بات مضراً، ذلك الربط الذي يفتعله معارضون وكتاب سوريون بين أي احتجاج يحصل في السويداء، و”الثورة”. والضرر لا يتأتى فقط من كون “الثورة” هُزمت، وأصبحت، حالة هلامية غير مدركة، وتقلص “تمثيلها” إلى أجسام مونولوجية، تجتمع، كل فترة، للتحدث مع نفسها، وتوصي نفسها بإصلاح نفسها، بل أيضاً يتأتى من تجاهل السياق الجماعاتي، الذي تتطور فيه الاحتجاجات، في المدينة ذات الغالبية الدرزية.
هدف من يريدون ربط احتجاجات السويداء، التي تجددت قبل أيام، رفضا لرفع الدعم الحكومي، بـ”الثورة”، جرّ المتظاهرين من الاحتجاج المعيشي إلى السياسي، وتحديدا الناقد للسلطة وممارساتها، غير أن السياسي له وجوه مختلفة، وقد لا ينتج عنه بالضرورة، نقد للسلطة مشابه لذلك الذي بدأ في مارس 2011. أي أن أهالي السويداء الغاضبين، يمكن أن يطوروا مطالبهم من المعيشي إلى السياسي، من دون أن يكون لذلك ارتباط بـ”الثورة”، بما تفترضه الأخيرة من مشكلة جذرية مع السلطة.
التهديد المتمثل بالخوف من التهجير عبر الاقتصاد، قد يكون مفيداً في تفسير المطالب بحكم ذاتي، يحقق للمدينة استقلاليتها
السياسي هنا، يرتبط أكثر بالجماعة الدرزية، التي ينظر أبناؤها إلى تردي الوضع المعيشي باعتباره سبباً أساسياً لإخلاء المدينة، وتهجير سكانها للبحث عن حياة أفضل. فيديوهات عديدة انتشرت في وسائل التواصل، عبّر من خلالها سكان من السويداء عن هذا الهاجس. العدد، مسألة شديد الأهمية عند الأقليات، وجعلها من نتائج تردي الوضع الاقتصادي، يكشف آلية تطور السياسي بما يخص السويداء، إذ يرتبط أكثر بالجماعة ووجودها، وتهديد هذا الوجود عبر “التجويع المتعمد”، حسب الشهادات المقبلة من هناك. والتهديد المتمثل بالخوف من التهجير عبر الاقتصاد، قد يكون مفيداً في تفسير المطالب بحكم ذاتي، يحقق للمدينة استقلاليتها. وغم أن هذه المطالب من الصعب تحقيقها، انطلاقا من موازين القوى الحالية والجغرافيا الصعبة، لكن طرحها في هذا التوقيت، يحمل دلالة شديدة الأهمية، يمكن إضافتها لاستكمال صورة الجماعة “المهددة”. والأخيرة أفرزت قبل فترة حزب “اللواء السوري”، الذي نشأ لمواجهة، كما قال بيانه الأول “سعي إيران بالتعاون مع أجهزة الأمن إلى دعم عصابات إرهابية مسلحة، لتشويه صورة السويداء عبر ضرب تاريخها المشرّف”، وبالتوازي برز كيان عسكري في السويداء، أُطلِق عليه اسم “قوة مكافحة الإرهاب”، ويضمّ مسلّحين من المدينة التي يرفض سكانها أساساً، التحاق أبنائهم بخدمة العلم. والأرجح، أن الحزب والكيان المسلح بأجندتيهما المحليتين، من نتائج، هواجس الوجود التي باتت مؤثرة لدى جزء واسع من الجماعة الدرزية. ما يفتح الباب أمام تساؤلات عن قضية درزية تتشكل تدريجياً. عناصر هذه القضية، وضع اقتصادي مزر، يؤثر عددياً في الجماعة، ويدفع لتهجير أبنائها، فضلاً من مخاوف من إيران ومن الإرهاب ترجمت بحزب وكيان مسلح، ومطالب بحكم ذاتي، يضمن للجماعة إدارة هواجسها بنفسها.
الكلام عن قضية درزية يبقى في إطار التساؤل، باعتباره محكوما بالتطورات المقبلة، وإن كانت ستسفر عن تضييق أكثر على السويداء وسكانها، أو تراجعات تقلل من إمكانية نجاح محاولات بلورة، طرح متسق حول هواجس الجماعة وأولوياتها. في كل الأحوال، لا بد من ملاحظة هواجس الجماعة الدرزية في السويداء، سواء تبلورت كقضية، أو بقيت هواجس، وملاحظة حساسيتها سواء بما يتعلق بالسلطة أو بالمعارضة. والأخيرة، مطالبة بتطوير وعي جديد، لا يتسرع في موضعة أي حراك، بوصفه احتجاجاً ضد سلطة 2011 فقط، ثمة ما يتعلق بالجماعات نفسها، وإن كانت السلطة وتحولاتها عنصرا مؤثرا. والمفارقة أن، وسائل إعلام المعارضة، التي سعت لربط احتجاجات السويداء الأخيرة بـ”ثورة” مارس 2011، تسابقت إلى أخذ تصريح من عضو في هيئة التفاوض، ينتمي للطائفة الدرزية، ضمن تكتيك معارض ساذج، يتمثل بنفي الجماعات وهواجسها، وانتقاء ممثل عنها، يتحدث بافتعال وتضخيم عن ارتباطها بـ”الثورة” وكثافة المشاركة فيها.
إيلي عبدو _ القدس العربي