syria press_ أنباء سوريا
أثار مقالي في الأسبوع الماضي حول مخيم الهول جدلاً حول ما نقلناه من فتاوى التكفير، وبدا الأمر لبعضهم غير متوقع، وتشكك بعضهم في صحته فكيف يمكن لإنسان يعيش في المجتمع السوري المتعدد، ديانات وقوميات ومذاهب، والذي لا يزال يعاني شرور حرب أهلية ماحقة يشعلها ويلهبها الجنون الطائفي، ثم يفتي مشايخه مثلاً بقتل تارك الصلاة؟.
لا بد أن في الأمر مبالغة، هكذا قال بعضهم، ونحن نأمل أن نكون قد فعلنا ذلك، ونتمنى من كل قلوبنا أن نكون مبالغين أو واهمين، وأن لا يكون في مجتمعاتنا من يفتي بالتكفير.
ولكن الحقيقة مرة ومن شأنها أن تفقدك أصحابك، وأسمح لنفسي هنا أن أنقل مجموعة فتاوى في التكفير ذكرتها في دراسة لي حول فتاوى ابن تيمية، وكنت أتمنى أن تذهب معه أدراج الرياح منذ رحل في القرن الرابع عشر، ولكنني لا زلت مدهوشاً انها تجد حتى اليوم من يكررها ويبررها في مدارسنا الدينية، وكأنها تنزيل من التنزيل أو قبس من الشرع الحكيم.
في إحصاء بسيط يمكنك أن تجريه بنفسك في برنامج المكتبة الشاملة على الأنترنت التي تضم سائر مؤلفات ابن تيمية وستجد أنه أفتى بالقتل في مخالفات سخيفة وبسيطة، وكرر 427 مرة عبارته المشهورة التي صارت عنواناً لفتاويه: يستتاب وإلا قتل!.
ولو كانت هذه الفتاوى تتصل بجرائم القتل والإبادة والخيانة وغيرها لهان الأمر، ولكنك تجد هذه الفتاوى جاهزة في خلافات بسيطة وتافهة ولا تستحق أكثر من لفت النظر، ولكن الرجل يتطوع بسيفه وناره لكل من يختلف معه في الرأي الذي يعتقد أنه رأي الله ورسوله، وهذه بالضبط عينة منها:
- من لم يقل إن الله فوق سماواته على عرشه فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
- ومن قال لرجل: توكلت عليك أو أنت حسبي أو أنا في حسبك.. يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
- من اعتقد أن أحدا من أولياء الله يكون مع محمد كما كان الخضر مع موسى فإنه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
- الرجل البالغ إذا امتنع عن صلاة واحدة من الصلوات الخمس أو ترك بعض فرائضها المتفق عليها فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
- من لم يقل إن الله فوق سبع سماواته فهو كافر به حلال الدم يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقى على بعض المزابل.
- من قال القرآن محدث فهو عندي جهمي يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
- من قال إن أحدا من الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين قاتل مع الكفار فهذا ضال غاو بل كافر يجب أن يستتاب من ذلك فإن تاب وإلا قتل.
- من جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة كالخبز واللحم والنكاح فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
- وإن أضمر ذلك (يعني تحريم اللحم أو الخبز أو النكاح) كان زنديقا منافقا لا يستتاب عند أكثر العلماء بل يقتل بلا استتابة إذا ظهر ذلك منه.
- من لم يلتزم هذا الشرع أو طعن فيه أو جوز لأحد الخروج عنه فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
- من ادعى أن له طريقاً إلى الله يوصله إلى رضوان الله وكرامته وثوابه غير الشريعة التي بعث الله بها رسوله فإنه أيضاً كافر يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
- أكل الحيات والعقارب حرام بإجماع المسلمين فمن أكلها مستحلاً لذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
- من قال القرآن مخلوق فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
- من قال إن الله لم يكلم موسى تكليماً يستتاب فإن تاب وإلا يقتل.
- من ظن أن التكبير من القرآن فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
- ومن أخر الصلاة لصناعة أو صيد أو خدمة أو غير ذلك حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يستتاب.
- من قال إنه يجب على المسافر أن يصوم شهر رمضان وكلاهما ضلال مخالف لإجماع المسلمين يستتاب قائله فإن تاب وإلا قتل.
ولا تحتاج للوقوف على أرقام الصفحات في الكتب المطبوعة لابن تيمية أكثر من عملية بحث واحدة في المكتبة الشاملة المتوفرة على الأنترنت.
ولو كان الأمر محض فتاوى نسبت إلى فقهاء في القرن الثالث عشر، إذن لهان الأمر، ولكنها مشكلة مستمرة نعيد إنتاجها كل يوم، وفي دمشق يمكنك أن تتابع بالصوت والصورة كيف يقدم مشايخنا مثلاً فتاوى قتل تارك الصلاة وينشرونها في العالم الأخضر وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
ولا بأس أن تتابع رابطاً منشوراً على اليوتيوب بعنوان: “حكم تارك الصلاة للدكتور الطبيب محمد خير” وهو محاضر يومي في الإعلام السوري الرسمي في التلفزيون والمساجد ويتابعه عشرات الألوف، وينص بالصوت والصورة على أن تارك الصلاة يجب أن يقتل سواء تركها جحوداً او كسلاً!!!
إننا لا نزال نجتر الماضي بكل قبحه ونكرره على منابرنا اليوم، وننتظر أن يكون الجيل الجديد أكثر تسامحاً!! “هيهات”.
التكفير ليس شأن المسلمين وحدهم، هو نصوص غاضبة ماكرة موجودة في أصول الديانة اليهودية والمسيحية، وإلا فكيف أمكن للبابا أوربان الثاني وبطرس الناسك إقناع الملوك والأمراء والشعب، مئات الآلاف من المحاربين، بالسير من أوطانهم في غرب أوروبا وركوب الأهوال للوصول إلى القدس وارتكاب أبشع الفظائع بحق (الكافرين) حيث نصبت ثلاثة أهرام من جماجم البشر من مسلمين ومسيحيين شرقيين على أعتاب القدس، وتعلوها صيحات غاضبة لقد قام الرب وانتصرنا لأمره وصليبه وجاء يوم الإيمان.
التكفير سلوك مارسته أوروبا الصليبية بشكل متوحش وجرت به الدماء أنهاراً، وارتكبته في التاريخ بكل قسوة، ولكن ما نختلف فيه أن أوروبا باتت ترويه بخجل وتعتذر عنه في كل مناسبة، فيما لا نزال إلى اليوم نبرره ونكرره، ونزرع في الأجيال الآتية أنه حكم الله المبين وقضاء الله الحكيم، وأننا آثمون ومقصرون حتى ننجح في سل السيف والعودة بالناس إلى حروب الكفر والإيمان.
ألم يكن يكفينا من هذا الجنون كله كلمة القرآن الكريم التي خاطب بها النبي الكريم نفسه: فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر؟ ألا يكفيك أن تعبد الله وتقول: لكم دينكم ولي دين!.
محمد حبش _ نورث برس