حياة المرأة ومبرراته التي لا تنتهي، حتى النساء المتعلمات لم يستطعن النجاة من تسلط الرجل وتحكمه بهن، فعملهن وخروجهن بأمر رجالهن مهما بلغت من الاستقلالية، كيف يعامل الرجال النساء المتعلمات، وهل التعلم يساعد المرأة لتحقيق ذاتها في المجتمع السوري؟
«كانت لدى أمي رغبة بتعليمي وجاهدت في سبيل ذلك ضمن ظروف اقتصادية صعبة للغاية، وعندما حصلت على إجازتي الجامعية قرر أبي تزويجي لأحد معارفه، لم أستطع الرفض أو مواجهة ما يحدث، وبعد زواجي منعني زوجي من العمل بشهادتي مع محاولات طيلة الوقت للتقليل من شأني».
“مايا لحام”(اسم مستعار)، تتحدث عن خسارتها بزواجها لتعليمها وفرصتها في بناء ذاتها واستقلالها المادي والنفسي، والسبب رفض زوجها خروجها للعمل معتبراً أن المرأة عندما تعمل تعرض نفسها للإهانة، وتتابع لـ (الحل نت): «لدي شعور دائم بأن ما يدفعه للرفض ليس المجتمع أو خوفه من وسط العمل وما يمكن أن أتعرض له هناك بل هو خوف من احتمال تفوقي عليه، أو إمكانية استقلالي والتصرف بحرية أكبر، لن يتحمل أن يفقد سيطرته علي أو أن أكون مساوية له في الإنتاج».
تندرج حالة “مايا” على كثر من النساء السوريات واللواتي حصلن على تعليم عالٍ ومنعن من ممارسة المهنة بعدها بسبب تسلط أزواجهم أو قسوة والدهم، الأسباب التي تدفع الرجل لرفض عمل المرأة كثيرة تختلف بحسب البيئة والتربية إلا أنها جميعها تصب في مكان واحد، إبقاء المرأة غير مدركة لقدراتها ومنع نموها لتبحث عن حمايتها من خلال الرجل.
الأسباب التي تقف وراء هذا المنع
يمكننا اعتبار المجتمع بداية وأخلاقياته مصدر هذا الحكم من قبل الرجل بانعدام نفع المرأة خارج حدود المنزل، يضاف إلى ذلك زعم كثير من الرجال السوريين أن سبب منعهم لنسائهم العمل هو ضآلة المردود المادي مقارنة بالعذاب النفسي والجسدي الذي قد تتعرض له المرأة، قد يبدو للمرأة أن رجلها يمنعها خوفاً على صحتها ومن أجل راحتها، إلا أن ما يجعله يتخذ موقفاً هو قرار داخلي ناتج عن الشك والنظرة الدونية للمرأة وما يمكن أن تنجزه في حياتها.
«يقول زوجي ابقِ في المنزل ولن أجعلك تحتاجين أي شيء، إنه لا يدرك بأن ما أحتاجه ليس مادياً يمكن شراؤه بالمال والاكتفاء، ما أحتاجه أن أشعر بأني أتطور بأن معارفي تتوسع وأكتسب كل عام فهماً آخر وخبرات جديدة من هذا العالم».
“رنيم سامي”(اسم مستعار)، حكايتها مختلفة فهي وزوجها متحابين، وكلاهما يمتلكان إجازة في الاقتصاد، وبالرغم من ذلك يرفض زوجها عملها بشكل قاطع، يشكل ذلك سبب لخلافهما الدائم فهي لا تفهم سبب رفضه، وهو يصر على قراره، تكمل لـ(الحل نت): «إن عاد إلى المنزل ولم يجدني تحدث كارثة لا يمكنني القبول بأن رفضه لعملي بهدف تدليلي وراحتي، هناك شيء أعمق من ذلك أشعر بأنه كلما حاولت البحث عن عمل يتحول إلى رجل شرس يجاهد ليثبت نفسه ورؤيته».
