رغم حالة الإجماع في أوساط الموالين، على نقد المعايير التي من المرجح أن تعتمدها حكومة النظام في تحديد الفئات المُستثناة من دعم المحروقات والمواد الغذائية في سوريا، إلا أن الخطاب الإعلامي الموالي يوحي بأن حكومة النظام في طريقها لاعتماد معايير قاسية للمُحيّدين عن الدعم، في واحدةٍ من أخطر المنعطفات على صعيد الحياة المعيشية للسوريين الخاضعين لسيطرة النظام.
فصحيفة “الوطن”، التي أفردت مساحات واسعة لنقد خطة الحكومة المُسرّبة بهذا الخصوص، افتتحت واحدةً من موادها عبر استعراض أبرز النُكات التي استقبل بها السوريون هذا المنعطف الخطير في حياتهم. ولطالما كانت النُكات التي تنتقد حكومة النظام في أدنى الحدود، وتنال من رموز النظام في أقصاها، متداولة بكثافة في أوساط السوريين، في ظل حكم الأسدين. لذلك أفردت لها، الأكاديمية الأمريكية، المتخصصة في العلوم السياسية، ليزا وادين، هامشاً لافتاً في كتابها الشهير، “السيطرة الغامضة: السياسة، الخطاب، والرموز، في سورية المعاصرة”.
الكتاب المشار إليه، والذي صدر عام 1999، ويعالج حقبة حكم الأسد الأب، محاولاً شرح كيف تمكن النظام من إحكام السيطرة على السوريين، مفصّلاً في دور الخطاب والرموز، في تدعيم تلك السيطرة، أشار إلى ظاهرة النكات الممنوعة التي كانت مستشرية في تلك الحقبة، والتي تنال من ظاهرة تقديس الأسد الأب.
لكن الكتاب، أشار في موضع آخر، إلى أن الممارسات النقدية المسموحة، تعمل على إدامة السيطرة العميقة للنظام، بدلاً من تقويضها. إذ تعمل تلك الممارسات كصمام أمان يسمح للناس بأن تنفس عن إحباطها، وأن تخرج التوتر الذي قد يجد طريقه للتعبير في فعل سياسي. ولتجنب ذلك، يسمح النظام بممارسة أشكالٍ من النقد المسموح، والمضبوط، بغاية التنفيس. وهكذا كانت فلسفة النظام في السماح بإعداد ونشر أعمال نقدية تسخر من جانبٍ من سياسات النظام الداخلية، من قبيل مسرحيات دريد لحام، أو مسلسل “مرايا” الشهير، أو لاحقاً، مسلسل “بقعة ضوء”.. إلخ. وما ينطبق على الأعمال الفنية الناقدة، المضبوطة بالإيقاع الذي يريده النظام، ينطبق على ما تنشره الصحافة الرسمية والموالية، من نقدٍ للأداء الحكومي. وينطبق بطبيعة الحال، على ممارسات السخرية والتهكم حيال أداء النظام، التي يُتاح لها الظهور عبر الإعلام شبه الرسمي.
فاستعراض أبرز صحيفة مقرّبة للنظام – “الوطن”-، للـ “النُكات” التي يسخر السوريون بواسطتها من خطة الحكومة لاستثناء شرائح واسعة من الدعم، هو عملية تنفيس. وتفاعلُ السوريين الخاضعين للنظام، مع تلك “النُكات”، هو تعبير عن العجز والخضوع، وليس تعبيراً عن فعل متمرد. فالأفعال المتمردة تجد ترجمتها في الشارع، وعلى الأرض، وهو ما يبدو أن نظام الأسد لا يخشاه مطلقاً، لذا فهو يذهب بعيداً في خطته القديمة – الجديدة، للتخلص من عبء الدعم على الموازنة، على حساب السوريين الذين أفقرهم.
فالخطة الحكومية التي كان تسريبها مقصوداً لجس نبض الشارع، ومدى استكانته، ورغم أنها تستثني على الأقل، 25% من السوريين من الدعم، وفق مراقبين اقتصاديين موالين، إلا أنها لا تمثّل إلا المرحلة الأولى من مسار التخلص من عبء الدعم. إذ يشير الكتاب الصادر عن وزارة الاقتصاد بهذا الخصوص في بنده الثاني، إلى أن هناك برنامجاً زمنياً سيتم إعداده لاستبعاد شرائح أخرى من الدعم، وصولاً إلى مرحلة سيقتصر فيها الدعم على العاطلين عن العمل، ومن يقل دخلهم عن الحد الأدنى للأجور (71 ألف ليرة سورية).
وهذا يعني، أن كل الشرائح التي تحصل على دخول شهرية أعلى من 71 ألف ليرة سورية، لن تُعتبر، في وقتٍ قريبٍ، من الشرائح المستحقة للدعم. وهكذا يمكن تصور حجم الكارثة المرتقبة. فالحد الأدنى للأجور في سوريا، يغطي أقل من 10% من تكاليف الحد الأدنى لمعيشة أسرة مكونة من خمسة أفراد. أي أن الدعم في المستقبل القريب، سيشمل فقط من هم دون خط الفقر المُدقع. بينما سيُترك غالبية السوريين في حالة الفقر المُدقع، دون حتى أن يحظوا بفُتات الدعم الذي كان يخفف عنهم جانباً من بؤسهم.
وكيف يواجه السوريون الخاضعون للنظام، ذلك الواقع المرعب، والمُرتقب؟ بـ “النُكات”. هكذا يريد النظام أن يصوّر مدى البؤس والاستسلام الذي وصل إليه الخاضعون له. فهو بات يملك الجرأة للذهاب بعيداً في النيل من رغيف خبز السوريين، مهما كانت النتائج على معيشتهم، وخيمة.
إياد الجعفري _ الطريق