غصون أبوالذهب_ Syria Press
تتزايد الهجمات العنصرية ضد اللاجئين السوريين بتنامي خطاب الكراهية في بعض وسائل الإعلام التركية التي تعمل على التحريض وتقويض التماسك المجتمعي والتسبب في أذى جسدي ونفسي للمتضررين، وتقويض الحقوق الإنسانية، تمهيداً لصراعات تهدد السلم الأهلي، تنعكس آثارها على كافة أطياف المجتمع.
أرحلوا إلى بلادكم
تعرضت “هالة” الشابة السورية لمواقف عنصرية تزيد قلقها ومخاوفها يوماً بعد يوم، في حديث إلى “سيريا برس” تقول: رمى أحد الأشخاص عقب سيجارة مشتعل فوق رأسي، للوهلة الأولى اعتقدت أنه تصرف غير مقصود إلى أن رأيت الفاعل عبر شرفة أحد المنازل في حي أمر منه يوميًا بطريقي إلى المنزل، يخاطبني بصوت عال “أرحلوا إلى بلادكم كي لانحرقكم أحياء” أجبته لماذا هل أخطأت في حقك؟! فأخذ بالسباب والشتائم بعبارات فظيعة جداً وهددني بشكل صريح بالقتل أن عاودت المرور من هنا مجدداً، في الإشارة إلى الأسباب التي من الممكن أن تكون استفزت المعتدي تجيب: باعتقادي السبب الرئيسي لاستهدافي أني سورية ليس هناك تبرير آخر، فالعنصرية والكراهية تفشت في وسائل المواصلات والجامعات والمدارس والطرقات بشكل كبير في الأشهر الأخيرة هم يمييزونا من لغتنا العربية ومن طريقة حجابنا، وفق تعبيرها.
لم تتوجه “هالة” بالشكوى إلى مخفر الشرطة لأنها شهدت على حد قولها حالات عديدة لسوريين تعرضوا لمعاملة عنصرية في مراكز الشرطة، وتم إهمال شكاواهم خاصة إن كان المشتكى عليه تركياً، وتؤكد أنه طالما يتم التغاضي عن الخطاب التحريضي، وغياب تطبيق القانون في حال كان الضحية سورياً فلا جدوى من اللجوء للمخافر والجهات المختصة.
في هذا الإطار، يقول “سامر الطه” عضو منتدى التطوير المجتمعي ل”سيريا برس”: خطاب الكراهية أو الخطاب التحريضي دائماً ما يحمل في طياته العديد من المآرب السياسية أو الدينية وما يتفرع عنهما من قضايا مذهبية وآيدولوجية وانتماءات قومية وتحزبية وغيرها الكثير من القضايا.
ودائماً يكون للمؤسسات الإعلامية التي تحمل أجندات خاصة، ولمواقع التواصل الاجتماعي الدور الأقوى في بث مثل هكذا خطابات، ويكون منعكسها واضحاً وله تأثير على مريدي هذه المواقع والمؤسسات، بل وينسحب أيضاً على فئة من العامة الذين يمرون بأزمات اقتصادية ومعيشية ويريدون تحميل وزرها لطرف ثالث، فيبدأ تأجيج الخطاب بشكل أوسع وخطر أكثر، حيث يبدأ يأخذ منحى التصادم المباشر والإساءات اللفظية والتعدي على الممتلكات الشخصية ليصل إلى حد الاعتداءات الجسدية.
وهو ما لاحظناه بالفعل وللأسف في بعض المدن التركية التي تحتضن مئات الآلاف من السوريين وغيرهم من الأجانب، نتيجة الخطاب الذي يتبعه عدد من أحزاب المعارضة وشخصياتهم المهمة، إما عن طريق محطاتهم المتلفزة الخاصة أو عبر مواقعهم وصفحاتهم الشخصية.. ويشتد هذا الخطاب عادة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية أو البلدية، لتستخدم قضية اللاجئين كشماعة لتحميل كافة الإشكالات عليها.
ماسبق يتفق مع وجهة نظر الصحفي التركي هشام جوناي، في حديث له مع ”العربي الجديد”، حيث أكد أن معظم الوسائل الإعلامية، المرئية منها تحديداً، “تمنح المعارضين للوجود السوري مساحات زمنية كبيرة على الهواء، ليزيدوا بث الكراهية وتحميل اللاجئين وزر ما يحصل ..”.
