غصون أبو الذهب _ syria press_ أنباء سوريا
وصلت ختام (18 عاماً) مع والدتها وأخوتها إلى مدينة إسطنبول منذ سنوات هرباً من القصف على مدينتهم في ريف حلب، ونتيجة وضعهم المادي الصعب استضافتهم جمعية الشام في مركز الإيواء الخاص بالأطفال اليتامى وأمهاتهم، واشترطت عليهم أن يجدوا مكاناً آخر لسكن ابنهم البالغ من العمر (16 عاماً)، اضطرت الأم للقبول حيث لاخيارات أخرى لديها، وسجلت الابن في مدرسة داخلية تهتم بعلوم الدين.
تقول “ختام” في حديث إلى “سيريا برس“، مكثنا في الدار لمدة 5 شهور ووالدتي ذاقت الأمرين حتى استطاعت تدبير مبلغ إيجار مسكن متواضع للم شمل العائلة، بعد أن شعرت بضيق أخي وحاجته لأن يكون مع عائلته، وعن السكن في الدار تقول “ختام” أنه كان تجربة قاسية نوعاً ما، بسبب ضيق المكان والخدمات المشتركة (المطبخ، الحمام)، وأشارت إلى أن هناك وجبتي طعام (فطور وغذاء) بساعات محددة ومن بعدها يغلق المطبخ الرئيسي.
في لقاء مع مشرفة دار الأيتام السيدة “أمل شقير”، أوضحت أن الدار في منطقة الفاتح يتألف من ثلاثة طوابق في كل منهم 4 غرف مع مطبخ وحمام مشترك، ويوجد في البناء حضانة للأطفال يستقبلون بها أطفالاً من النزلاء وكذلك من الخارج مجاناً يعلمون بها القرآن واللغة العربية، ويقدمون للعائلات في الدار سلة غذائية فيها مختلف الأطعمة والمنظفات وفوط الأطفال وحليب ومستلزمات عناية شخصية مع مبلغ شهري لكل عائلة لشراء اللحوم والخضار وبعض الحاجيات.
وأشارت “شقير” إلى أن لجمعية الشام 4 مراكز في مدينة إسطنبول تهتم بالأيتام وأمهاتهم، وأكدت أن الجمعية تشترط لقبول العائلات في الدار، أن يكون الأب متوفياً ويثبت ذلك بشهادة وفاة وشهود اثنين، وأن توافق الأم على عدم العمل، والتزام اطفالها بالمدرسة ومتابعتهم علمياً، والتقيد بمواعيد الخروج والعودة إلى الدار ضمن ساعات محددة، وكذلك على الأم الموافقة على الخروج من الدار عند بلوغ الطفل الذكر عمر 10 سنوات.
وتستضيف جمعية الشام في دار الأيتام بمنطقة الفاتح 8 عائلات، عدد الأفراد 30 فرداً بينهم 14 طفلاً، كما تستضيف الجمعية في مركزها بحي اسنيورت 15 عائلة، عدد الأفراد 50 فرداً، وتقدم الجمعية مساعدات إلى مايقارب 1000 أرملة مسجلة في القيود وفق مشرفة الدار.
الاطمئنان والسند
تشعر “روان” (18 عاماً_ يتيمة الوالدين) بالامتنان لوجودها مع أختها الصغرى واخت كبرى تزوجت وخرجت من دار الأيتام، وتقول في حديث خاص إلى “سيريا برس”، أن جمعية الشام تقدم المساعدات العينية وكذلك التدريبات المهنية لتأهيل النساء على خوض غمار العمل عند خروجهن من الدار، وتعلمهم مع أطفالهم مختلف علوم الدين، وتقدم لهم دورات في اللغة التركية والانجليزية، وتساعدهم على فتح مشاريعهم الصغيرة.
