لا يكاد يختلف اثنان، أن أفق الحل السياسي في سوريا بات مسدوداً، بعد توقف الحل العسكري بشكل كامل، واعتماد القوى الدولية على بعض المحاولات لإحداث خرق في الاستعصاء السوري عن طريق دعم مسارات موازية، غير أن هذه المحاولات سواء كانت الذهاب إلى اللجنة الدستورية أو جولات أستانا الماراثونية، لا تتعدى كونها إلقاء حجر بالماء الراكد دون أن تصل ارتداداته إلى شطآن السوريين التي باتت ممتدة على طول الجغرافيا.
يتبادل طرفا المفاوضات التهم فيما يتعلق بفشل اللجنة الدستورية، والتي تراجعت الآمال المعلقة بها سواء من المبعوث الأممي بيدرسون الذي أعلن ذلك صراحة، أو من طرف المعارضة التي تتمسك بها بتحويلها إلى ذريعة فقط للإبقاء على العملية السياسية، وإن كانت في غرفة الإنعاش يتحكم نظام الأسد بتوقيت إعطائها جرعة الأكسجين لتعود بعدها لغيبوبة أخرى، فانتهاء الجولة الأخيرة دون تحديد موعد ثابت لجولة لاحقة لا يعطي أي إشارات إيجابية لكيفية الاستمرار بها في ظل فضاء زماني مفتوح دون أي جدول يحدد مساراتها، على الرغم من محاولات بيدرسون وضامني آستانا الإيحاء باستمراريتها كون اللجنة الدستورية هي منتج لاجتماعات أستانا وسوتشي، إلا أن لسان حال الجميع يقول بأن هذه النافذة لا تكفي لإعطاء ضوء في آخر النفق.
لعل التعويل الأكبر على حدوث خرق حقيقي في الوضع الراهن هو حدوث انفجار شعبي داخل بنية النظام الاجتماعية
بالمقابل فإن تبني بيدرسون لعنوان جديد هو خطوة مقابل خطوة دون الذهاب إلى أي تفصيل حول ماهية هذه الخطة، أو ما هي الاستراتيجية التي سيتم اتباعها لإجبار النظام السوري على تقديم خطوة مقابل الخطوة التي ستقدمها المعارضة وداعموها، يبدو ألا رؤية واضحة حتى اللحظة لخطة بيدرسون الذي يفقد يوماً بعد يوم رصيده على الرغم من جو التفاؤل الذي يحيط به نفسه بعد كل إحاطة لمجلس الأمن.
لعل التعويل الأكبر على حدوث خرق حقيقي في الوضع الراهن هو حدوث انفجار شعبي داخل بنية النظام الاجتماعية مدعومة بضباط وعناصر من بنيته العسكرية بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية الناتجة عن الفساد الكبير الذي ينتشر في مناطق سيطرته أو العقوبات التي تسببت بها سياساته الأمنية، خاصة تلك المتعلقة بقانون قيصر وعقوبات وزارة الخزانة الأميركية وعقوبات الاتحاد الأوروبي، هذا الانفجار الشعبي ممكن الحدوث في حال امتلاك المعارضة القدرة على دعمه من جهة، وتهيئة الدول الإقليمية وخاصة الخليجية الجو الخاص لنضج مثل هكذا حراك عبر الضغط على أدوات النظام العسكرية والسياسية وإغلاق منافذ الهروب في وجهها عبر إعلان عقوبات اقتصادية وجنائية على أبرز شخصياته مما يدفع قسماً منها للتململ ومحاولة النجاة بنفسها، خاصة بعد تحول الضربات الإسرائيلية إلى استهداف قواعد ومناطق نوعية كمرفأ اللاذقية، كذلك بعد تحول اقتصاد النظام من اقتصاد يشبه اقتصاد الدولة، إلى اقتصاد يشبه المافيا عبر اعتماده على تهريب المواد المخدرة خاصة الكبتاغون لدول المحيط الخاص بسوريا ودول الخليج وصولاً لأوروبا والتي باتت تخشى من تهديد هذا التحول على بنيتها الاجتماعية والاقتصادية.
الحراك الدبلوماسي العربي كان نشطاً باتجاه دمشق سواء من خلال المحاولات الأردنية والمصرية والحديث عن خط الغاز العربي وإيصاله إلى لبنان، أو من خلال الدعوات العربية لإعادة النظام للجامعة العربية، وسط رفض خليجي متمثل بموقف قطري سعودي واضح من عودة النظام، وتراجع أميركي عن دعم مشروع خط الغاز العربي، إضافة لفرض عقوبات جديدة على مسؤولين سوريين يتبعون لنظام الأسد.
وكذلك التأكيدات الأميركية على عدم الانسحاب من سوريا ودعم / قوات سوريا الديموقراطية / قسد، وهو ما تسبب بتأجيل العملية التركية التي كانت على وشك الانطلاق لتوسيع سيطرة الفصائل المدعومة من تركيا على مناطق جديدة تسيطر عليها قسد شمال شرق سوريا.
