العلاقة بين الأزمة الأوكرانية والحرب السورية باتت من أكثر الأسئلة أهمية حاليا. فقد مر الملف السياسي السوري بعديد من التبدلات الجذرية خلال السنوات الماضية. كما تأثر بقضايا وأزمات مختلفة. ومع طول أمد الحرب في سورية، والتدخل الروسي فيها إلى جانب حكومة دمشق ضد المعارضة، تراجع الاهتمام الدولي بإيجاد حل فعلي في سوريا.
الأزمة الروسية – الأوكرانية، التي بدأت تأخذ اتجاهات خطيرة في الأيام الأخيرة، زادت من تراجع المسار السياسي السوري. سواء بالنسبة للروس، المنشغلين بقرع طبول الحرب ضد أوكرانيا، أو بالنسبة للغرب، الذي سيعيد تشكيل حدود حلف شمال الأطلسي مع روسيا. لتصبح القضية السورية برمتها مجهولة المصير، في الوقت الراهن على الأقل.
رغم هذا يؤكد كثير من المحللين أهمية الارتباط المحتمل بين الأزمة الأوكرانية والحرب السورية. فعلى ماذا يقوم هذا الارتباط؟ وما السيناريوهات المحتملة لتأثير الصراع بين روسيا والغرب على الساحة السورية؟
روسيا والغرب وإعادة بناء منظومة التوازنات عبر أوكرانيا
مع التطورات المتسارعة الأخيرة للأزمة الأوكرانية، وتخييم شبح الحرب في شرق أوروبا، بعد إعلان الروس الاعتراف باستقلال أقاليم أوكرانية، فإن سوريا، التي لم تكن بالفعل قضية ذات أولوية بالنسبة للغرب خلال الفترة الماضية، قد تعود إلى الواجهة من جديد. فقد أشار مارك ميلي، رئيس الأركان الأميركي إلى “استغلال الروس لسوريا، بوصفها قاعدة لهم في المتوسط”. ما يشير إلى ربط محتمل، في التفكير السياسي للمسؤولين الغربيين، بين الأزمة الأوكرانية والحرب السورية.
بالنسبة لطه عبد الواحد، الباحث في الشأن الروسي، فإن “الأزمة الأوكرانية ليست سوى قمة جبل الجليد في الخلافات المتراكمة بين روسيا والغرب. فالخلافات الحقيقية تدور حول الأمن؛ والاستقرار الاستراتيجي؛ وانهيار معظم الاتفاقيات، التي كانت تضمن الاستقرار منذ الحرب البادرة؛ ومعادلة الردع والردع المضاد، بين القوتين العظميين نوويا”.
وأضاف عبد الواحد في حديثه لـ”الحل نت”: “انسحبت الولايات المتحدة، منذ عام 2002، من عديد من الاتفاقيات مع روسيا. مثل اتفاقية الدرع الصاروخي المضاد، واتفاقية الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وغيرها. ولم يبق من المعاهدات الاستراتيجية سوى معاهدة ستارت الخاصة بالأسلحة الهجومية الاستراتيجية”.
هل سيرد الغرب على ما يحدث بأوكرانيا في سوريا؟
وعلق عبد الواحد على الرابط بين الأزمة الأوكرانية والحرب السورية بالقول: “روسيا تريد من خلال التصعيد في أوكرانيا إعادة بناء هذه المنظومة من المعاهدات. وسوريا أصبحت إحدى القواعد المهمة لروسيا، ومن خلالها باتت تزاحم الأسطول السادس الأميركي في المتوسط، وتعلن نفسها قوة بحرية مهمة في هذه المنطقة الحساسة بالنسبة لانتشار الناتو والقوات الأميركية”.
وأوضح أن “البحر المتوسط هو جنوب أوربا. وامتلاك الروس لقاعدة بحرية في طرطوس يعني أن هناك تغيرا بميزان القوى الاستراتيجية في هذه البقعة من العالم. لذلك سيستعيد الغرب اهتمامه بالقضية السورية. على الأقل للضغط على روسيا، وذلك من خلال فتح ملفات جرائم حكومة دمشق، وملفات أخرى. فالغرب سيعيد القضية السورية للواجهة لمصلحته وليس لمصلحة الشعب السوري. وهنا يكمن الارتباط بين الأزمة الأوكرانية والحرب السورية”.
هل تستمر سياسة احتواء الحرب السورية بعد الأزمة الأوكرانية؟
لم تشهد الآونة الأخيرة أي عمليات دفع غربي حقيقي للمسار السياسي في سوريا، بل ترك الغرب أمر التحكم في هذا الملف للروس، الذين عملوا خلال الأعوام الماضية على حرف الملف عن مسار جنيف، والقرار 2254، فيما لم يضغط الغرب لإعادة الملف إلى مساره المفترض. ولكن هل هذا سيتغير نتيجة التأثير المحتمل للأزمة الأوكرانية على الحرب السورية؟
الباحث كرم الشعار قال لموقع “الحل نت” إن “أهمية سوريا بالنسبة للغرب انخفضت، فالساسة الغربيون على قناعة أن احتواء سورية أقل كلفة من الضغط باتجاه حل سياسي، يحتاج إلى إجبار روسيا وإيران على تقديم تنازلات. وتوجد قناعة غربية أن محاولة إرضاء موسكو وطهران أمر غير مجدٍ. لذلك فالاحتواء خلال الفترة الماضية كان حلا مناسبا للغرب”.
وأوضح الشعار أنه “يجب النظر إلى الأولويات الغربية في سوريا، وهي أولا مكافحة الإرهاب، وهذا يتم حاليا من خلال الأطراف الفاعلة على الأرض، والتي أجمعت على محاربته، وليس من خلال الوصول لحل سياسي عادل. وثانيا إيقاف الهجرة للدول الأوربية، وهذا تم حله من خلال إقناع دول جوار سوريا بإبقاء اللاجئين على أراضيها، من خلال التعهد بتقديم مساعدة غربية لهم وللدول المضيفة. وثالثا ضمان أمن إسرائيل، وقد أعطى الغرب بهذا الخصوص ضوءا أخضر لإسرائيل للتدخل في سوريا، أينما أرادت ومتى أرادت، في حال شعرت بوجود أي تهديد”.
من الناحية العملية إذا، فما يريده الغرب في سوريا تم تحقيقه بطريقة احتواء الأزمة دون حلها. بحسب الشعار، وبالتالي فإن أي ارتباط بين الأزمة السورية والحرب الأوكرانية قد لا يؤدي إلى تغير جذري في السياسات الغربية تجاه سوريا.
ليس من الواضح إذا مدى إمكانية عودة الملف السياسي السوري إلى واجهة الاهتمامات الغربية، نتيجة الارتباط بين الأزمة الأوكرانية والحرب السورية. خاصة أنه لم تتضح بعد الآلية التي سيرد بها الغرب على الممارسات الروسية في أوكرانيا.
عاصم الزعبي _ الحل نت