قبل بضعة أيام، رصدت مصادر محلية حركة رتلٍ من عشرات الصهاريج التي تتبع شركة “قاطرجي”، والتي كانت تحمّل النفط من حقلٍ خاضعٍ لسيطرة “قوات سورية الديمقراطية – قسد” في “شرق الفرات”، وذلك بغرض نقله إلى مناطق سيطرة النظام السوري. وقبل شهر، قالت مصادر محلية أيضاً، إن 250 صهريجاً تتبع لـ “قاطرجي”، نفذت العملية ذاتها. قبلها بأيام، كان 300 صهريجٍ يقوم بالعملية ذاتها أيضاً. هذا ما تم تسجيله فقط. لكن المؤشرات تدفع للاعتقاد بأن نشاط نقل النفط وترفيقه الذي بقي حِكراً لـ “آل قاطرجي”، لسنوات طويلة، سيبقى في قبضتهم في المدى المنظور، وأن العائلة التي صعدت بصورة دراماتيكية إلى قمة هرم عالم الأعمال في سوريا، بفعل اقتصاد الحرب في العقد المنصرم، قد نجت –في الوقت الراهن- من محاولة جدّية للاستيلاء على أهم مواردها على الإطلاق، من جانب خصوم محليين شرسين، مدعومين بقوة إقليمية.
طفى الأمر على السطح في نهاية أيار/مايو الفائت، بحيث تلقفته مصادر إعلام محلية، أكدت مساعي الفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد، للاستيلاء على تجارة نقل وترفيق النفط من “شرق الفرات” إلى مصفاة حمص. وكما هو معلوم، فقد بنى “آل قاطرجي” ثروتهم ونفوذهم جراء هذا النشاط تحديداً، منذ كان تنظيم “الدولة الإسلامية –داعش”، يسيطر على شرق البلاد. ولم يتغير الأمر مع سيطرة “قسد”. لكن، في السنتين الأخيرتين، بدأت الفرقة الرابعة، وميليشيات تتبع للحرس الثوري الإيراني، تنشط في اقتصاد التهريب والترفيق والمعابر، بالمنطقة. وإن بقيت تجارة النفط والحبوب، بين شَطرَي الفرات، لصالح ميليشيا “قاطرجي”.
في مطلع العام 2021، عزّز آل قاطرجي وزنهم العشائري المحلي، بدعم روسي، عبر صفقة لم تُكشف تفاصيلها، عقدتها العائلة مع ضباط روس، في مطار دير الزور العسكري. نتائج هذه الصفقة ظهرت على الأرض. إذ تم تتويج “آل قاطرجي” كأمراء لقطاع النفط السوري، نقلاً وترفيقاً، وحتى تكريراً عبر مشاريع لمصافي نفط حظيت بموافقة حكومة النظام بدمشق. لكن الحرب الروسية في أوكرانيا، شجّعت إيران على اختبار مدى استقرار الدعم الروسي للعائلة.
وهكذا، ومنذ نهاية أيار/مايو الفائت، دعمت إيران مساعي ماهر الأسد، ومحمد حمشو، رجل الأعمال المقرّب منه، لتشكيل ميليشيا بديلة عن ميليشيا “قاطرجي”، تتولى نقل وترفيق صهاريج النفط من مناطق سيطرة “قسد”. لكن “آل قاطرجي” قاوموا ذلك. فضاعفوا أعداد المنتسبين للميليشيا الخاصة بهم. ويبدو أنهم استنجدوا بالروس، الذين لا مصلحة لهم في خسارة حليف قوي في شرق سوريا، حيث تنشط إيران بصورة حثيثة، لطالما أزعجتهم.
