تواجه الأربعينية روعة الحريتاني الفترة الأصعب من حياتها، إذ توقف علاجها بجرعات السرطان غير المتوفرة في إدلب، مع إغلاق الحدود التركية في وجهها، بعد قرار علاج المرضى السوريين على نفقتهم الخاصة في تركيا.
اكتشفت روعة مرضها بسرطان الثدي في مرحلة متأخرة، ولم تُجدِ كل محاولات الأطباء في السيطرة على المرض، وإيقاف انتشاره في أنحاء جسدها رغم عملية استئصال الثدي، وحصولها على جرعات كيميائية متعددة في مركز “سامز”، المتخصص بعلاج السرطان الوحيد الموجود في المدينة.
“حصلت على جرعات كيميائية عديدة وأدوية مجانية من (سامز)، ولكن حالتي تزداد سوءًا، ولم يستجب المرض للعلاج، وصرت بحاجة إلى جرعات شعاعية غير متوفرة في المنطقة، فما كان مني إلا الاستسلام لمرضي وانتظار مصيري المحتوم”، قالت السيدة لعنب بلدي.
روعة من قرية تلمنس بريف إدلب، ونازحة إلى مخيمات “أطمة” منذ أكثر من عامين، تواجه ظروفًا هي “الأسوأ” في ظل الفقر والمرض وانعدام العلاج.
اكتشاف المرض بالمصادفة
استطاعت سميرة الحسين (35 عامًا)، المنحدرة من بلدة البارة في جبل الزاوية بإدلب، والنازحة إلى مخيمات “سرمدا” الحدودية منذ أكثر من عام، اكتشاف مرضها بسرطان الثدي عن طريق المصادفة، حين خضعت لفحص روتيني في مركز “سامز” التخصصي بإدلب، في أثناء وجودها في المركز بصحبة صديقتها المريضة، التي ذهبت إلى هناك للحصول على جرعة كيميائية.
كانت المفاجأة للشابة حين أظهرت نتيجة الفحص إصابتها بسرطان الثدي، وحينها بدأت فورًا بتلقي العلاج الكيميائي المجاني في مركز “سامز” الذي ساعدها على حسر المرض والقضاء عليه باكرًا، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
وأضافت سميرة، “أحمد الله أنني استطعت إنقاذ نفسي من خلال إجراء الفحص المبكر، وإلا لا شك أن نهايتي ستكون مأساوية، خصوصًا أنني أعاني الفقر والنزوح، ولا قدرة لي على العلاج على نفقتي الخاصة”.
وأبدت الشابة استغرابها من عدم شعورها بأي ألم أو أعراض مرض قبل اكتشافه عن طريق المصادفة، في حين أكد لها الأطباء أن سرطان الثدي يمكن أن تصاب به المريضة، وبعد سنوات تظهر الأعراض، ويكون المرض في مراحله المتقدمة وفرص الشفاء منه تصبح ضعيفة ونادرة.
شعرت سميرة أنها وُهبت حياة جديدة حين أكد لها الأطباء شفاءها التام من المرض الأصعب في العالم، إذ إنها تعيش أوضاعًا إنسانية “قاسية” وانعدامًا للاحتياجات الأساسية، وزوجها مصاب حرب يعاني إعاقة في قدمه، ولديها أربعة أبناء.
نقص في العلاجات
حددت منظمة الصحة العالمية تشرين الأول شهرًا عالميًا لسرطان الثدي، لزيادة الاهتمام به وتقديم الدعم اللازم للتوعية بخطورته، والإبكار في الكشف عنه.
ويواجه الشمال السوري تحدي غياب مراكز الكشف المبكر عن السرطان، وعدم وجود مراكز للتوعية، واقتصار العلاج على مركز واحد، وهو مركز الأورام في مستشفى “إدلب المركزي” (يتبع للجمعية الطبية السورية- الأمريكية “سامز”).
الطبيب ملهم خليل (34 عامًا) اختصاصي أمراض دم وأورام، وهو أحد الأطباء المشرفين بمركز “سامز” التخصصي لعلاج السرطان في إدلب، قال لعنب بلدي، إنه لا توجد مراكز للكشف المبكر عن سرطان الثدي، مشيرًا إلى جلب أجهزة مؤخرًا والعمل من خلال مشروع جديد في مركز الأورام، للكشف المبكر بشكل مجاني.