يرى الصحفي والناشط في حقوق اللاجئين “زكي الدروبي“: أن أسباب تصاعد العنصرية وخطاب الكراهية متعددة، منها ما تتعلق ببنية النظام العلماني التركي الذي اعتمد في بناء الجمهورية على القومية التركية وإقصاء التدين من المجتمع، ولم يتصالح مع التعددية الثقافية الموجودة، ومنها ما يتعلق بالتراجع الاقتصادي العالمي وانعكاساته المؤلمة على الاقتصاد التركي والمواطنين الأتراك، والتحريض الذي مارسته الأحزاب المعارضة على اللاجئين وعدم تقديمهم أي برنامج انتخابي ينتقدون فيه الحزب الحاكم ما عدا إدارة ملف اللجوء، مطالبين بأن يكون الملف بإدارة وطنية يتشارك فيها الجميع، حكومة ومعارضة، وتم تحميل اللاجئين أسباب التراجع الاقتصادي بشكل شعبوي، في محاولة لإحراج حكومة العدالة والتنمية.
فيما بعد تراجعت الأحزاب المعارضة الكبيرة عن موقفها المعادي للاجئين، والتقينا مع عدد من قيادييها وعلى رأسهم كمال كليشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، كجزء من حراك نسعى من خلاله لسحب فتيل التفجير بسبب الاستقطاب الشديد في المجتمع التركي عبر إبعاد ملف اللاجئين عن الصراع الانتخابي، يضيف “الدروبي” يجب أن تتضافر جهود جميع السوريين الموجودين في تركيا لإقناع النخبة السياسية والجمهور بأن اللاجئين السوريين عود ثقاب يرغب أعداء تركيا إشعاله لتفجير السلم الأهلي وتدمير تركيا.
إن التأثير المدمر للكراهية وللخطاب التحريضي ينعكس سلباً على حياة السوريين وشعورهم بالأمان، وقد سجّلت البلاد حوادث قتل واعتداء وتكسير ممتلكات عدة، منها مقتل اللاجئ السوري شريف خالد الأحمد (21 عاماً) في منطقة باغجلار في إسطنبول على يد مجموعة من الشباب الأتراك، والاعتداء العنصري على المسنة ليلى محمد (70 عاماً) التي تعرضت للركل على وجهها بولاية غازي عنتاب. وقد شهدت الحادثة استنكاراً واسعاً من الإعلاميين والناشطين الأتراك، منهم الكاتب الصحفي التركي “جلال ديمير” الذي أكد على صفحته الخاصة على منصة “الفيسبوك”، بأن “الفاعل الحقيقي لهذه الجريمة هو خطاب بعض السياسين الذين لا يوجد لديهم أي مشروع وطني إلا عداوة وعنصرية السوريين. وبأن العنصرية هي مرض ولا يوجود لها علاج إلا عصا الدولة وقوتها، ورغما عن كل العنصريين”.
أمراض نفسية وجسدية
تشير الإختصاصية النفسية “سالينا نصرة” إلى أن الاعتداءات العنصرية التي يتعرض لها اللاجئون السوريون وخطاب الكراهية المنتشر في وسائل الإعلام ، كفيل بالتسبب بالقلق وفقدان الثقة بالنفس والانعزال والشعور بعدم الاستقرار والاكتئاب، وكلما زادت واشتدت حالة الهجوم زاد الانعزال والخوف والشعور بالعجز، وأيضا الأعراض لا تقتصر على الجانب النفسي فحسب حيث أصبح اللاجئون أكثر عرضة لأمراض القلب والسكري والبدانة، ولقد تنامت هذه الظاهرة كثيرا في الآونة الأخيرة بسبب مواقع التواصل الاجتماعي التي تسمح للأفراد دون رقابة بممارسة حرياتهم بالتعبير وتجاوز هذه الحريات للمساس بالآخرين وعدم تحمل المسؤولية اتجاه أنفسهم واتجاه غيرهم.
إلى هذا، تضيف “نصرة” هنا يكمن دور منظمات المجتمع المدني في معالجة هذه الظواهر عن طريق بث رسائل السلم والتعايش والاندماج بين أفراد المجتمع بدءا من المدارس والجامعات التي تعتبر من أهم الأماكن التي يمكن أن تغرس فيه ثقافة الاندماج والتسامح ونشر الألفة والمحبة، وأيضا رفع الوعي من خلال إجراء ندوات تثقيفية للأفراد بشأن مخاطر التمييز والتعصب واستضافة ممثلي فئات المجتمع لمناقشة خططهم لنبذ العنصرية، والاستعانة بالأخصائيين النفسيين في عقد جلسات تتحدث عن الأثر النفسي لخطاب الكراهية على السلم المجتمعي وطرق التعامل معه، وتبقى السيطرة على الغضب والحفاظ على الطاقة الايجابية وتعلم لغة البلد من أهم الأمور لمواجهة خطاب الكراهية.
