لجأت حكومة النظام السوري خلال الأشهر القليلة الماضية، إلى اتخاذ قرارات مالية من شأنها إجبار المواطنين على إيداع مبالغ مالية في المصارف السورية أو الحد من حريتهم في سحب المبلغ المالي الذي يريدونه، كإجراءات تمتص السيولة المالية من السوق.
وفرضت حكومة النظام شرطًا لإجراء عمليات البيوع العقارية وتنفيذها لدى الدوائر العقارية، وهو فتح حساب مصرفي وإيداع خمسة ملايين ليرة سورية، مع السماح بسحب المبلغ المودع في الحساب المصرفي شريطة إبقاء 500 ألف ليرة في الحساب لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.
وخفض مصرف سوريا المركزي سقف السحوبات اليومية إلى مليوني ليرة سورية بعد أن كان محددًا بـ15 مليونًا في في تشرين الثاني من عام 2020 دون أي إعلان رسمي، كما حدد المبالغ التي يمكن للمواطنين نقلها بين المحافظات السورية بما لا يزيد عن خمسة ملايين ليرة.
إيجابيات ولكن..
ويسعى النظام السوري منذ نحو خمسة أشهر إلى ضبط الأسواق عبر تجفيف السيولة النقدية، ومصادرة كتل نقدية كبيرة بالليرة السورية، بحسب الباحث الاقتصادي خالد تركاوي.
وقال تركاوي، عبر حسابه في “تويتر”، إن هذه السياسة نجحت في تثبيت سعر الصرف من جهة، ولكن على جانب آخر أدت هذه السياسة لتجفيف الأسواق، فضعفت حركة الشراء والبيع فوق ضعفها.
وتوقع الباحث أن تشهد نهاية العام الحالي خروج مزيد من صغار المستثمرين والتجار من الأسواق نتيجة ضعف النشاط التجاري والصناعي.
وأضاف تركاوي أن النظام غير قادر على اتخاذ قرار صحيح متكامل فيما يخص مسألة واحدة، فهو ضعيف الإرادة وضعيف القدرة ومصالحه المتمثلة بشراء الدولار واليورو بسعر ثابت لتمويل الحرب هي الأساس وليس مصلحة الاقتصاد الوطني.
وتحافظ الليرة السورية على نوع من الاستقرار في قيمتها أمام العملات الأجنبية، إذ يساوي الدولار الأمريكي نحو 3200 ليرة سورية في السوق السوداء، منذ منتصف نيسان الماضي، بعد أن ضاعف المركزي السوري سعر الصرف.
ويُبقي المصرف المركزي على سعر الصرف الرسمي ثابتًا عند مستوى 2512 ليرة سورية للدولار الواحد، بحسب نشرة المصارف والصرافة.“
جريمة اقتصادية”
من جهته، اعتبر رئيس هيئة الأوراق المالية، عابد فضيلة، أن الكثير من الإجراءات التي ينفذها مصرف سوريا المركزي قد تكون صحيحة من الناحية النقدية، لكنها ليست كذلك في الاقتصاد مثل التوجه نحو تجفيف السيولة والحد من تداولها.
وقال في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، الثلاثاء 3 من آب، إن هذه الإجراءات لا يجوز أن تكون مستمرة كما هو معمول به حاليًا، لما لذلك من أضرار اقتصادية واسعة منها تعطيل الكثير من الأنشطة الاقتصادية، خاصة أن قيمة الأوراق النقدية يكون بتحويلها لرأسمال عامل، لكنها تبقى مجرد أوراق في حال عدم توظيفها، واصفًا ذلك النقدية بـ”جريمة اقتصادية”.
ويرى فضيلة أن تحديد سقف السحوبات اليومي لدى المصارف بمليوني ليرة يوميًا إجراء غير قانوني، وأخرج الكثيرين من النشاط الاقتصادي إضافة لما له من دور سلبي في تنامي حالة فقدان الثقة بالتعامل مع المصارف.
ولا يجوز عدم السماح للمودع أمواله لدى المصارف من سحب احتياجاته من ماله، إذ توجد الكثير من الحالات التي تتطلب سحب مبالغ أكثر من مليوني ليرة، مثل ظروف صحية عائلية أو تعاملات نقدية وغيرها، بحسب فضيلة.
واعتبر فضيلة أن قرار الحكومة بإيداع خمسة ملايين ليرة لتنفيذ البيوع العقارية “سرقة من المصرف للمودع، وهو شيء غريب كيف يمكن إلزام الناس على إيداع مبالغ مالية لدى المصارف وبلا فائدة”.
وإذا كان الهدف من هذه الإجراءات التوجه نحو الدفع الإلكتروني، فمن غير المعقول أن يكون التوجه نحو تطبيقات الدفع الإلكتروني في هذه العقلية، بحسب فضيلة، الذي أشار إلى أن الحكومة ليس لديها حتى اليوم بنية تحتية للتحول إلى الدفع الإلكتروني.
تجفيف السيولة
امتصاص السيولة أو تجفيف السيولة إجراء اقتصادي تحد فيه سلطات الدولة من كمية السيولة المعروضة في السوق، عبر إجراءات منها تحجيم التوسع في الإقراض، وحصر السيولة المالية في المصارف، ورفع البنوك المركزية الاحتياطي الإلزامي للبنوك العاملة في الدولة.
وتهدف هذه الإجراءات إلى ضبط أسعار الصرف ومحاربة التضخم الناجم عن زيادة كتلة المعروض النقدي.
المصدر: عنب بلدي