syria press_ أنباء سوريا
تواصل إيران استغلال الفوضى في “الجنوب السوري المتوحش”، والعمل على إقامة جبهة عسكرية هجومية في المنطقة، بالرغم من ضغوطات إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة، ويوجب هذا الأمر على إسرائيل تغيير إستراتيجيتها، وتقليل الاعتماد على القوى الخارجية، والتدخّل الفوري، ومنع التهديدات الأمنية عليها.
جنوب سورية اليوم هو “ساحة خلفية” لإيران، ومنصّة حيوية لمهاجمة إسرائيل إذا أرادت إيران ذلك، على سبيل المثال، الردّ على اغتيال رئيس المشروع النووي الإيراني محسن فخري زاده، وهي تستغل حالة الفوضى في الجنوب السوري، لتثبيت قواتها، في ظل عدم وجود سيطرة فعلية لقوات الأسد، ووجود تضارب في مصالح ونفوذ القوى الفاعلة على الأرض؛ فهناك قوات الأسد، والميليشيات المحلية المدعومة من إيران، وميليشيا حزب الله، والقوات الروسية، وفرق عسكرية مختلفة من السنة والدروز المعارضين لنظام الأسد، هذا الوضع المعقد والمركّب يفرض على إسرائيل التدخّل الفوري، قبل أن تحقق إيران ما تريد، وتعزز نفوذها في الجنوب السوري.
في صيف 2018، استعاد نظام الأسد السيطرة على جنوب سورية، بعد التوصل إلى اتفاقات “مصالحة” بينه وبين فصائل المعارضة، بوساطة ورعاية روسية، وتعهّدت روسيا، أمام الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن، بأنها ستعمل على إبقاء القوات الإيرانية خارج المنطقة، مقابل عدم تدخلهما في الشأن السوري. وخلافًا للتسويات المحلية في مناطق أخرى من سورية، لم يتم ترحيل وتهجير معظم السكان المحليين الموالين لقوات المعارضة، إلى الشمال السوري، وإنما جرى تجنيدهم ضمن قوات الأمن المحلية الخاضعة للنظام، برعاية روسية، مقابل تعهّد النظام بعدم الانتقام منهم، وبالعمل على تثبيت الاستقرار في المنطقة. ومنذ ذلك الحين، على الرغم من سيطرة النظام الشكلية على المنطقة، بقيت المحافظات الجنوبية السورية الثلاث تحت سيطرة وتأثير عناصر قوى مختلفة:
- محافظة درعا: تتمتع بدرجة معينة من الاستقلالية في إدارة الحياة اليومية، ويبلغ تعداد سكانها حوالي مليون نسمة، وتنتشر فيها قوات اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس المشكل من “فصائل التسويات”، الذي أنشأته روسيا، كإطار لإعادة ترتيب قوات الجيش السوري، بهدف توسيع النفوذ الروسي، على حساب التنظيمات التابعة لإيران، بقيادة أحمد العودة، إلى جانب ميليشيات موالية لإيران.
- محافظة القنيطرة: ويبلغ عدد سكانها حوالي 90 ألف نسمة، معظمهم من السنّة، ويبرز فيها حضور واضح لقوات حزب الله، وقوات النظام السوري.
- محافظة السويداء في الشرق، يبلغ عدد سكانها حوالي نصف مليون نسمة، معظمهم من الدروز، تخضع لسيطرة العناصر الدرزية المحلية (ومنها قوات رجال الكرامة). وعلى الرغم من الهيمنة الدرزية، فإن هناك حضورًا متزايدًا في هذه المحافظة للعناصر الموالية لإيران، وخاصة قوات الدفاع الوطني. ويستخدم نظام الأسد الميليشيات المدعومة من إيران، لإحداث انقسامات داخل المجتمع الدرزي، وقمع تطلعاتهم بالحكم الذاتي في قطاعي السويداء والجبل الدرزي.
المنافسة الروسية الإيرانية
عملية عسكرة المنطقة، والتضخم المتزايد لمراكز القوة في سورية، خلقا في جنوبها معادلة هشة تتميز بمستويات عالية من العنف، وأحداث أمنية متوترة، وفقر وجوع شديدين، وحالة عدم استقرار سياسي وأمني. وتشير التطورات الميدانية، في الأشهر الأخيرة، إلى انتشار أعمال عنف واشتباكات بين القوى الموالية لإيران من جهة، وتلك الموالية لروسيا من جهة ثانية، وإلى تنامي المنافسة على النفوذ، كتعبير عن تضارب المصالح في المنطقة، على الرغم من كونهم جزءًا من التحالف الموالي للأسد.