تردف “روان” بأنها تشعر بالأمان لأن الدار وإدارتها يهتمون بهم كأنهم من أفراد عائلتهم، وأشارت إلى أن خطيبها تقدم لخطبتها من المشرفين في الدار واشترطوا عليه متابعة تحصيلي العلمي، وتضيف “من الجيد أنهم سند لي في المستقبل.. هذا يشعرني بالاطمئنان أكثر”.
عن السلبيات في دار الأيتام تقول “روان”، أنها كانت تحلم منذ نعومة أظفارها بأن تكون لها غرفة خاصة بها، ولكن هذا الحلم لم يتحقق يوماً، وتشعر بعدم الخصوصية في المكان بسبب الاكتظاظ بعدد العائلات والخدمات المشتركة، وأشارت إلى أن في بعض الأشهر المخصصات المادية والسلل الغذائية لاتوزع بسبب قلة الدعم و”نحن نتفهم ذلك”.
تؤكد مشرفة الدار “شقير” أن جمعية الشام تعتمد على المساعدات الفردية، وهذا يؤدي أحياناً إلى تقصير غير متعمد، مشيرة إلى الأعباء المالية الشهرية الكبيرة الناتجة عن آجار البناء وفواتير الخدمات، وتوضح أن المبالغ المالية والسلة الغذائية التي تقدم شهرياً تساعد العائلة على العيش الكريم المقبول، بالإضافة إلى أن هناك متبرعين يتبرعون للعائلات بالنقود أو مواد عينية بشكل مباشر، هذا غير نظام كفالة اليتيم المعمول به في الدار.
وفق الموقع الالكتروني لجمعية الشام، هناك أنواع عديدة للكفالات ( كفالة اليتيم في بيت الكافل وضمّه إلى أسرته – كفالة الإيواء داخل الدور- كفالة فردية خارج الدور – كفالة عائلية خارج الدور- كفالة تعليمية – كفالة جامعية – كفالة صحية). عن الكفالة الجامعية أوضحت السيدة “شقير”، أن جمعية الشام قدمت العديد من المنح الدراسية إلى الأم والأبناء، وتكفلت بمصاريفهم الشهرية، وعبرت عن أسفها أنه بالرغم من الفرص التعليمية والمهنية العديدة إلا أن مجموعة كبيرة من النزيلات لايتعاملون معها بجدية ولايسعون إلى تطوير مهاراتهم.
الصحة النفسية لليتيم
في حديث خاص إلى “سيريا برس” يقول الاستشاري النفسي الدكتور “فراس الجندي”، أن غياب أحد الوالدين الأب أو الأم أو كليهما له آثار نفسية سيئة على الطفل، قد يسبب اضطرابات نفسية متنوعة منها اضطراب الشخصية الحدية بسبب فكرة الهجر أو الفقد، وبالتالي تحدث تغيرات تتعلق بصورة الطفل عن نفسه وهويته، وهذا يؤثر على منظومة القيم، فيشعر الطفل بأنه شخص سيئ أو أن لا قيمة له في الوجود . فدور الأب في المنزل مصدر القوة وسلطة لتلك الأسرة، لأنه يشكل حالة الأمان وهذا أمراً حيوياً وخاصة للفتيات. لأنها تشعر بالحماية وهذه يساعدها على النمو والتطور بشكل صحيح ويزيد من الثقة بالنفس.
وتشير الدراسات النفسية إلى أن غياب الأب عن الأسرة يعرضه للإصابة بالاكتئاب في مرحلة المراهقة، إذا كان الجرح شديداً، فقد يعاني الأطفال من تدني احترام الذات وضعف الثقة بالنفس وعدم الشعور بالأمان. أن غياب الأب يؤثر على الذكور من منطلق غياب القوة والسلطة، حيث يشعر الأطفال الذكور أنَ مصدر القوة، ومصدر الرفاهية، والمثل الأعلى قد غاب. وهذا يشجع على الانحراف السلوكي. انحرافات سلوكية مثل الافراط في المخدرات والمشروبات، واضطرابات السلوك والقلق والاكتئاب والضغط النفسي وفشل في إقامة صداقات مع الاخرين وعدم التركيز، وشرود دائم.
