شهد مطلع شهر حزيران يونيو الجاري تصعيداً غير مسبوق في العلاقات الإسرائيلية مع نظام الأسد.
فبعد الحوار الذي أدلى به رئيس النظام السوري بشار الأسد لقناة RT الروسية والذي جدد فيه تمسكه أو رضوخه للمحور الإيراني الروسي بصورة عامة. موضحاً تحالفه المباشر مع إيران وتبعيته لسياساتها في المنطقة، من خلال اعتباره أن إيران دولة هامة للاستقرار في الشرق الأوسط، الأمر الذي تسبب برد فعل إسرائيلي مباشر عبر قناتين متوازيتين:
الأولى كانت بالتصعيد العسكري ضد مواقع النظام والمليشيات الإيرانية، والتي بدت أكثر تصعيداً باستهداف مطار دمشق الدولي بغية إخراجه عن الخدمة، مبررة ذلك باستخدام الإيرانيين المطار لنقل الأسلحة إلى سوريا وحزب الله، وهو ماترفضه إسرائيل،
والثانية عبر التصعيد الإعلامي، فقد نقل موقع إيلاف السعودي عن مسؤولين إسرائيليين أن إسرائيل أرسلت رسالة مفادها أن أحد قصور بشار الاسد سيكون هدفاً لصواريخ طائراتها في حال استمر بالتغطية وقبول النشاط الإيراني في سوريا، وبذلك يكون استهداف المطار رسالة تحذيرية لطبيعة التصعيد الإسرائيلي القادم والذي قد يحدد مصير بشار الأسد نفسه.
منذ بداية الثورة السورية، حافظت القيادة الإسرائيلية على شكل محدد للتدخل، وكان هناك تياران داخلها لم ينتصر أحدهما على الآخر:
الأول يقول بالإبقاء على بشار الأسد باعتباره لايشكل خطراً على إسرائيل ويحافظ على حالة اللاسلم واللاحرب معها.
والثاني يقول إن بقاء الفوضى بوجود بشار الأسد سيسلم المنطقة لإيران وحزب الله.
كان التدخل الإيراني والروسي حاسماً في سوريا لمصلحة النظام لكنه بالوقت ذاته كان مؤثراً على الدور الإسرائيلي في سوريا، وهذا ماظهر في لقاء القدس الأمني في /٢٤/٦/٢٠١٩/
الذي جمع رؤساء مكاتب الأمن القومي الإسرائيلية والأمريكية والروسية، وتم خلالها فصل المسار الروسي عن الإيراني بما يتعلق بالتدخل الإسرائيلي، وهو ماظهر لاحقاً من خلال عدم التدخل الروسي ضد أي استهداف إسرائيلي لمواقع النظام أو الأهداف الإيرانية على الأرض السورية، الأمر الذي أزعج الإيرانيين في أحايين كثيرة.
استمر العمل بهذا الاتفاق حتى بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، وبسبب توتر العلاقات الروسية الأمريكية والروسية الإسرائيلية، بدا وكأن الروس تخلوا عن هذه التوافقات وذلك من خلال السماح لإيران بالتمدد جنوباً وهو أمر لم يتوقف لكنه كان تحت ذرائع مختلفة، هذا التمدد استخدمه الروس للضغط على إسرائيل لتبديل مواقفها من الحرب في أوكرانيا، كذلك التصريحات الروسية التي أبدت انزعاجها من الاستهدافات الإسرائيلية الأخيرة، الأمر الذي اعتبرته القيادة الإسرائيلية تبدلاً في الموقف الروسي وإعطاء غطاء للمليشيات الإيرانية، يجعلها تزيد من وتيرة استهدافها وتغير نوعية الأهداف والتهديد بالتصعيد.
كان لقاء بشار الأسد مع قناة روسيا اليوم تأكيداً على تبعيته للموقفين الروسي والإيراني من الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يعني نقل ساحة المعركة من قبل إسرائيل إلى العمق السوري، والتهديد باستهداف أحد قصور بشار الأسد.
الافتراق الروسي الإسرائيلي حرر الاستراتيجية الإسرائيلية من قيود التوافق مع الروس من جهة، وزاد بنك الأهداف التي من الممكن استهدافها من جهة أخرى، وبالوقت ذاته زاد التصعيد الروسي ضد أهداف أمريكية أو تابعة للولايات المتحدة في سوريا، كما حدث باستهداف قاعدة التنف التي تضم فصائل تابعة للمعارضة السورية كجيش مغاوير الثورة، والتي يتم تدريبها عبر عناصر أمريكية وبعلم الأمريكان. الموقف الإسرائيلي من سوريا، كان يعاني من اعتراضات أمريكية سببها خشية الإدارة الأمريكية من توقف مباحثات الملف النووي الإيراني ومواقف روسيا وإيران منه.
هذا الموقف الذي يعني تراجع التنسيق على الأرض، سيضاعف الرغبة الإسرائيلية بتحجيم الدور الإيراني في سوريا، وهو أمر لا يزعج الروس على المدى الطويل، ويخفف من أطماع إيران بتعبئة الفراغ في حال حدوث انسحاب روسي مفاجئ.
هذا الأمر أيضاً يفسر الدور النشط للأردن بمحاولة إقامة سياج آمن على حدوده منعاً للوصول الإيراني إلى مناطق تهدد الأمن القومي الأردني، وكذلك التخفيف من عمليات التهريب التي تستهدف الأردن والخليج العربي خاصة تهريب المخدرات، مما جعل الخطوة الأردنية تحظى بدعم خليجي وقبول إسرائيلي.
إذاً فسوريا تحولت إلى ساحة لمواجهة نفوذ إيران في المنطقة، وأمام إيران الآن أن تختار بين حماية بشار الأسد ونظامه أو حماية حزب الله اللبناني الذي طالته أيضاً التهديدات الإسرائيلية، وبالتالي في حال تحقق التهديد فإنّ الإيرانيين سيجبرون على اختيار حزب الله كخيار استراتيجي على خيار بشار الأسد، باعتبار أن الفائدة المرجوة من الحزب أكبر من تلك التي يقدمها نظام تتنازع السيطرة على جغرافيته قوى دولية وإقليمية.
عاملان مهمان سيحددان التطورات التي ستلحق بالملف السوري خلال الفترة القادمة، وكلاهما يتعلقان بالولايات المتحدة والمواقف الدولية التي تدور في فلكها:
العامل الأول هو مباحثات الملف النووي الإيراني والذي سيشهد تطورات متسارعة خلال الفترة القادمة سواء لاتجاه التوقيع أو التصعيد مع تزايد التحليل القائل بأن أمام إيران ستة أشهر فقط لصناعة قنبلتها النووية.
العامل الثاني هو الحرب الروسية في أوكرانيا، واحتمالية التصعيد بعد الإصرار الروسي على الذهاب بعيداً رغم العقوبات الغربية التي بدأت تعطي نتائج عكسية على الاقتصاد الأوربي أيضاً، وبالتالي فإن الساحة السورية مرشحة بقوة بأن تكون إحدى ساحات الصراع خلال الصيف الحالي، ومع دخول إسرائيل كطرف مباشر فإن مصير النظام سيتم تحديده من خلال تصعيد المواجهة مع إيران في سوريا وتحييد الدور الروسي فيها.
فراس علاوي _ الطريق