منذ مطلع العام الحالي، تصاعدت وتيرة استهدافات حقل “العمر” النفطي الذي يضم أكبر قاعدة أمريكية في سوريا، من قبل ميليشيات مدعومة من إيران تتمركز على مقربة من المنطقة شرقي محافظة دير الزور.
أحدث هذه الاستهدافات كان في 18 من أيلول الحالي، عندما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية في بيان، أن “القرية الخضراء” (منطقة داخل القاعدة) استُهدفت بثلاثة صواريخ من عيار “107 مم”.
ودائمًا ما ترد القوات الأمريكية على مصادر الاستهداف بقذائف المدفعية أو بقصف جوي تنفذه مقاتلاتها الجوية، بحسب ما أعلنته، في آب الماضي، لعدة مرات على التوال
ما قاعدة “حقل العمر”
مع تزاحم القوات العسكرية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في مناطق شمال شرقي سوريا عام 2017، شهدت المنطقة سباقًا بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مدعومة أمريكيًا، وقوات النظام السوري المدعومة روسيًا وإيرانيًا، للسيطرة على أكبر قدر ممكن من المناطق على حساب التنظيم.
ومع مرور الوقت على انطلاق العمليات العسكرية، أعلنت “قسد”، في 22 من تشرين الأول 2017، سيطرة قواتها بدعم من التحالف على حقل “العمر” النفطي، أكبر حقول سوريا، بعد أن خاض حلف النظام عمليات عسكرية باتجاهه لأيام.
ومع تثبيت “قسد” مناطق نفوذها في المنطقة وصولًا حتى نهر “الفرات” من الجهة الشرقية، بات حقل “العمر” يُعرف بكونه أكبر قاعدة عسكرية للقوات الأمريكية في سوريا.
ويعتبر الحقل الواقع في الريف الشرقي لدير الزور أكبر حقول النفط في سوريا، وبلغ إنتاجه قبل الثورة السورية حوالي 30 ألف برميل بشكل يومي.
ويضم معملًا للغاز ومحطة لتوليد الكهرباء، إلا أنه تعرض في السنوات الماضية بعد سيطرة تنظيم “الدولة” لعشرات الغارات الجوية من قبل التحالف الدولي، ما أدى إلى تضرره بشكل كبير.
ما علاقة القاعدة بالنفط؟
حاولت وسائل إعلام النظام السوري وروسيا خلال السنوات الماضية الترويج للوجود الأمريكي في المنطقة على أنه “سرقة للنفط السوري”، إذ ربطت الوجود الأمريكي في المنطقة الشرقية من سوريا بغنى هذه المنطقة بالنفط.
الباحث في قضايا المتعاقدين الحكوميين مزاحم السلوم، قال لعنب بلدي، إنه وبعيدًا عن “نظريات المؤامرة”، فإن الوجود الأمريكي في المنطقة مرتبط باستراتيجية المنطقة لا أكثر.
وأشار إلى أن الحالة السورية تجعل من ملف النفط عبئًا على القوات الأمريكية لا أمرًا يمكن الاستحواذ عليه، خصوصًا بعد الكشف عن ملفات عن فساد أعضاء في الجيش الأمريكي في قطاع النفط بالعراق قبل سنوات طويلة، إضافة إلى كون هذه الحقول تعرّض أمريكا للضغط الداخلي الذي يشكّله “اللوبي” التركي في أمريكا، كون معظم عائدات آبار النفط شمال شرقي سوريا، تذهب إلى الأحزاب الكردية المصنفة على قوائم “الإرهاب” التركية.
وحاول الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تبرير تراجعه عن الانسحاب من سوريا، بوجود النفط الذي يمكن الاستفادة منه من طرف الولايات المتحدة، لكن في نهاية الأمر لا يمكن الأخذ بهذه الفرضية على محمل الجد، بحسب الباحث.
وفي شباط 2020، قال ترامب، إن الوقت حان بالنسبة لبلاده من أجل تمرير القتال ضد تنظيم “الدولة” إلى كل من روسيا وإيران والعراق وسوريا، والتركيز بدلًا من ذلك في الحفاظ على السيطرة على موارد النفط في المنطقة.
وتابع، “لقد أخذنا النفط، والجنود لدينا هناك هم الذين يحرسونه، لدينا النفط، وهذا كل ما لدينا هناك”، بحسب ما نشرته مجلة “Newsweek” الأمريكية.
استراتيجية المنطقة
يقع حقل “العمر” في منطقة استراتيجية على الصعيد الجغرافي، والتركيبة الاجتماعية للمنطقة، بحسب الباحث، إذ تعتبر المناطق المحيطة بالحقل معقل عشيرة “العكيدات” (كبرى عشائر المنطقة الشرقية).
كما يتوسط حقل “العمر” جميع المناطق التي تتطلب تحركات أمريكية في المنطقة، كمدينة البوكمال على سبيل المثال (معقل “الحرس الثوري الإيراني” في دير الزور)، إضافة إلى مناطق الباغوز والبصيرة، التي تشهد تحركات لخلايا تنظيم “الدولة”.
كما أن المرافق داخل الحقل تساعد القوات على التمركز وبناء التحصينات داخله، إذ اعتبره السلوم مكانًا مناسبًا لبناء حصن أمني يمكن القوات داخله من التحرك بحرية.
حقول تسيطر عليها أمريكا
تقع أهم حقول النفط والغاز السورية في محافظتي دير الزور والحسكة، حيث تسيطر القوات الأمريكية على حقل “العمر” النفطي، الذي يعد أكبر حقول النفط في سوريا مساحة وإنتاجًا، إضافة إلى مجموعة أخرى من الحقول، من بينها حقل “التنك”، وهو من أكبر الحقول في سوريا بعد حقل “العمر”، ويقع في بادية الشعيطات بريف دير الزور الشرقي.
ويوجد حقل “الشدادي” شرقي الحسكة، الذي يعتبر أحد أكبر حقول النفط في سوريا، ويقع تحت نفوذ “قسد” بعد طرد تنظيم “الدولة” من المنطقة عام 2017، وحقل “كونيكو” للغاز، وهو أكبر معمل لمعالجة الغاز في سوريا، كما يستفاد منه في إنتاج الطاقة الكهربائية، ويقع بريف دير الزور الشمالي.
ويقدّر إنتاج الحقول الثلاثة بنحو 140 ألفًا إلى 150 ألف برميل نفط يوميًا، وكان إنتاجها نحو 386 ألف برميل يوميًا في عام 2010، في وقت كان استهلاك سوريا نحو 250 ألف برميل يوميًا، بحسب مصادر متقاطعة منها “BBC” و”بزنس إنسايدر” الاقتصادي.
المصدر: عنب بلدي