أحوال الأسر السورية بدول اللجوء تمر بتحولات عميقة. فقد لعبت القوانين المدنية في البلدان المضيفة للاجئين السوريين دورا في تغيير نمط الأسر السورية التقليدية، الذي اعتاد عليه كثير من السوريين قبل اندلاع الاحتجاجات في منتصف آذار/مارس 2011. وقد تباينت ردود الفعل على هذا التغيير، فبعض الأسر تأقلمت مع القوانين الجديدة من باب الاندماج مع المجتمع المضيف، وأخرى انكمشت على تقاليدها، واعتبرت أنها تتعرض لتدخلات سلبية في الحياة التي اعتادت عليها.
ولاحظ باحثون في الشأن الاجتماعي، من خلال مراقبة اللاجئين السوريين في تركيا على سبيل المثال، تغييرا واضحا في سلوك وتقاليد بعض العائلات السورية، ودور النساء السوريات بالأخص، من حيث الزواج والطلاق والحضانة وحتى الإجهاض. بينما لعبت القوانين الأردنية، القريبة من القوانين السورية، دورا مهما في بقاء عادات الأسر السورية على ما هي عليه، حتى على مستوى العنف ضد النساء.
ومن هذا المنطلق فإن أسئلة كثيرة تدور حاليا بين المختصين عن كيفية مساهمة القوانين المدنية في تغيير التقاليد الاجتماعية للأسر السورية في دول اللجوء. وإمكانية ظهور أنماط سلوكية جديدة ضمن العوائل السورية التقليدية.
اختلاف عادات الزواج لدى الأسر السورية بدول اللجوء
رقية البيوضاني، اللاجئة السورية المنحدرة من مدينة حمص، تقول إنه “بعد سنين من انخراط اللاجئين السوريين في المجتمع الأردني تبدلت أحوال الزواج لدى السوريات، فقد أصبحن يطالبن بمهور مماثلة لمهور الإناث الأردنيات والفلسطينيات”.
وتتابع البيوضاني في إفادتها لـ”الحل نت”: “لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن العمر المتعارف عليه للزواج لم يعد محددا لدى الأسر السورية في دول اللجوء. ففي سوريا سابقا كان كثير من البنات يتزوجن في سن مبكر، ومن تتجاوز سن الخامسة والعشرين تعتبر عانسا. أما في الأردن فقد تتأخر زيجات السوريات حتى سن الخامسة والثلاثين، وهذا الأمر تشجع عليه البيئة الاجتماعية في الأردن”.
اللاجئة السورية عبير السمان، المقيمة في تركيا، تتحدث عن تغيرات أعمق في عادات الزواج لدى الأسر السورية. مؤكدة، في حديثها لـ”الحل نت”، أن “الزواج المدني، المعمول به في تركيا، ربط السوريين أكثر بالقوانين التركية، وما تفترضه من حقوق وواجبات على الزوجين. وصارت عادات وأعراف الزواج السورية التقليدية غير قانونية. ففي بعض المناطق في سوريا كان الزواج يتم فقط بحضور ولي الأمر والأقارب، ويقوم شيخ المنطقة بعقد القران، لكن في تركيا يعد هذا الزواج باطلا، أو يندرج تحت بند الزواج العرفي غير المعترف به”.
لاخوف أو حياء من الطلاق
في المجتمع السوري يعدّ الطلاق أمرا غير محبذ، وقد يقوم ذكور العائلة بإكراه المرأة المطلقة على الرجوع لزوجها والعيش معه. إلا أن هذه الممارسات صارت مستحيلة بين الأسر السورية في دول اللجوء، ومنها تركيا والأردن. خاصة بعد أن عملت المنظمات المدنية والمجتمعية على توعية اللاجئات بحقوقهن في بلد اللجوء.
