انطلاقاً من معاداتهم للروس، تناول نشطاء وسياسيون سوريون ما يحدث في أوكرانيا بعين المراقب، كالذي يشاهد مباراة كرة قدم ويتفاعل مع كل هجمة ومع كل خسارة للروس، سواء في ميدان المعركة أو من خلال الضغوطات الغربية وفرض العقوبات المتلاحقة على القيادة في موسكو.
لكن، في الوقت نفسه باتوا ينظرون للعقوبات الاقتصادية على أنها لا تؤثر بالطغاة من أمثال فلاديمير بوتين وبشار الأسد وأنظمة محور الشر؛ لأنَّ معيشة الناس ليست ضمن حسابات مسؤولي تلك الدول، وهو ما قاله قبل أيام وزير خارجية النظام فيصل مقداد في موسكو، بأن العقوبات تساهم في معاناة الناس، محاولاً إيصال رسالة مفادها أنَّ مسؤولي حكومته يعيشون حياتهم الطبيعية ولا ينقصهم شيء من القائمة الطويلة التي تنقص السوريين.
وبعد أن حققّ الروس مآربهم في سوريا بتوسعهم خارج حدود بلادهم، وفرض أوراق قوة على طاولة المجتمع الدولي، خصوصاً إذا ما ذهبت نتائج الغزو الروسي الحالي لأوكرانيا لصالح حكومة بوتين؛ حينها سيصبح العالم أمام أمر واقع جديد، لا يمكن تجاهله؛ فالكرملين استخدم سلاح الغاز للضغط على الدول اﻠـ27 الأوروبية، مستفيداً من تصدُّره مورِّدي الغاز إليها، وعدم وجود بديل فعلي في الفترة الحالية، رغم استعداد العديد من الدول لتغطية النقص في مشتقات الطاقة، في حال وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة بين الروس ودول الناتو في الحالة الأوكرانية.
وبما أنَّ الهجمات الروسية على أوكرانيا في أيامها الأولى، لا يمكن التنبؤ إذا ما كان الغرب سيتعامل معها كما تعاطى مع الحالة السورية، فالبدايات تختلف عمَّا يليها، وهو ما أثبتته التجربة السوريّة، حيث تلقت الثورة السورية في أشهرها الأولى زخماً كبيراً من تصريحات قادة الدول الغربية، وسحب لسفراء بلادهم وطرد السفراء السوريين منها، وفرض عقوبات اقتصادية، ناهيك عن الخطوط الحمراء للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، على عكس الدول التي سبقتها في ثورات الربيع العربي؛ فقد كان تدخل الناتو بشكل مباشر في ليبيا لإسقاط نظام معمر القذافي، وكذلك تم الضغط على الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك لترك منصبه، فما الذي منعهم من إسقاط نظام الأسد في سوريا؟
يمكن القول إنَّ ضحايا النظام السوري والروسي، هم أنفسهم ضحايا سياسات أوباما، التي شرعَت لكل اللاعبين الإقليميين والدوليين بالتدخل واقتطاع ما يحلو لهم من الجغرافية السورية، ومن هذا المنطلق، كان يهدف لتحقيق نصر رمزي يسجل له في ولايته الثانية بتوقيع الاتفاقية النووية مع إيران عام 2015، والسماح لروسيا بالتدخل العسكري في سوريا، وهذا ما يؤكده لقاؤه بالرئيس الروسي في 28 سبتمبر/ أيلول 2015 على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أي قبل أن تطأ أقدام الجنود الروس أرض سوريا ﺒـ 48 ساعة.
ولعلّ من حسن حظ بوتين أن يقتنع منه أوباما عقب قصف النظام غوطة دمشق الشرقية بالسلاح الكيميائي عام 2013، بالاستعاضة عن إسقاط النظام السوري، بتسليم مخزون دمشق الكيماوي.
اليوم، يحكم نائب أوباما في ولايتين متتاليتين، “جو بايدن” البيت الأبيض، ونتيجة لتهاونه في ملفات عديدة مع نظيره الروسي، ومنها السوري على وجه التحديد، أقدم الروس على التوسع في محيطهم الجغرافي، ومن هذا المبدأ يطرح السؤال نفسه، ألم يحن الوقت لتلافي أخطاء الغرب السورية في أوكرانيا؟
ممَّا لا شك فيه أنَّ الرئيس الروسي حقق مطامعه في الشرق الأوسط عبر البوابة السورية، من خلال تثبيت قواعد لبلاده على طول الشريط الساحلي السوري، وهو ليس بمصلحة دول الناتو على المدى البعيد، إذ يتيح هذا الأمر لبوتين استفزازهم متى شاء، بعد أن توسطت قواعده دولاً أطلسية عديدة، لا سيما في ظل الاستدارة الأمريكية عن المنطقة واكتفائها بالتنديد بجرائم بوتين في إدلب السورية؛ والتركيز على “الملف الإنساني” بعد أن تجاوزت نسبة الفقر بين أوساط السوريين 90 بالمئة، وتمَّ تهجير نصف الشعب السوري، وبالتالي قد نشهد شيئاً مشابهاً نسبياً في أوكرانيا؛ إذ من المتوقع أن يلجأ 5 ملايين أوكراني إلى الدول الأوروبية.
يبدو أن سلك الولايات المتحدة لمسار القوة الناعمة بعد غزوها العراق، كان يهدف لتحسين الصورة المخيبة التي ظهرت عليها، إلّا أنَّ خصومها التقليديين – الروس – لم يفوتوا فرصة هذا التراجع، فالرهان على القوة أسلوب بوتين، في ظل افتقاره لمشروع سياسي اقتصادي، كالمشروع الصيني “الحزام والطريق”.
أعتقد أنه بعد تقييد نظام الحوالات المالية “سويفت” على البنوك الروسية، وإرسال ألمانيا على وجه الخصوص ذخائر ومضادات دروع وطيراناً للجيش والمقاومة الأوكرانية، تم تلافي جزء مهم من الأخطاء التي وقعت في سوريا، لذا يجب أن يبقى الدعم حتى النهاية، حتى وإن طال أمد المعركة؛ لأنها ستضع بوتين وجيشه على المحك الدولي.
درويش خليفة _ الطريق