متطلبات الرعاية
تتطلب الرعاية وفق الدكتور”الجندي” تقديم المساعدة بعدة طرق مختلفة. ومن الشائع أن يتم الاتفاق على نوع الدعم الأكثر مناسبة لكل حالة على حدة. حيث يمكن للقائمين على الرعاية معرفة حاجات الطفل، قد يحتاج إلى الحماية أو الدعم، فإن مهمتها هي معرفة ما هو الأفضل للطفل، وأن يقوم العاملون على تطوير مهارات الأبوة والأمومة لديه.
أما الآثار النفسية لهؤلاء الأطفال الموجودين في دور الرعاية تكمن بعدم وجود مختصين تربويين ونفسيين مؤهلين لمساعدة الأطفال للعبور لبر الأمان، وبالتالي يشعر الطفل بوصمة عار وهذا يؤثر على سلوكه ومستقبله، أو يتعرض للتنمر من قبل أطفال آخرين بسبب افتقاده لأحد والديه، مما يشكل ردة فعل عكسية لها عواقب وخيمة على نفسية الطفل.
يكمن التعامل الأمثل مع الأطفال في هذه المنشأة بحسب الاستشاري النفسي، من خلال توفير الدعم والحماية التي يحتاجون إليها، يمكن أن يتمثل هذا الدعم في العناية والرعاية والخدمة والمعلومات والمساعدة المالية وغيرها من المساعدات. وجود المختص النفسي الذي يساعد على تأهيل الطفل لتجاوز الصدمة، وتدريب الطفل على كيفية التعامل مع المشاعر السلبية.
وأن تكون المنشأة كالمنزل، وهذا يتطلب مختصاً تربوياً، لأن التربية الأولية هي التي تشكل الأسس الصحية للنمو الطفل والتي تساعد تفتح شخصيته، وفيه يتقرر مستقبله. والتربية الحديثة تؤكد على أهمية التربية المنزلية في غرس الأسس السليمة، سواء من خلال علاقة أفراد الأسرة بالطفل، أو من خلال علاقة الطفل بالآخرين، كأن يكون خائفاً أو متردداً، أو متقلباً أو عدوانيا، و يجب على دور الرعاية أن لاتكره الطفل على القيام بعمل لا يتناسب معه أو تفرض عليه أفكار لا تتناسب مع نموه المعرفي، أو أن تحد من نشاطه وحركته، بحسب الدكتور “الجندي”.
حقوق الطفل
يُعرّف الطفل بأنه الشخص دون سن الثامنة عشرة، ما لم تعرف القوانين الوطنية السن القانونية بأبكر من ذلك. وبغض النظر عن العمر، يتمتع جميع الأطفال وفق اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لعام 1989. في أن يعبر الطفل عن آرائه بحرية، وله الحق في التعبير عن وجهات نظره، وفي الحصول على المعلومات ونشر الأفكار والمعلومات.
وكذلك الحق في الحماية والمساواة، والصحة، والتعليم، والبيئة النظيفة، ومكان آمن للعيش، وتوفير الخدمات اللازمة لنموهم وتطورهم، وتمكين مشاركتهم في المجتمع. وعلى الدولة حماية الطفل فاقد الاسرة وفق الاتفاقية، وعليها أن تضمن البدائل الملائمة واخضاعها للتقييم الدوري. كما ينبغي منح حماية خاصة للأطفال اللاجئين.
تستدعي التحديات التي تواجه مسيرة حياة الأطفال السوريين الأيتام، التركيز من منظمات المجتمع المدني ومنا كأفراد، على القيام بالواجب الإنساني تجاه هذه الشريحة التي تجاوزت المليون يتيم وفق منظمة اليونسيف، وتقديم الرعاية والاهتمام الجسدي والمادي والمعنوي، وتأمين فرص التعليم والتدريب المهني الملائمة، وحماية حقوقهم القانونية، حتى لا يكونوا فريسة للإهمال وللاستغلال.
غصون أبو الذهب _سيريا برس
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” .