عدم الاستقرار الذي يعيشه اللاجئ السوري في تركيا.
الإجهاض أكثر القضايا جدلاً حول العالم
يعتبر الإجهاض من المواضيع المثيرة للجدل في العالم ككل، حيث يتم مناقشة القضية في دول الغرب في إطار الحرية والقانون وضمن اتجاهات سياسية واقتصادية، بينما بقي الإجهاض عالقاً في الفتاوي الدينية والآراء الفقهية لرجال الدين في الكثير من الدول العربية ودول الشرق الأوسط.
وتحظر الدول الإجهاض وتبيحه لأسباب مختلف، منها لإنقاذ حياة الأم، أو من أجل الحفاظ على الصحة (اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز)، أو الإجهاض على أسس اجتماعية واقتصادية (عمر المرأة وقدرتها، البغاء، الاغتصاب…)، ودول تسمح بالإجهاض ما دون الأسبوع الثاني عشر من الحمل، ومنها تركيا.
وتخرج العديد من المظاهرات المناهضة لتجريم الإجهاض في مختلف بلدان العالم، كما تسعى منظمات نسوية للحصول على قوانين تتبنى ما يسمى “الإجهاض الآمن”.
وأعلنت حركة “صحة النساء” العالمية يوم 28 سبتمبر يوماً عالمياً للحراك في سبيل إلغاء تجريم الإجهاض، وفي هذا اليوم من كل عام تقام العديد من الفعاليات والنشاطات من قبل حركات نسوية ومنظمات مجتمع مدني في العديد من الدول للمطالبة بقانون يضمن حق النساء في إجراء الإجهاض الآمن.
وفيات النساء من عمليات الإجهاض غير الآمن
وفي تقرير أعدته منظمة الصحة العالمية في 2017، سجلت فيه 25 مليون عمليّة إجهاض غير آمنة في العالم سنوياً، أغلبها في الدول الناميّة.
وأكدت التقرير، أنه في معظم هذه الحالات تضطر النساء إلى دخول المستشفى للعلاج من تبعاتها، إضافة إلى 47000 امرأة تفقد حياتها جراء عمليات الإجهاض غير الآمنة سنوياً، وتبلغ نسبة وفاة النساء جراء هذه العمليات 13 بالمئة من نسبة وفاة الأمهات.
وذلك لأنه يتعذّر حصول النساء على رعاية الإجهاض الآمن، يلجأن إلى طُرق خطيرة دون مراعاة لسلامة حياتهم ودرءاً لتبعات وعواقب الحمل.
وفي عام 2020، ذكرت منظمة “أطباء بلا حدود” أنها قدمت أكثر من 31,100 عملية إجهاض آمن في 34 بلدًا حول العالم لنساء وفتيات طلبن إجراءه، كما عالجت أكثر من 14,700 امرأة وفتاة من المضاعفات الناجمة عن الإجهاض.
جدل في الفقه الإسلامي حول الإجهاض
تعددت الآراء الفقهية في الشريعة الإسلامية بين المباح والمباح لعذر معين والكراهية والتحريم.
وقال الأستاذ مهند إسماعيل، ماجستير في الفقه الإسلامي أن المذهب الحنفي أباح الإسقاط بعد الحمل ما لم يتخلق شيء منه، والمراد بالتخلق في عبارتهم تلك “نفخ الروح”.
وبالنسبة للمذهب الحنبلي، قال إسماعيل، إن “الإباحة قول عند الحنابلة في أول مراحل الحمل، إذ أجازوا للمرأة شرب الدواء المباح لإلقاء نطفة لا علقة، وعن ابن عقيل أن ما لم تحله الروح لا يبعث، فيؤخذ منه أنه لا يحرم إسقاطه. وقال صاحب الفروع: ولكلام ابن عقيل وجه”.
والمعتمد عند المذهب المالكي، هو التحريم قطعاً حسب ما قاله إسماعيل، وذكر قولاً للفقيه ابن رشد أن مالكاً قال ” كل ما طرحته المرأة جناية، من مضغة أو علقة، مما يعلم أنه ولد”.
ويلاحظ من خلال البحث في حكم الإجهاض في الفقه الإسلامي، أن الفقهاء اختلفوا فيما بينهم في الآراء، وفرقوا بين الأشهر الأولى وما بعدها.
النظر المجتمعية للإجهاض
وتأتي النظرة المجتمعية لعمليات الإجهاض من الأحكام الدينية والقوانين الرافضة أو المجرمة لها، وتتعرض المرأة في هذه الحالات للنبذ المجتمعي والتخلي من قبل الشريك ورفضه تحمل المسؤولية أحياناً.