إقليمياً ودولياً كان من الواضح أن الحراك لا يسير في مصلحة النظام السوري، فالميليشيات الداعمة له في العراق خسرت كثيراً من مقاعدها في البرلمان العراقي وسط رفض شعبي لها، بعيد القمة التي عقدت في بغداد وشهدت عدم دعوة بشار الأسد.
لبنان الذي يعاني أيضاً اقتصادياً وسياسياً يبدو هو الآخر مرشحاً لتصعيد شعبي وسياسي كبير، خاصة بعد التصعيد الدبلوماسي والقطيعة التي فرضتها دول الخليج العربي، والتي جاءت بعد تصريحات مسيئة لها من قبل وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، مما يعني أن الخاصرة الرخوة لسوريا بدأت تشهد تململاً واضحًا وتشكيل جبهة رافضة لهيمنة حليف النظام حزب الله اللبناني على لبنان الرسمي وهذا ما توضح في صدامات بيروت مع حزب الكتائب اللبناني.
الحدث الأبرز والذي من الممكن أن يكون المؤشر الأكثر وضوحاً على إمكانية وشكل واتجاه الحل في سوريا، هو محادثات فيينا بما يخص الملف النووي الإيراني، وما يجري خلال المفاوضات من تعنت إيراني ورغبة أميركية، وعدم وصول الأطراف المتفاوضة لاتفاق حقيقي وسط تبادل الاتهامات بين أطراف طاولة المفاوضات حول المتسبب بإفشالها حتى اللحظة.
لعل ما قامت به الإدارة الأميركية بعد انتخاب بايدن، من ربط الملف السوري بالملف الإيراني وجعله ملحقاً به، ينعكس سلبا وإيجابا على الوضع في سوريا، ذلك حسب تقدم المفاوضات والشروط التي تضعها الأطراف المتفاوضة حول الملف النووي الإيراني، وقدرة الولايات المتحدة الأميركية على تحصيل تنازلات من إيران، بالمقابل فإن تأزم المفاوضات سينتج تصعيداً ينعكس على الملف السوري بعد تحول الأرض السورية لصندوق بريد لتبادل الرسائل في سوريا.
وهذا ما يفسر الموقف الإسرائيلي الرافض لأي توسع إيراني واستقرار مطلق في سوريا، وهذا ما يجعل عمليات الاستهداف المتكررة للمواقع الإيرانية في سوريا تهدف لزعزعة الاستقرار للقوات والمواقع الإيرانية في سوريا، خاصة بعد أن أصبحت أكثر دقة ونوعية، على الرغم من أن هذه الغارات تعتمد بصورة كبيرة على موافقة الأميركان، وغض البصر الروسي الواضح عن الغارات الإسرائيلية، مما يجعل العلاقات الروسية الإيرانية غير مستقرة بالرغم من محاولات إظهارها على أنها تتمتع بانسجام وتوافق.
ضمن الصراع السوري الكبير هناك صراعات أخرى ليست أقل منه شأناً وإنما تستثمر به وتجري في جزء منها على الأرض السورية
ليست المعركة الوحيدة في سوريا أو إذا جاز تسميتها بالصراع الدائر على الأرض السورية تلك التي تجري بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، فهي واحدة من صراعات أخرى جميعها تدور على الأرض السورية وتستخدمها كصندوق بريد لتبادل الرسائل عن طريق استهداف مواقع سيطرة كل طرف من قبل الطرف الآخر، إذ استهدفت إيران القواعد الأميركية عبر صواريخ متوسطة المدى وطائرات درون بدون طيار في قواعد حقل العمر وكونيكو وقاعدة التنف، فيما رد التحالف وإسرائيل باستهداف القواعد الإيرانية وحافلات نقل الأسلحة على عموم الجغرافيا السورية.
ضمن الصراع السوري الكبير هناك صراعات أخرى ليست أقل منه شأناً وإنما تستثمر به وتجري في جزء منها على الأرض السورية، ولن يحل الصراع السوري ما لم يتم تفكيك هذه الصراعات الجزئية والاشتباكات على الأرض السورية، وتفكيك هذه الصراعات لن يتم إلا في حال الوصول لذروة التأزم والتي تشير إلى صراع مفتوح غير معروف النهايات بين الأطراف بعضها البعض، والذي قد يستجلب أطرافاً أخرى مما يجعله صراعاً مختلطاً، تختلط فيه الأهداف والتحالفات والنهايات والتي قد تتحول فيها المعارك الجانبية إلى معركة واحدة يبحث فيها كل طرف عن نصر يفرص من خلاله شروطه وحلوله على طاولة الصراع.
لذلك للإجابة على سؤال هل آن أوان الحل في سوريا؟ يجب الإجابة عن مجموعة من الأسئلة لعل أبرزها هل انتهت الصراعات الجانبية في سوريا؟
لعل وصول هذه الصراعات للذروة يشي بأن هناك ضوءاً في آخر النفق، يكون بداية للحل السوري.
فراس علاوي _ تلفزيون سوريا