وأضاف الطبيب أن طريقة الكشف عن المرض تكون بزيارة المراجعات لمركز الأورام، ولا توجد خدمات كإرسال المركز رسائل دورية للسيدات للمراجعة، كما يجري في بعض الدول ومنها تركيا.
لكن المركز عندما يكتشف أن سبب السرطان وراثي لدى المريضة، يطلب منها أن تراجع قريباتها (البنات، الأخوات، العمات، الخالات) المركز للكشف، بحسب الطبيب.
وأوضح خليل أن الكشف المبكر يساعد على كشف الورم بمراحله المبكرة، لافتًا إلى وجود زيادة بعدد المريضات بسبب زيادة الوعي لديهن، واهتمام النساء في المنطقة بالمراجعات للكشف عن المرض بشكل أكبر.
وجميع العلاجات الكيميائية والهرمونية متوفرة في المركز، لكنه يعاني نقصًا بالعلاج المناعي والإشعاعي، بحسب الطبيب، وسابقًا كانت تُعالج هذه المشكلة في تحويل المريضات إلى تركيا لأخذ العلاج هناك، لكن توقف هذا التحويل الآن.
وكان مكتب التنسيق الطبي في معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، أوقف إصدار الإحالات إلى تركيا اعتبارًا من 11 من أيلول الماضي، حتى تفعيل نظام صحي جديد للمرضى السوريين في المستشفيات التركية.
وجاء القرار عقب تغيير الجانب التركي وثيقة العلاج الخاصة بالمرضى السوريين في المستشفيات التركية، والتي كانت عبارة عن “وصل كيملك” تخوّل المريض الحصول لاحقًا على بطاقة الحماية المؤقتة، واستبدال “وثيقة سياحية علاجية” بها.
“سامز” تستقبل ألف مراجعة في الشهر
بدوره، أوضح الطبيب أيهم جمو، إداري وطبيب مشرف في مركز “سامز” ورئيس قسم الأورام في مستشفى “إدلب المركزي”، أن عدد المراجعات الشهرية لمرضى السرطان يبلغ حوالي ألف مراجعة.
ويبلغ عدد المرضى المشخّصين حديثًا نحو 100 مريض، كما يبلغ عدد المرضى المراجعين للمركز لأول مرة نحو 150 شهريًا، والجرعات المطبقة 300 جرعة شهريًا.
وقال الطبيب لعنب بلدي، إن 70% تقريبًا من الجرعات مدعومة كعلاج مجاني مقدم من “سامز”، و30% “تسريب مجاني” للجرعات، أي أن المريض يجلب الجرعة والمركز يسرّبها له بشكل مجاني، بالإضافة إلى الاستشارات.
وأضاف أن الأدوية المتوفرة كعلاج مجاني هي أدوية سرطان الثدي و”اللمفوما” بنوعيها (هودجكين ولاهودجكين)، وسرطان المستقيم.
وأكثر أنواع السرطانات انتشارًا هي سرطان الثدي، بحسب الطبيب، ويشكّل نسبة 30% من المراجعات في المركز.
وتحدث جمو عن افتتاح قريب لمركز لـ”الماموغراف” (تصوير الثدي الشعاعي) والكشف المبكر عن سرطان الثدي، لافتًا إلى وجود جهاز تنظير هضمي سفلي، بالتعاون مع قسم الهضمية والجراحة العامة، للكشف عن سرطان القولون.
ما سرطان الثدي
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يعد سرطان الثدي أحد أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء في جميع أنحاء العالم.
وتشمل أعراض سرطان الثدي إفراز مادة شفافة أو مشابهة للدم من حلمة الثدي، وتراجع الحلمة أو تسننها.كما يعد تغيّر حجم أو ملامح الثدي وتسطّح الجلد الذي يغطيه، وظهور احمرار أو ما يشبه الجلد المجعّد (يشبه قشرة البرتقال) أحد الأعراض، وفقًا لموقع “Web Teb” الطبي.
وبحسب الموقع، فإن نسبة 5 إلى 10% فقط من حالات الإصابة تكون بسبب الوراثة، بينما تشكّل العيوب الجينية أحد الأسباب أيضًا.
المصدر: عنب بلدي