ولذلك تلجأ بعض النساء إلى إسقاط الحمل بالسر والخفاء حتى لا تتعرض للمساءلة القانونية والمجتمعية، على الرغم من أن العديد من حالات الإجهاض التي تحدث ضمن الشروط القانونية والشرعية التي أبيحت بها عمليات الإجهاض، مثل عدم قدرة الأم والأب النفسية والعقلية والمادية على إنجاب الطفل، أو حدوث اغتصاب أو حمل تحت السن القانوني وغيرها.
وبالنسبة للنساء السوريات في تركيا، ومع أن القانون التركي يضمن لهن حق الإجهاض في مدة معينة، إلا أنهن مازلن يتكتمن على هذه العمليات خوفاً من النظرة المجتمعية.
نورا، 22 عاماً سيدة سورية من ريف حماة تقيم في ولاية غازي عنتاب، وأم لطفلين أحدهما مصاب بحالة مرضية ويحتاج لفترة علاج طويلة وتفرغ كامل للعناية به والاهتمام بصحته.
اكتشفت نورا أنها حامل وقررت بالاتفاق مع زوجها إجراء عملية الإجهاض، تقول: ” عندما خرجت من العملية وعدت إلى منزلي، غيّر زوجي رأيه وحملني مسؤولية إجهاض الجنين وحدي، وتعرضت للتأنيب من قبل أهل زوجي وأهلي وأصدقائي”.
تأثرت نفسية نورا كثيراً نتيجة الضغط المجتمعي عليها، واتهموها أنا ارتكبت جرماً كبيراً لا يمكن غفرانه.
كما واجه رضوان، 32 عاما من مدينة الحسكة، وهو زوج وأب لطفل، الكثير من النقد المجتمعي لأنه قرر مع زوجته إجراء إجهاض الحمل غير المرغوب فيه، وقال: “كان الحمل مفاجئاً ولم نكن جاهزين لاستقبال مولود جديد فقررنا أن نجهض الحمل”، وتابع “رغم أن قرارنا مشترك إلا أن زوجتي تحملت الضغط الأكبر من قبل محيطنا”.
ماذا يقول القانون التركي في الإجهاض
المحامي التركي، جمعة علي شيمشيك قال، أن القانون التركي في المادة رقم 2827 يتيح إجراء عمليات الإجهاض حتى الأسبوع العاشر بشكل طوعي وبمحض إرادة المرأة.
وأضاف شيمشيك، أن إجراء عملية الإجهاض تتطلب موافقة الزوج إذا كانت المرأة متزوجة وموافقة الوالدين إذا كانت دون سن 18 عاما، كما يسمح بالإجهاض عندما يكون عمر الحمل أكثر من 10 أسابيع ويهدد حياة المرأة أو يسبب معاناة شديدة للطفل الذي يولد والأجيال التي تليه.
ولفت المحامي التركي، إلى أن القانون ينص على أن الإجهاض مباح لمدة تصل إلى 20 أسبوعاً إذا كانت المرأة حاملاً دون موافقتها.
وبالرغم من وجود نص قانوني يبيح إجراء عمليات الإجهاض، إلا أن المشافي الحكومية لا تقوم به، ومعظم هذه العمليات تتم في المشافي الخاصة.
الجانب الطبي
الطبيبة النسائية ريم اسطنبولي، تحدثت عن حالات الإجهاض التي تتم لأسباب صحية ، وقالت إن الأسباب الطبية تتعدد إلا أن 50 بالمئة منها تحدث بسبب تشوهات صبغية.
وذكرت الطبيبة بعض الأعراض التي من الممكن أن تظهر، مثل نزيف مهبلي، وتصريف الأنسجة أو السوائل من المهبل، وألم شديد في البطن أو تشنج، ألم في الظهر.
اقرأ أيضاً: “أكتوبر الوردي”.. ليس توعية بالمرض فقط بل بأسلوب الحياة
ونوهت الطبيبة، إلى أنه ليس من الضروري أن تظهر هذه الأعراض، ويجب على المرأة أن تتابع مع طبيب من أجل الاطمئنان على صحتها وصحة الحمل.
لأنه في حالات الإجهاض قد لا يحدث إسقاط تام للحمل، وتبقي في الرحم بقايا يجب أن تتلقى المرأة العلاج المناسب لتتخلص منها.
ولم تتطرق الطبيبة لعمليات الإجهاض الطوعية، واختزلت حديثها بأنه يتم إجراءها في المشافي الخاصة بتركيا وفق القانون.
آلاء محمد _ الحل نت