تسعى إيران إلى ترسيخ وجودها في سورية، باعتبارها ساحة خلفية للجمهورية الإسلامية، والحرس الثوري، من خلال التدخل الكبير في مختلف شؤون الحياة والمجتمع، وتوغلها في الأجهزة الأمنية والنظام الاقتصادي والتعليمي والثقافي والديني، والاستيلاء على البنى التحتية الحيوية، ودعم ميليشيات محلية عسكرية موالية لها، والمشاركة في بناء الجيش السوري، والتأثير في التغيرات البنيوية والفكرية والديموغرافية في سورية. وعلاوة على ذلك، تقوم إيران بترسيخ وجودها في المحافظات الجنوبية السورية، بالقرب من الحدود مع إسرائيل، من أجل تشكيل جبهة قتال ومواجهة أخرى مع إسرائيل، إلى جانب الجبهة اللبنانية، من خلال وكلائها. ويقوم الإيرانيون برشوة العناصر المحلية، وإثارة التوترات الداخلية، من أجل الإضرار بالنسيج الاجتماعي، وكسب الولاء للمجموعات المحلية، وفي الوقت نفسه، نشر أيديولوجية النظام الإيراني.
وعلى الرغم من تصميم إيران على تعميق تموضعها في جنوب سورية، وتعزيز وجودها، فإنها تضطر إلى جعل نشاطها في هذه المنطقة أكثر اعتدالًا، بسبب الضغوطات الاقتصادية الأميركية، والهجمات الإسرائيلية المتكررة، والتنافس مع النفوذ الروسي، وهي أمور تجعل إيران مجبرةً على التباطؤ في ممارساتها، وتغيير موقفها في القطاع الجنوبي. في السابق كانت الميليشيات الشيعية الفاعلة في المنطقة من خارج سورية، لكن الإيرانيين يعتمدون اليوم على عناصر محلية، مثل قوى الدفاع الوطني، وميليشيات محلية تجندها وتجهزها وتدربها، إضافة إلى نفوذها وسيطرتها على وحدات تابعة للجيش السوري تخضع لتأثير إيراني (ومنها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد)، وبالأساس على ميليشيا حزب الله”.
حاليًا، تعمل وحدتان رئيسيتان لحزب الله في الجنوب السوري: وحدة القيادة الجنوبية، وتضم ضباط حزب الله، كمستشارين ومفتشين ومراقبين في صفوف الجيش السوري؛ ووحدة الجولان، وتخضع مباشرة لقيادة الحزب المسؤولة عن تنظيم وتأسيس خلايا إرهابية من السوريين المحليين. علاوة على ذلك، حزب الله شريك في النشاط الإيراني في الجنوب، وهو يتجاوز الشراكة في الجانب العسكري، إلى إنجاز عمليات أخرى، كتشغيل شبكة تهريب المخدرات، وشراء الأراضي، وتقديم الخدمات والمنتجات الأساسية، من أجل توسيع النفوذ وتعبئة الرأي العام المحلي المتعاطف معها. من ناحية أخرى، تسعى روسيا إلى استقرار الوضع في جنوب سورية، مع الحفاظ على النظام المركزي، بقيادة الأسد، حيث ينشط المسؤولون العسكريون الروس في المنطقة، وهم على اتصال بمراكز القوى المختلفة، لترجمة نجاحها العسكري في الحرب الأهلية، إلى إنجاز سياسي ومكاسب اقتصادية ونفوذ طويل الأمد، في سورية والشرق الأوسط عمومًا. وعلى الرغم من أن المحافظات الجنوبية تخضع رسميًا لسيطرة النظام في دمشق، يبدو أن روسيا تفكر في صيغة فدرالية للحكم المحلي، تتماشى مع النموذج الروسي في مسودة الدستور التي اقترحتها على دمشق في أوائل عام 2016، على أساس مبدأ “اللامركزية”. وفي الوقت نفسه، روسيا معنية بالحفاظ على علاقات طبيعية مع إسرائيل، والحفاظ على التنسيق الإستراتيجي والأمني معها، الذي تم الاتفاق بينهما على إقامته في الساحة السورية. وهي تُظهر استعدادها للوفاء بوعدها للولايات المتحدة وإسرائيل، بالحفاظ على الوجود والنفوذ الإيراني، ضمن مسافة 80 كيلومترًا من الحدود مع إسرائيل.