الأثر النفسي على المرأة
«بعد زواجي بسنة ونصف أنجبت طفلي الأول لم أحصل على فرصة للعمل وممارسة حياتي وعملي قبل الانخراط بالحياة الزوجية ومسؤولياتها، بعد أربع سنوات قررت أن أبدأ في البحث عن عمل، وعندما اقترحت ذلك على زوجي فاجأني برغبته بطفل آخر، ورفضه الآن أفهم تماماً بأنني لم أعد أعيش من أجل نفسي».
“سمية إسماعيل” (اسم مستعار)، تخرجت من كلية الصيدلة، دون أن تستفيد من تحصيلها العلمي في شيء، فزواجها منعها من أي إنجاز أو تحقق علي الصعيد الشخصي والعمل، تروي لـ(الحل نت) قائلةً: «بعد أكثر من عشرة أعوام أشعر بأني نسيت كل شيء مما درسته، حتى أن ذلك لم يعد يهمني، تحولت إلى إنسانة انفعالية أفعل كل شيء رغماً عني وتصيبني حالات من الاكتئاب، الآن أقضي وقتي في الاهتمام بأبنائي محاولة أن تكون حياتهم كاملة و ذواتهم متحققة».
فقدان الحيوية والمتعة والتوازن النفسي
أول الآثار النفسية التي تصيب المرأة عندما تحرم من العيش والعمل كما تريد، تتطور هذه الأعراض لتصبح أمراضاً جسدية وانفعالات لا تستطيع التحكم بها.
فمنع المرأة من تحقيق هويتها الشخصية وممارستها لحياتها ورغباتها بشكل طبيعي، يجعلها في عملية بحث عن بديل تحقق ذاتها من خلاله، وهنا تبدأ يتقمص الدور الذي فرض عليها وتدخل في حالة من التمثيل اللاواعي بأن هذا ما تريده، تعيش مكرسة حياتها كزوجة أو كأم في حالة تسمى “العيش البديلي” وهي حالة من التأقلم مع ما فرض عليها تقوم بأفعالها دون رغبة أو حيوية، متجاهلة نموها الذاتي والذي يتوقف في مرحلة معينة من حياتها تشعر المرأة في هذه الحالة بأن لها دور وتقوم بأفعال إلا أن ما تفعله هو الانصياع والعيش دون مقاومة أو محاولة من أجل النمو، في معظم الأحيان تلجأ النساء دون وعي منهن لتحقيق ذواتهن من خلال أبنائهن، تعتبر هذه إحدى الحالات المرضية الشائعة والتي تؤدي إلى تشويه حياة الطفل نتيجة تجاهل واقعه ورغباته وفرض أحلام الأم وطموحها، التأثير هنا الذي يمارسه الأب في منع الزوجة عن العمل يمتد لأبنائه و ينتج عنه كيانات مشوهة لا قرار لديها أو معرفة برغباتها الذاتية.
جهل الرجال بأن ممارساتهم تؤدي بالنتيجة لنشوء مجتمع مشوه هو صلب المشكلة، تبقى في النتيجة الأسرة هي الجذر الأول والمحور الذي تتشكل على أساسه بنية اجتماعية متكاملة فإما أن تكون هذه البنية متماسكة أو مفككة ومهزوزة، ينطبق الوصف الأخير على مجتمعنا ونبقى حائرين في سبب المشكلة بالرغم من وضوحها، فلا يمكن إجبار إنسان القيام بأفعال لا يرغب بها وإلا تحول لشخص عصابي غير متزن، هذا ما يفعله الرجال مع النساء منذ طفولتهن، إخضاعهن ليناسبن الأخلاقيات العامة، والحفاظ عليهن كتابعات يحققن رغبات الرجال ومصادرة أحلامهن وعالمهن الخاص.
المساواة بين الرجال والنساء في الحياة الخاصة والعامة، في التعليم والعمل و في الحقوق والواجبات هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق شروط الحياة الصحية للمجتمع بأكمله.
ربا أحمد _ الحل نت