تقول المحامية ورد العدوان إن “هنالك حالات في الأردن، وصلت إلى حد إصدار أحكام بالسجن ضد الآباء، وذلك بسبب العنف الذي مارسوه ضد بناتهم، من أجل إجبارهن على الاستمرار مع أزواجهن. وكانت اللاجئات يخفن من الطلاق، بسبب نظرة المجتمع المحلي لهن. ولكن نسبة حالات الطلاق بين اللاجئات ارتفعت حاليا أكثر من أربعة بالمئة، وذلك لأن القانون الأردني يحفظ حقوق النساء بعد الطلاق”.
وتضيف العدوان في حديثها لـ”الحل نت”: “عزز ذلك فرص اللاجئات السوريات في سوق العمل. إذ خف اعتماد النساء على إعالة الذكور لهن. وقد ازدادت منافسة العمالة السورية للعمالة الأردنية في قطاع العمل غير الرسمي. واستحوذت اللاجئات السوريات على ما يقرب من واحد وثلاثين ألف فرصة عمل، تشكل ما نسبته واحد وتسعين بالمئة من فرص العمل المطلوب توفيرها سنويا للعمالة الأردنية”.
تزايد حالات الإجهاض في الأسر السورية
كان الإجهاض في سوريا محرما، وفضلا عن هذا كانت الفكرة مستبعدة قطعيا في المجتمع المحلي. ولكن الأمر اختلف بين الأسر السورية في دول اللجوء، وخاصة تركيا. إذ يمكن للنساء المقيمات على الأراضي التركية إنهاء حملهن بشكل قانوني حتى نهاية الأسبوع العاشر من الحمل. وفي حالة الضرورة الطبية من القانوني إجراء الإجهاض بعد الأسبوع العاشر.
وتظهر دراسة لـ”هيئة إدارة الكوارث والطوارئ”، التابعة لرئاسة الوزراء التركية، أن ثلاثا وعشرين بالمئة من النساء السوريات في تركيا تعرضن للإجهاض لأسباب مختلفة. وإحدى عشرة بالمئة منهن تعرضن للإجهاض الطوعي”.
تغير الأدوار في الأسر السورية بدول اللجوء
هذه التحولات الهامة بحياة الأسر السورية في دول اللجوء يفسرها الباحث الاجتماعي إبراهيم زكريا بأنها “عملية تأقلم طبيعية الحدوث، فاللاجئون الذين يصلون إلى المجتمع المضيف لن يكونوا كيانا متجانسا، بل سيتألفون من نساء ورجال وأطفال وشيوخ من مختلف التوجهات، ولكل منهم احتياجات ومشاكل محددة، وستختلف ردود فعلهم تجاه تغير البيئة والقوانين”.
متابعا في حديثه لـ”الحل نت”: “من المرجح أن تعاني تلك الفئات المتنوعة من صدمات في بداية اللجوء، بسبب اختلاف القوانين والعادات. ولذلك لابد أن تكون المنظمات والمؤسسات الحقوقية والإنسانية مستعدة لتقديم المساعدة الكافية لكل مجموعة وفرد، بغية تيسير بدء حياتهم الجديدة”.
ويوضح زكريا أن “التفاعل بين الرجال والنساء في بلدان اللجوء يختلف عما كان سائدا في بلدهم الأصلي. ما سيؤدي إلى أنماط جديدة من التواصل. ومن المهم النظر في التحول داخل الأسر السورية، الذي أحدثته الحرب والهجرة القسرية، فقد اهتز نظام المجتمع بسبب الاضطرابات، ما يجعل الرجال والنساء ملزمين بتبني أدوار جديدة. وقد أظهرت دراسة استقصائية، أجريت بين اللاجئين السوريين في الأردن، أن اللاجئات الإناث غالبا من يحدث التغيير داخل الأسرة”.
الجدير ذكره أن الأزمة السورية خلّفت أكبر أزمة للاجئين في العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ووفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلغ إجمالي عدد اللاجئين السوريين المسجلين 5689538 شخصا، حتى تاريخ الحادي والثلاثين من كانون الثاني/يناير 2022. ويعيش غالبية اللاجئين السوريين في بلدان مجاورة (تركيا 3.7 مليون، لبنان 839.788. الأردن 673.188، العراق 256.006).
رامز الحمصي _ الحل نت