سيريا برس _ أنباء سوريا
خلال حلقة من برنامج “الصالون السياسي” على قناة “تلفزيون سوريا”، بُثت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، طرح مقدّم البرنامج على ضيفه “نصر الحريري” الذي كان رئيساً لهيئة التفاوض وقتذاك، تساؤلاً يلامس هاجس السوريين الأكبر والأعقد في سعيهم نحو الخلاص، ونقصد بند “الحكم الانتقالي” الذي نص عليه القرار 2254 والأسباب التي جعلت “سلّة” الدستور تحلّ محله ومحلّ غيره من البنود.
وبعكس ما كان متوقعاً، لم يأتِ ردّ الحريري مدافعاً عن محورية وأولوية هذا البند، بل جاء ردّه ليعلّل أسبقية سلّة الدستور ولزوم إنجازها كشرط “حتمي” لإتمام باقي الخطوات وأولها الحكم الانتقالي.
المعضلة ليست في هذه الجزئية، بل في المضمون الذي اعتمده الحريري في سياق تعليله حول أهمية السلة الدستورية ولزوم إنجازها؛ إذ قال من جملة ما أورده: “من شروط وجود هيئة الحكم الانتقالي أن يكون ثمة دستور تتشكّل على أساسه هذه الهيئة وتعمل وفق مضامينه، وبالتالي لا يمكن أن تقوم هيئة انتقالية في ظل فراغ دستوري أو بالاعتماد على الدستور الحالي الذي فصّله النظام في 2012، فالهيئة الانتقالية إذن محال أن تقوم بدون دستور”.
وعبثاً حاول مقدّم البرنامج، الإعلامي عمر الشيخ إبراهيم، أن يقنع الحريري بأن هيئة الحكم الانتقالي بإمكانها الإشراف على صياغة دستور للبلاد ثم تعرضه على الشعب السوري للاستفتاء.
وعلى ما يبدو فإن رئيس هيئة التفاوض (سابقاً) والائتلاف حالياً، لم يتسع له الوقت الكافي للاطلاع ولو قليلاً على أمثلة معروفة، وبدهية، من تجارب التاريخ المعاصر تفيد أن البلاد ذات الحكومات الوليدة، أو المستقلة حديثاً، أو تلك التي تفرزها الثورات، غالباً ما يتم صوغ دساتيرها عبر هيئات انتقالية أو مجالس تأسيسية أو خبراء يتم تكليفهم حتى لو كانوا من خارج البلاد، كما حصل على سبيل المثال في دولة الكويت التي شارك في صياغة دستورها خبراء من مصر.
دعونا من الكويت وتجارب الأمم ولنتحدث عن أنفسنا نحن. فمن الواضح أن السيد الحريري نسي كيف تمت صياغة الدستور السوري الأول عام 1920 على يد حكومة فيصل، فلربما تم الاعتماد على دستور سابق، لا نعلمه، نُصّب فيصل على أساسه ملكاً وشكّل الحكومة السورية، ومن ثمّ راحوا يكتبون دستور 1920 في أوقات الفراغ.
ويبدو أيضاً أنه نسي كيف تمت صياغة دستور 1928 عبر (مجلس تأسيسي) سوري وتحت ظل الاستعمار الفرنسي. فلعل تشكيل (المجلس التأسيسي) قد تمّ على أساس دستور فيصل السابق أو على دستور فرنسا!
وعلى سيرة فرنسا؛ فلربما قام “المؤتمر الوطني الفرنسي” بعد الثورة الفرنسية بتشكيل (الجمعية الدستورية والتشريعية) الفرنسية عام 1792 بالاعتماد على دستور الملك لويس السادس عشر مثلاً، أو تمت صياغة دستور للفرنسيين في “جنيف” أيضاً كونها جارة لفرنسا، وبعدها تم تشكيل (الجمعية الدستورية والتشريعية) لتضع الدستور الفرنسي. من يدري!؟
يبدو أن ثورة السوريين تمرّ بمأزق حقيقي سبّبته مكونات “المعارضة” التفاوضية والسياسية، على الأقل منذ التغيير الذي طرأ على هيئة التفاوض الأولى عقب استقالة رئيسها وبعض أعضائها في 2017، والتي نعترف بأننا كنا جزءاً ساذجاً ممّن اتهمها بـ “التخشّب” و”التشدّد”، فقط لأنها لم تقبل بالتخلي عن كلمة أو حرف واحد تضمنته القرارات الدولية المتمثلة بـ 2254 لعام 2015، والقرار 2118 لعام 2013، وبيان جنيف1 لعام 2012.
وللإنصاف، لا يتحمّل الحريري مسؤولية تجاوز بند “هيئة الحكم الانتقالي”، فقد سبقه أحد أركان “المعارضة” البارزين حين صرّح بمنتهى الشفافية بأن على السوريين “نسيان بند هيئة الحكم الانتقالي والقول بأن هذا المطلب قد أصبح من الماضي”.
ونحن هنا لا نشك بـ “واقعية” هذا الطرح، رغم تعارضه السياسي مع ثورة ومصالح الشعب السوري في الخلاص من الاستبداد والدكتاتورية، كما وأن هذه الواقعية تتفق مع ما يحاك داخل كواليس المجتمع الدولي.
وفي حال أن البديل سيكون عبر السلة الدستورية، فأي سلّة هذه التي ستجمع طرفي نقيض يكون الطرف المسيطر فيها هو الأسد ونظامه كما هو واضح كعين الشمس من خلال التوقيع على وثيقة (مبادئ)، ليست خالية من الانتقال السياسي وهيئة الحكم الانتقالي فحسب بل خالية من أبسط مطالب السوريين، المتمثلة بالانتخابات تحت إشراف أممي.
إن فكرة تشكيل “مفوضية الانتخابات” بصياغتها الأولية التي طُرحت مؤخراً، كانت دليلاً واضحاً على أن مخاوف السوريين لم تكن عبثية بالمطلق، وهي مؤشّر مخيف على حجم التنازلات التي بلغتها مؤسسات “المعارضة” بعد أن كشفت عن قبولها بتعديلات دستورية وما يترتب عليها لاحقاً من انتخابات دون إشراف تام من الأمم المتحدة، وبمشاركة الأسد وأركان نظامه.
السوريون اليوم بأمسّ الحاجة إلى مرجعية وطنية تنال ثقتهم. مرجعية أعلى من ائتلاف ومن حكومة مؤقتة ومن هيئة تفاوض، ومن كل المؤسسات التي نخرتها التنازلات و”تبويس الشوارب” وتدوير المناصب وتبادل الكراسي؛ مرجعية وطنية لكل السوريين، يختارها سوريون بكل مكوناتهم، بمن فيهم الوطنيون المعادون للاستبداد من داخل مناطق سيطرة النظام، ومن الشرق السوري، الجزيرة والفرات. وآن أوان من هدر حقوق السوريين كي ينصرف.
الكاتب : أحمد طلب الناصر_ نينار برس