تضخيم الأخطاء وتعميمها
تتصيد بعض وسائل الإعلام التركية أخطاء اللاجئين السوريين وتضخمها على إنها إخلال بثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده، وتعمم في خطابها الحوادث الفردية من بعض المسيئين وتوصم اللاجئين بصفات تؤجج الشارع “قتلة، متحرشين، غير حضاريين، يعيشون على المساعدات.. الخ”. تؤدي غالباً إلى اعتداءات جسدية، قد تنتهي بجرائم قتل والهجوم على منازل الآمنين وتكسير المحلات السورية وتحطيم ممتلكاتهم.
يشار هنا إلى أن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، أكد أن نسبة الجريمة لدى السوريين منخفضة، حيث بلغ متوسط معدل الجريمة بينهم أقل بمقدار النصف مقارنة مع الأتراك، وأضاف أن هناك من يقوم بتشويه صورتهم.
تنشط على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة في “تويتر”، حسابات أغلبها وهمية تنشر معلومات كاذبة ومضللة باللغة التركية حول اللاجئين السوريين، منتهجين حملات منظمة مع كل حدث يتعلق بهم، ليتصدّر وسم “Suriyeli” (سوري) أو وسوم عنصرية كوسم “Ülkemde Mülteci İstemiyorum” (لا أريد لاجئًا في بلدي) المنصة الأكثر استخداماً من الأتراك .
وفق مديرية الأمن العام التركي، أن 23% من التغريدات المنشورة في أيار/ مايو الماضي بتركيا، جرت مشاركتها من حسابات وهمية تتحكم بها أجهزة الكمبيوتر، مؤكدة أن الهدف من هذا التأثير تجييش الشارع التركي، بالإضافة إلى التحريض على الكراهية والعنف. واستغلال التوترات الاجتماعية، لزيادة الاستقطاب وتقليل الثقة في المؤسسات من خلال التضليل والتلاعب بالمعلومات ونشر الدعايات الكاذبة.
خطاب الكراهية في القانون الدولي
ما من تعريف عالمي وقانوني لخطاب الكراهيّة، ولكنّ برنامج الأمم المتّحدة المسمى “استراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهيّة” يعرّفه على أنّه “أي نوع من التواصل، بالقول، بالكتابة أو بالفعل، يستخدم لغة تمييزية تحقيريّة تهجّمية عند الإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس هويّته، أي بعبارة أخرى على أساس دينه أو عرقه أو جنسيته أو لونه أو نوعه الاجتماعيّ أو أي عامل آخر يحدّد هويّته.”
سلطت الجمعية العامة للأمم المتحدة الضوء على المخاوف العالمية، بشأن “الانتشار المتسارع لخطاب الكراهية” في جميع أنحاء العالم، واعتمدت قرار تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات والتسامح في مواجهة خطاب الكراهية، في تموز/يوليو2021، وضرورة مكافحة التمييز وكراهية الأجانب وخطاب الكراهية ويدعو جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة، بما في ذلك الدول، إلى زيادة جهودها للتصدي لهذه الظاهرة، بما يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. كما أعلن يوم 18 حزيران/ يونيو ، يومًا عالميًا لمكافحة خطاب الكراهية، وتم الاحتفال به لأول مرة هذا العام، وهو مبادرة تستند إلى استراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية التي تم إطلاقها عام 2019، وتؤكد فيها على الحاجة إلى مواجهة الكراهية بشكل شامل في ظل الاحترام الكامل لحرية الرأي والتعبير، مع العمل بالتعاون مع أصحاب المصلحة المعنيين، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي.
خطاب الكراهية من شأنه تقويض السلم المجتمعي وستنعكس آثاره السلبية على المجتمع عامة، حماية اللاجئين السوريين من تداعيات العنصرية وخطاب الكراهية وحملات التحريض والتضليل الذي تنتهجه بعض وسائل الإعلام التركية التي تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير المهنية والأخلاقية، لايقع فحسب على عاتق الحكومة التركية من خلال إقرار وإنفاذ القوانين، بل هو مسؤولية مشتركة، ويجب على منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وقادة الرأي من الطرفين وضع برامج لمحاربة هذا الخطاب، وتوعية اللاجئين بحقوقهم، وماهية الوسائل القانونية التي تمكنهم من مواجهة ما يتعرضون له من حوادث عنصرية.
غصون أبوالذهب_سيريا برس
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR“صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.