يصر النظام السوري على استراتيجية إعادة احتلال سوريا بأي ثمن، بغض النظرعن العواقب على الشعب السوري.
يستقوي النظام دائماً بالدعم الذي يتلقاه من سلاح الجو الروسي بإلقاء البراميل المتفجرة على ما يقرب من 15 مليون سوري.
اليوم كل مراكز الاستقبال متخمة، مئات الآلاف من الناس، معظمهم من النساء والأطفال، ما يزالون نازحين في مخيمات مؤقتة تحت رحمة البرد والجوع والأوبئة.
بداية هذا العام أطلق وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وبلجيكا وهولندا وإستونيا وبولندا وليتوانيا، من السويد والدنمارك وفنلندا وأيرلندا، نداءً لإنقاذ الوضع الإنساني المتردي في سوريا، بوصفها كأكبر كارثة إنسانية في العصر الحالي، والمستمرة منذ ما يقرب من عقد من الزمان.
وبالطبع لم يلقَ هذا النداء أي تجاوب على المستوى الدولي أو المحلي السوري بالرغم من أن المُطالب هذه المرة دول كبرى، دول قوية، ودول ذات تأثير بالسياسة العالمية، ومع ذلك مضى على هذا النداء شهور طويلة ولا حياة لمن تنادي، فإن كان مثل هؤلاء غير قادرين على إنهاء المقتلة السورية وإخماد نار جهنم المفتوحة على الشعب السوري فمن إذاً سيستطيع؟
وبالرغم من أن كل ما حصل في سوريا منذ أن شن النظام حربه الشعواء على شعبه، وانتهاكه لكل مواد القانون الإنساني الدولي، وفي تحدٍ وقح للمجتمع الدولي وقراراته فاستهدفت الغارات الجوية عمدًا المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والملاجئ، ومع ذلك لا جواب، ولا نتيجة لا من النداءات ولا من القرارات الدولية.
ندرك تمامًا وجود الجماعات المتطرفة في إدلب، لكننا هل نرضى أن تتم إبادة المدينة مثلاً بكل من فيها من مهجرين من كافة المناطق السورية والذين وصلوا إليها عبر حملات التهجير المنظمة في رحلات الباصات الخضراء الشهيرة، بحجة وجود متطرفين؟
لا أستخف بالطبع بقضية الإرهاب، ولا بمكافحته، لكن الحرب ضد الإرهاب لا يمكن أن تبرر إبادة شعب آمن أعزل، ولا يبرر الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي نراها كل يوم في شمال غرب سوريا.
حذّرت الأمم المتحدة من مخاطر حدوث أزمة إنسانية غير مسبوقة في سوريا إذا استمر الوضع على ما هو عليه في البلاد ودعت النظام السوري وداعميه خلال العديد من الهجمات على إدلب خصوصاً خلال العام الماضي إلى وضع حد لهذه الهجمات والعودة إلى ترتيبات وقف إطلاق النار في خريف 2018، ووقف الأعمال العدائية فورًا واحترام التزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي، لكن النظام السوري مدعوماً بالقوات الروسية لم يولِ هذه الدعوات أية أذن صاغية.
وتستمر التصريحات الدولية بأن الأمل الوحيد للوصول إلى السلام في سوريا هو الحل السياسي، والعودة إلى التفاوض بين النظام والمعارضة، بما يضمن الوصول إلى اتفاق نصل من خلاله إلى نهاية دائمة للأزمة السورية.
ومع كل هذه الدعوات يستمر النظام بالعمل جاهداً على الوقوف في وجه أي عملية سياسية شاملة، من خلال عرقلة جميع المناقشات الدستورية المخطط لها في جنيف تحت رعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة.
تتزايد أزمة الوضع الاقتصادي في سوريا بعد العقوبات الدولية، ومعه يزداد الضغط على النظام، مما جعله يحاول جاهداً أن يعيد الأمور لصالحه بمحاولة إثارة الفوضى من جديد، وإلهاء الشعب بالمزيد من الأزمات، فتحرق الغابات والأرزاق، وتعود الاغتيالات لضباطه ومواليه، وآخرها كان اغتيال مفتي دمشق ومرافقه وسط العاصمة، في مقولة يريد منها الأسد إيصال رسالةٍ واحدة وهي عودة الإرهاب، ليبرر لنفسه إعادة شن الهجمات كيفما يريد.
كيف نستطيع أن نضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته في ضمان عدم الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة في سوريا، فتحقيق العدالة بحق مجرمي الحرب السورية هي الشرط الأول والضروري لتحقيق سلام دائم في مجتمع مزقته الحرب قرابة عشر سنوات من الصراع والقهر.
كيف سنصل إلى الخلاص وحرية بلادنا مع كل التغاضي الدولي عن الأسد وجرائمه، إلا بتضافر جهودنا نحن السوريون لمواصلة العمل من أجل إحالة رأس النظام إلى المحكمة الجنائية الدولية.
من المعيب، بل من العار أن تمر الجرائم المرتكبة في سوريا دون عقاب.
نحن بحاجة إلى تحديد المسؤولية والمطالبة بالمساءلة، والعمل الدؤوب من أجل تسليط الضوء على مصير مئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين والمغيبين فهل من مجيب؟.
الكاتبة مزن مرشد – زمان الوصل