في وقت مبكر من عام 2018، أنشأت روسيا اللواء الثامن، الذي يعمل ضمن الفيلق الخامس المدعوم من روسيا، وهو تحالف ضمّ خمس جماعات عسكرية معارضة تابعة للجيش السوري الحر، في محافظة درعا ويعمل اليوم، من بين أمور أخرى، على الحد من توغل المبعوثين الإيرانيين في الجنوب، ويواجه في كثير من الأحيان قوات النظام، وخاصة الفرقة الرابعة. أحد القادة المحليين المثيرين للاهتمام هو قائد اللواء الثامن، أحمد العودة (38 عامًا) من بلدة بصرى الشام، الذي بدأ طريقه في فصيل (شباب السنّة) لمحاربة النظام السوري، وامتد نفوذه أخيرًا من محافظة درعا إلى منطقة السويداء، وعلى الرغم من خضوعه للمسار التفاوضي مع الروس بشكل منفرد، حيث وافق -بموجب اتفاق التسوية- على تسليم السلاح الثقيل التابع لفصيله، فإنه حريص على الحفاظ على درجةٍ من الاستقلال، ويُعبّر علنًا عن معارضته للوجود الأجنبي على الأراضي السورية، وعن عدائه للأسد والإيرانيين، بالرغم من خضوعه للإملاءات الروسية بالكامل.
إن تعدد اللاعبين المختلفين في جنوب سورية، وصراع النفوذ بين روسيا وإيران، والحياد السلبي للنظام السوري من أجل منع تموضع جهة قوية واحدة في هذه المنطقة، سيؤدي إلى تآكل الأطراف بعضها ببعض، خاصة أن النظام لا يولي أهمية للوضع الخطير في الجنوب، حيث يمكن أن يتم اعتماد نظام لامركزي في النهاية، حينها سيفضّل السكان المحليون الانضمام إلى الجهة الأقوى فيه، ولا سيّما الجهة التي ستوفّر الطعام والغذاء والدواء والمساعدات، وعلى الرغم من تصميم إيران على تعميق قبضتها على المنطقة، فإنها مجبرة على تخفيف أنشطتها هناك، بسبب القيود والتكاليف الاقتصادية، والضغوطات الروسية اللاجمة، مع أن روسيا تمتلك قدرات محدودة من أجل تقليص التموضع الإيراني في هذه المنطقة.
توصيات ودروس معهد أبحاث الأمن القومي إلى إسرائيل
منذ بداية الحرب الأهلية السورية، اختارت إسرائيل سياسة المراقبة والحياد وعدم التدخل في الصراع من أجل السيطرة على جنوب سورية، على الرغم من هجماتها العسكرية المتكررة السرية والعلنية، ضد أهداف ملموسة في الداخل السوري، شملت أهدافًا إيرانية ومواقع لحزب الله. ومع عودة قوات الأسد إلى الجنوب السوري، أنهت إسرائيل مشروع “الجوار الطيب” الذي كان يهدف إلى تقديم المساعدات الإنسانية لسكان الجنوب، خاصة في التجمعات القريبة من حدود هضبة الجولان، مقابل الاستقرار ومنع الأعمال الإرهابية ضد إسرائيل. سياسة عدم التدخل نفسها التي صاغتها إسرائيل في بداية الحرب الأهلية السورية، باستثناء الهجمات لإحباط العمليات الارهابية ونقل الأسلحة المتطورة من إيران عبر سورية إلى حزب الله، سمحت لإيران -عندما حاربت إلى جانب نظام الأسد- بإقامة بنية تحتية وتأسيس قدرات عسكرية إرهابية موجهة ضد إسرائيل، واستغلت الفوضى وضعف النظام، تثبيت وجودها في الجنوب السوري لأطول فترة ممكنة.
ولمنع إيران ووكلائها من إنجاح مشروعها في الجولان، على إسرائيل اليوم الاستفادة من الضعف الحالي للمحور الإيراني الشيعي ولنظام الأسد، وتعزيز آلية التنسيق مع الجيش الروسي، كفرصة لانتهاج سياسة نشطة في جنوب سورية. واستهداف الأذرع الإيرانية. وفي الوقت نفسه، يجب عليها تعزيز ودعم القوات المحلية من السنة والدروز، وإقامة علاقات مع السكان المحليين الذين يعارضون النظام، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية، من غذاء ووقود وخدمات صحية، وسيسمح هذا الأمر بإقامة جزر نفوذ إسرائيلية، ومن ثم عرقلة الخطط الإيرانية وتعطيل تموضعها في جنوب سورية، وعندما تبيّنَ لإسرائيل خطورة الانتشار الإيراني، طولبت ببلورة رد عسكري، مع مطالبة الروس بوضع حد لهذا الانتشار الذي يهدد أمن إسرائيل، والسعي نحو تسوية تكون مريحة لإسرائيل، إلا أن موسكو لم تستطع تنفيذ ذلك، وبقيت أخبار الجنوب السوري ترد إلى إسرائيل، “كنشرة أخبار متكسرة”، كانت إيران خلالها تبني قواعدها وخلايا إرهابية موجهة ضد إسرائيل.
رابط المادة الأصلي : https://bit.ly/35xsObR
المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة