تثير مسألة وجهات اللجوء السوري اهتماما كبيرا بين المواطنين السوريين على اختلاف ظروفهم ومواقعهم. إذ يشترك السوريون في داخل سوريا، مع أقرانهم في دول الجوار، مثل لبنان وتركيا والأردن والعراق، بمشكلة أساسية، تكمن بعدم وجودهم في مكان مستقر، يضمن لهم ولأبنائهم حياة جديدة، بعيدة عن المخاطر السياسية والاقتصادية.
وبينما ترتفع مخاطر الحياة أمنيا في جميع المناطق السورية، ويزداد عبء الحياة فيها، رفعت الدول المجاورة من حدة خطابها الداعي إلى طرد السوريين، أو جزء منهم، وإرجاعهم إلى بلادهم. فقد تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أكثر من مناسبة، عن “خطة لعودة نحو مليون لاجئ سوري”، في حين توعّد وزير المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عصام شرف الدين، بـ”خطّة على مراحل شهرية لترحيل السوريين”، وذلك بعد تأكيده على أن الحكومة السورية أصدرت “مراسيم العفو وتأجيل خدمة العلم، واستخراج الوثائق المفقودة”.
وشكّلت دول الاتحاد الأوروبي في السنوات الفائتة ملاذا آمنا للاجئين السوريين، إلا أن الحال اختلف الآن، بعد أن حرصت تلك الدول على سد كل طرق اللجوء السوري. وأمام صعوبة أو استحالة الوصول إلى القارة الأوروبية، بسبب التشديد على حدود الاتحاد الأوروبي، وارتفاع كلفة التهريب، التي تبلغ ما بين اثني عشر وعشرين ألف يورو، بات السوريون يبحثون عن أماكن جديدة للهجرة، لم يكن كثير منها مألوفا لهم فيما مضى.
موقع “الحل نت” رصد أهم وجهات اللجوء السوري الجديدة، والأساليب التي يتبعها كثير من السوريين للوصول إلى تلك الوجهات، وظروف الحياة فيها.
موريتانيا: تعاطف اجتماعي وإمكانيات قليلة
باتت موريتانيا، إحدى وجهات اللجوء السوري الأساسية، إذ يستقبل ذلك البلد، الواقع غربي أفريقيا، وأحد أعضاء جامعة الدول العربية، آلاف السوريين، الذين لا يُعرف عددهم بدقة، بسبب عدم وجود إحصاءات رسمية من جانب الحكومة الموريتانية.
وقال مواطن سوري يعيش هناك لـ “الحل نت” إن “عددا كبيرا من الأطباء السوريين، بدأوا بالوصول إلى موريتانيا منذ عام 2020، بسبب توفّر فرص عمل لهم برواتب مجزية، مقارنة مع المرتبات في سوريا”.
وأكد المصدر، الذي فضّل عدم نشر اسمه، أن “السوريين يلاقون نوعا من التعاطف من جانب المجتمع الموريتاني، غير أن فرص الحياة لمن لا يملكون رؤوس أموال، أو مِهنا مطلوبة في موريتانيا، تكاد تكون معدومة”.
وبحسب المعلومات التي جمعها “الحل نت” فشلت عدة مشاريع، حاول السوريون افتتاحها في موريتانيا. غير أن محاولات الوصول إليها، والاستقرار فيها، ما تزال مستمرة، لسهولة استخراج التأشيرة الموريتانية بالنسبة للسوريين.
البرازيل: تأشيرة إنسانية إلى عالم جديد ومجهول
في الأشهر الأخيرة، ازداد الضغط على القنصليات والبعثات الدبلوماسية البرازيلية في دول الجوار السوري، إذ تمنح البرازيل تأشيرة “إنسانية” وبطاقة إقامة، بشروط سهلة نسبيا للسوريين، وتعطيهم بذلك الفرصة لبدء حياة جديدة في البلد اللاتيني.
السلطات في البرازيل، التي باتت من أهم وجهات اللجوء السوري، لا تقدّم ما يكفي من المساعدات لبدء حياة جديدة، غير أن هناك جمعيات يلجأ إليها القادمون الجدد، لمنحهم مسكنا مؤقتا؛ أو لتمكينهم من التسجيل في دورات تعليم اللغة البرتغالية مجانا؛ أو للحصول على مساعدات عينية، ريثما يبدأون الدخول في سوق العمل.
يُضاف إلى ذلك، أن الحظوظ بالحصول على الجنسية البرازيلية مرتفعة لمن يقيمون هناك، وتُعتبر البرازيل من الاقتصادات الناشئة، وهو ما يرفع احتمالية إيجاد فرص عمل والاستقرار فيها.
