منذ 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، بدأت خارطة السيطرة الفصائلية شمال حلب تشهد تغيُّراً كبيراً من حيث الاصطفافات وطبيعة السيطرة الجغرافية، على خلفية موجة اقتتال جديدة هي الأعنف في المنطقة.
واختارت كل من فرقتَي الحمزة والسلطان سليمان شاه الاصطفاف مع هيئة تحرير الشام في مواجهة الفيلق الثالث الذي لم يستطع الحفاظ على اصطفاف حركة التحرير والبناء إلى جانبه؛ لأسباب عديدة منها الحصار الذي فُرض على مواقعها الرئيسية في منطقة الحمام جنوب غرب عفرين.
واصطفّت حركة أحرار الشام على مستوى القيادة مع الهيئة رغم عدم مشاركة بعض قطاعاتها في الاقتتال، فيما انخرط القاطع الشرقي العامل في مناطق شمال حلب بالاشتباكات إلى جانب الهيئة، وحافظ ما بقي من الفرقة 32 على تحالُفه مع الفيلق الثالث باعتباره أحد مكوناتها.
وشهد موقف هيئة ثائرون للتحرير انقساماً ملحوظاً، غير أنّ فصائلها حافظت على الحياد نسبياً دون اصطفاف مع طرف دون الآخر، فيما يبدو أنّها ستحلّ من حيث فارق القوة والنفوذ مكان الفيلق الثالث.
ولا يحظى فيلق الشام في توزيع الخارطة الجديد بالمكان الذي يرغب به، ليس لأنّ الهيئة تجاوزته ووظفت مواقع انتشاره لصالحها في الاقتتال الأخير، بل لعدم امتلاكه القدرة على إبداء الرفض أو القبول أو المناورة إزاء قرار المواجهة.
عكست موجة الاقتتال الجديدة وما خلّفته من إعادة رسم لخارطة السيطرة الفصائلية شمال حلب عدداً من النقاط أبرزها:
• أصبحت هيئة تحرير الشام جزءاً من المشهد الفصائلي شمال حلب، بعدما كانت ممنوعة من دخول المنطقة، وهذا هو التغير الأكبر.
• باتت تركيا قادرة على التعامُل مع الهيئة كأيٍّ من فصائل الجيش الوطني على حدّ سواء، وهو مؤشر على مدى التنازُلات التي قدمتها قيادة هذه المجموعة بما يضمن حظوظاً أكبر لها في البقاء والمشاركة في السلطة.
• تراجعت حظوظ الفيلق الثالث ومكوناته بشكل كبير وهي خسارة كبيرة له، ومؤشر على ضعف قدرته على تحليل وتفكيك الخارطة الفصائلية وفهم موقف تركيا في التعامُل مع المنطقة.
• أصبحت حظوظ هيئة ثائرون للتحرير أكبر بما يمنح فصائلها دافعاً لتجاوُز الانقسام الذي حصل للحفاظ على المكاسب المتوقعة من تغيُّر خارطة النفوذ، كونها الحلّ الوسط الذي يُفترض أن يسدّ الثغرة بين الفيلق الثالث وهيئة تحرير الشام.
بالنتيجة، لم يُشكّل تصنيف الهيئة على قوائم الإرهاب عائقاً أمام إعادة ترتيب المشهد الفصائلي، فيما أظهرت تركيا قدرة عالية على التدخّل في رسم خريطة النفوذ ضِمن مناطق المعارضة، حيث ستصبح المنطقة أكثر انضباطاً واستعداداً للاستجابة لأي تغييرات طارئة عسكرية أو سياسية أو أمنية.
المصدر: مركز جسور للدراسات