لاحقاً، تطورت الأمور بشكل مفاجئ. ففي حين، كان من المرتقب أن تميل الكفة لصالح “الفرقة الرابعة”، والقوى التي تدعمها، استعادت ميليشيا “قاطرجي” السيطرة على كامل معابر تهريب النفط الرئيسية بين شطرَي الفرات، وأبعدت المحسوبين على شركة “حمشو”. كما أن صهاريج “قاطرجي” أصبحت تعبر من دون أن تدفع أية مبالغ مالية من خلال عشرات الحواجز التي تنتشر على الطريق بين “شرق الفرات” ومصفاة حمص. بعض تلك الحواجز تتبع للفرقة الرابعة ذاتها. فما الذي حدث؟
في تفسير ذلك، تُطرح نظريتان: الأولى أن آل قاطرجي عقدوا صفقة ما داخل القصر الجمهوري. وهي نظرية قدّمها موقع “عنب بلدي” السوري المعارض، نقلاً عن مصادر خاصة به. إذ قال، إن “آل قاطرجي” سيدفعون مبلغاً مالياً –لم يُحدد- للمكتب الاقتصادي في القصر، بصورة شهرية. وكنتيجة لهذه الصفقة، أوعز القصر الجمهوري لجميع التشكيلات العسكرية بعدم تقاضي إتاوات على الحواجز من سائقي الصهاريج التابعة لـ “قاطرجي”.
وإن كنا لا نستطيع الجزم بصحة هذه النظرية، إذ لا توجد مصادر أخرى تؤكدها، إلا أنه لا يمكن استبعادها بشكل كامل، نظراً لعاملين: الأول مالي، أما الثاني فيتعلق بأن لا مصلحة لـ بشار الأسد في تعزيز موارد شقيقه، الذي يزداد قوةً، يوماً تلو الآخر.
بدورها، تستند النظرية الثانية إلى مؤشرات ميدانية توحي بمتانة التعاون الروسي مع “آل قاطرجي”. ففي مطلع الشهر الجاري، سحبت روسيا كل مقاتلي ميليشيا “فاغنر”، من “شرق الفرات”، واستعاضت عنهم بعناصر من ميليشيا “قاطرجي”، مما يؤكد أن موسكو تنظر إلى هذه العائلة بوصفها حليفاً محلياً يمكن الرهان عليه. ومن المستبعد أن تسمح بسقوطه أمام المساعي الإيرانية. ناهيك عن المعطيات المتوافرة حول الدور الروسي في صفقات النفط بين “قسد” ونظام الأسد. مما يعني أن روسيا هي من تملك القدرة على إدارة صنبور النفط من الجانب الآخر. لذا، من الصعب تجاوز الدور الروسي وأوراقه المحلية –آل قاطرجي- في تلك المنطقة. وهو ما قد يفسّر ابتعاد الفرقة الرابعة عن المشهد في الوقت الراهن.
الخاتمة الأخيرة قد لا تكون نهائية. فـ “آل قاطرجي” لا يزالون يواجهون صعوبات في الحفاظ على موردهم “الذهبي” في شرق البلاد. فمع زيادة أعداد الميليشيا الخاصة بهم، انخفضت الرواتب، مما أثار احتجاجات في أوساط المقاتلين القُدامى. ناهيك عن أن جشع زعيم “الفرقة الرابعة” لن يتوقف عند إتاوات المعابر الباهظة التي أرهقت تجار المنطقة الشرقية. فالـ 20 ألف برميل نفط، التي تُنقل يومياً من “شرق الفرات”، ستبقى نصب عينيه، بانتظار الفرصة السانحة. فالبرميل الواحد يُباع لشركة “قاطرجي”، بنحو 25 دولاراً، فيما سعره العالمي نحو 92 دولاراً. فبكم تبيعه العائلة لحكومة النظام؟! إذا أردنا أن نكون متحفظين، يمكن أن نتوقع أرقاماً قد تتجاوز الـ 100 مليون دولار سنوياً –على الأقل-، هي صافي مرابح العائلة، التي باتت من أثرى عائلات البلاد في غضون أقل من عقدٍ من الزمن.
إياد الجعفري _ المدن