يتم التقديم على التأشيرة الإنسانية للبرازيل من خلال تعبئة فورم موجود باللغة العربية على موقع السفارات والقنصليات البرازيلية في لبنان والأردن وتركيا والعراق، وبعد التقدّم يتم دعوة الشخص إلى مقابلة في مقر البعثة الدبلوماسية البرازيلية، لسماع أسباب الرغبة في الحصول على التأشيرة، وخلال ثلاثة أشهر يتم الرد بالقبول أو الرفض، وفي حال كان الرد إيجابيا يمكن لصاحب الطلب الحصول على التأشيرة والسفر بشكل مباشر.
جزيرة غويانا: الطريق الأصعب لبلوغ الحلم الأوروبي
يُمكن الوصول إلى جزيرة غويانا بطريقتين: إما عن طريق البرازيل، بعد الحصول على التأشيرة الإنسانية سالفة الذكر، ومن ثم الوصول إلى الجزيرة عبر قوارب، يتم استئجارها بشكل غير مشروع؛ أو عن طريق السفر إلى دولة سورينام، الواقعة غربي جزيرة غويانا.
وأبرز مزايا الجزيرة، أنها تخضع للحكم الفرنسي المباشر، وبالتالي فإن الوصول إليها يخوّل المهاجر تقديم اللجوء أمام السلطات الفرنسية، وبعد دراسة طلبه في تلك الجزيرة الاستوائية، وحصوله على حق اللجوء، يمكنه السفر مباشرة للعيش في فرنسا. وهذا جعل غويانا إحدى أهم وجهات اللجوء السوري.
من أبرز مساوئ هذه الطريقة، أنه لا يوجد أي مساعدات تذكر في تلك الجزيرة، كما أن أماكن إيواء اللاجئين قليلة للغاية وبدائية، ما يدفع طالبي اللجوء للعيش على نفقتهم الشخصية، وهو أمر مكلف للغاية، بسبب غلاء تكاليف الحياة هناك، التي تصل إلى مستوى تكاليف المعيشة في أوروبا. أما الحل الثاني فهو العيش في خيام على الشواطئ، إلى حين الحصول على حق اللجوء والإقامة الفرنسية.
مصر: العودة الصعبة إلى الشقيق العربي الأكبر
منذ أن أعادت مصر فتح التأشيرات أمام دخول السوريين إليها، ازداد الضغط على طلبات الحصول على جوازات السفر في شعب الهجرة والجوازات في سوريا.
تُعتبر مصر خيارا مثاليا لكثير من العائلات السورية، التي تبحث عن ملاذٍ للاستقرار، فإجراءات الحصول على الإقامة سهلة، كما أن المجتمع المصري يرحّب بالسوريين. إلّا أن الحصول على فرصة عمل صعب، لأن سوق العمل المصري يشهد منافسة شديدة، بسبب توفّر اليد العاملة بكثرة. وغالبية من يذهبون إلى مصر يحاولون العمل على مشاريع خاصة بهم، تجلب لهم دخلا مستقرا.
ولكن بالمقابل ثمّة ما يشجّع السوريين على الهجرة إلى هناك، وافتتاح مشاريع صغيرة، مثل ورشات الخياطة والمطاعم والمقاهي، كون لغة البلاد هي العربية، وثقافتها متقاربة مع الثقافة السورية، وهذا ما يجعل مصر من أهم وجهات اللجوء السوري.
الإمارات العربية المتّحدة: بلاد الفرص، التي لم تعد كذلك
الإمارات فتحت التأشيرات على مصرعيها، ليس أمام السوريين فقط، ولكن أمام غالبية جنسيات العالم، ولكن الحصول على التأشيرة لا يعني ضمان الاستقرار هناك، إذ أن الكثير من السوريين حصلوا على تأشيرة لمدة عام، وذهبوا إلى الإمارات من أجل البحث عن فرص عمل والاستقرار، ولكنّهم فشلوا في تحقيق غاياتهم، وأنفقوا كل مدّخراتهم، ثم اضطروا للعودة إلى سوريا.
وربما كان السبب الأبرز لذلك، أن نظام العمل في الخليج العربي تغير كثيرا، ففيما مضى كانت الدول الخليجية بمرحلة البناء، وتحتاج إلى كثير من الأيدي العاملة والخبراء، إلا أن الأمر لم يعد كذلك اليوم، وخاصة مع الاتجاه لمنح الأولوية في فرص العمل لمواطني تلك الدول، وهو الأمر الذي جعل الحصول على فرصة عمل في الإمارات بالنسبة للسوريين غاية في الصعوبة، ويحتاج إلى مهارات متنوّعة، من بينها الإتقان الكامل للغة الانكليزية، إضافة للمنافسة على فرص العمل من الجنسيات الآسيوية، المنتشرة بكثافة في الإمارات، التي تبقى رغم كل هذه الصعوبات، إحدى وجهات اللجوء السوري المفضّلة.
أحمد حاج حمدو _ الحل نت