مع أزمة اللجوء السورية التي تعد الأكبر من نوعها في العصر الحالي ولدت احتياجات جديدة للاجئين في المجتمعات المضيفة تطلّبت تحرك منظمات المجتمع المدني في دول اللجوء، فشهدت أزمة اللاجئين السوريين استجابة على مستويات عديدة من قبل المنظمات المعنية.
وفي تركيا التي حظيت بالنصيب الأكبر من اللاجئين السوريين مستقبلة ما يتجاوز الـ 3.7 مليون لاجئ سوري وفقاً لتقرير دائرة الهجرة التركية، كانت لمشاريع التأهيل المهني وتمكين المرأة حصة ملحوظة من استجابة المنظمات. وعلى خلاف المرجو أقصيت في كثير منها الفئات العمرية المتوسطة والكبيرة فوقعت العديد من المنظمات في فخ التمييز القائم على العمر وحكمت على هذه الشريحة من النساء للاستسلام للتقاعد والشيخوخة باكراً.
رفض قبل التقدم
غفران لاجئة سورية خمسينية في إسطنبول، وصلها رابط لتدريب مهني يوفر تأهيلاً نظرياً وعملياً لمهن معينة مع إمكانية التوظيف بعد انتهاء التدريب، وللحظة اعتبرتها الفرصة المثلى التي ستخرجها من شعور “انعدام جدواها في الحياة”.
لكن وبعد أن قرأت التفاصيل والشروط وجدت أن المتقدمة لا يجب أن تتجاوز سن الـ40. تقول غفران إنها شعرت بالإحباط وازداد يقينها أن دورها في الإنتاج أو كعضو فعال في المجتمع قد انتهى.
يطلق برنامج الأغذية العالمي في تركيا بالتعاون مع مؤسسات تركية مختلفة منها وزارة التربية الوطنية ومؤسسة العمل التركية İŞKUR برامج تأهيل مهني في عدة مجالات بين الحين والآخر تستهدف اللاجئين والمواطنين الأتراك في عدة محافظات تركية، وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة تسمي الفئة العمرية من 25-64 على أنهم “السكان في سن العمل” اشترطت تدريبات برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أن يكون عمر المتقدم/ة ما بين 18 – 40 عاماً، فأقصيت بذلك فئة كبيرة من المستفيدين المحتملين لهذا التدريب.
ولم يتلق موقع تلفزيون سوريا رداً من منظمة الغذاء العالمي التي تواصل معها للسؤال عن سبب حصر المشاريع بفئات عمرية محددة.
وواجهت هلا الأربعينية المقيمة في إسطنبول وخريجة الماجستير في العلوم السياسية المشكلة ذاتها حين لم تجد لها مكاناً في تدريب يؤهل النساء السوريات اللاجئات في تركيا للعمل في القطاع الصحفي فكان العمر أيضاً حجر عثرة منعتها من الانخراط في هذا التدريب كما قالت، فحكم عليها بالرفض قبل التقدم ومن دون النظر إلى مؤهلاتها أو تقييم إمكانياتها على حد قولها.
وتستقبل تركيا ما يزيد على مليون و 700 ألف لاجئة سورية وفقاً لبيانات دائرة الهجرة التركية، وما يقارب الـ 241 ألفاً منهن من الفئة العمرية ما بين 40 و64 سنة.
تأهيل محدود وتقاعد إلزامي مبكر
لا تستثنى هذه الفئات من العديد من البرامج والمشاريع فحسب كما تقول هلا -مستندة إلى تجربتها الشخصية- فتشير إلى أن المشاريع التي تستهدف من في سنها غالباً ما تكون ضمن إطار نشاطات تقليدية كندوات ومحاضرات تثقيفية مكررة ومستهلكة أو فعاليات وتأهيلات نمطية كتدريبات الحرف اليدوية، أما التدريبات النوعية التي تضمن للمرأة تطوراً ملموساً أو تأهيلاً حقيقياً فتكون محدودة بالفئات العمرية الصغيرة.
يزيد شعور النساء بالتعرض للتمييز على أساس العمر أعباء اللجوء ثقلاً عليهم على حد وصف غفران، فتقول: “قضينا سنين طويلة من عمرنا في بلادنا نكافح لتحقيق الاستقرار قبل أن تجبرنا الحرب على مغادرة البلاد تاركين وراءنا ما بنيناه وعائدين إلى نقطة الصفر، لذلك ربما يكون من في سننا هم الأحوج للدعم والتمكين”.
وتضيف: “من المحبط أن يحكم علينا بالتقاعد من الآن وما زال لدينا ما يكفي من الطاقة والاندفاع للإنتاج”.
ووفقاً لبيان نشرته منظمة الصحة العالمية في آذار مارس 2021 يُعتقد أن شخصاً من أصل اثنين في العالم يتبع سلوكيات تمييزية على أساس السن، واستنادا إلى التقرير الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان؛ تسرّب التمييز على أساس السن إلى العديد من مؤسسات المجتمع وقطاعاته، بما فيها تلك التي تقدم الرعاية الصحية والاجتماعية، في أماكن العمل ووسائط الإعلام والنظام القانوني.
وتترتب على التمييز على أساس السن عواقب خطيرة وواسعة النطاق في صحة الناس ورفاهيتهم وفقاً لبيان منظمة الصحة العالمية، وعند المسنين يرتبط التمييز على أساس السن بضعف الصحة البدنية والنفسية، وزيادة العزلة الاجتماعية والوحدة، وزيادة انعدام الأمن المالي، وتدني نوعية الحياة، والوفاة المبكرة. كما يوجد وفقاً للتقديرات، نحو 6.3 ملايين حالة اكتئاب في العالم تعزى إلى التمييز على أساس السن.
وأوضح عمر تنبكجي الخبير في شؤون المنظمات والمدير التنفيذي لمنظمة “نقطة” أنه في كثير من الحالات يكون هناك بالفعل تمييز عند استهداف فئات معينة من دون أخرى وهذا أمر غير مبرر، ولكن المشكلة التي غالباً ما تواجه المشاريع الإنسانية هي محدودية العدد المستهدف، لذلك توضع معايير يكون فيها نوع من الفلترة المسبقة للمتقدمين، ويرجع تنبكجي الوقوع في هذه المشكلة إلى ضعف التمويل الذي لا يتلاءم مع حجم الاحتياج ولا يمكن أن يسده بشكل كامل.
يضيف تنبكجي أنه لا توجد أسس ثابتة تتبعها المنظمات لتحديد الفئات المستهدفة، ولكن عموماً نوع الخدمة المقدمة هو أحد أهم المعايير التي تحدد هذه الفئات، فالخدمات الإنسانية والصحية والغذائية تستهدف الفئات الأكثر ضعفاً، أما عند تقديم خدمات متعلقة بفرص العمل وسبل المعيشة فعادة ما تستهدف الفئات الأكثر قدرة على العمل والإنتاج.
حق كبار السن بالوصول إلى جميع الخدمات من دون تمييز
عدم التمييز بشموليته في القانون الدولي لحقوق الإنسان هو مبدأ تنصّ عليه جميع المعاهدات الأساسية، وتتمحور حوله كل من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ومع ذلك تعرضت كل من هلا وغفران وهما مثالان عن كثير من النساء الأخريات، للتمييز على أساس السن على حد وصفهما رغم عدم دخولهما في مرحلة الشيخوخة بعد.
وحتى في حالات العمر المتقدم تعتمد الجمعية العامة في مبادئها وجوب إتاحة إمكانية الاستفادة من برامج التعليم والتدريب الملائمة لكبار السن، واعتمدت الجمعية مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بكبار السن، معددةً فيها 18 استحقاقاً تتعلق بالاستقلالية والمشاركة والرعاية وتحقيق الذات والكرامة، وأشارت إلى وجوب توافر فرص للمشاركة والإسهام في أنشطة المجتمع الجارية للراغبين والقادرين من كبار السن.
وتشجع الجمعية الحكومات على إدماج مبادئ متعلقة بكبار السن مثل أن تتاح لهم إمكانية الاستفادة من برامج التعليم والتدريب الملائمة، وتمكين كبار السن من التماس فرص التنمية الكاملة لإمكاناتهم، وأن تتاح لهم إمكانية الاستفادة من موارد المجتمع التعليمية والثقافية والروحية والترويحية. إضافة إلى وجوب معاملتهم معاملة منصفة.
الأكبر سناً شريحة متضررة من الصراع تحتاج إلى الدعم على حد سواء مع جميع الشرائح العمرية، ما يتطلب جهوداً من منظمات المجتمع المدني لتجنب الوقوع في فخ التمييز القائم على العمر من الجهات التي يفترض أن تكون الرافض الأول لهذا النوع من التمييز.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان
مزنة عكيدي _ تلفزيون سوريا