تناول تحقيق صحفي، شهادات لأرامل وأمهات عناصر تنظيم “داعش” الذين يعيشون في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، والتضييق الأمني لإجبارهم على الإنتساب إلى “وحدات حماية المرأة”.
جاء ذلك في تحقيق نشره اليوم الأربعاء، موقع تلفزيون “سوريا” تحت عنوان “أرامل عناصر تنظيم الدولة.. ضحايا أزواجهن والمجتمع”، احتوى على شهادات لمجموعة من زوجات عناصر تنظيم “داعش”.
أموات على قيد الحياة” بهذه العبارة استهلت “شيماء الحسين” ذات 19 عاماً حديثها لموقع تلفزيون سوريا، شيماء أرملة أحد عناصر تنظيم الدولة زوّجها والدها من “أبو أويس المغربي” وهي في عمر 14.
تذكر شيماء أنها كانت طفلة أكبر همّها لعبتها، وتغريها مأكولات الأطفال وملابسهم “لا تعلم الحق من الباطل” مؤكدة أن قرار زواجها لم يكن بيدها.
قتل زوج شيماء عام 2016 بغارة للتحالف الدولي شرق مدينة الرقة، ومنذ ذلك الوقت تعاني من نظرات المجتمع لها وكلامهم عنها، مؤكدة أن هناك طوقا أمنيا حولها ودوريات متواصلة على منزلها من قبل “قوات سوريا الديموقراطية”.
تعيش شيماء حالة من التضييق المجتمعي منذ عودتها إلى الرقة عام 2018، حيث اعتقلت 13 مرة من قبل “وحدات الحماية” و”أساييش المرأة”، مؤكدة أنهم يرسلون دوريات إلى منزلها بشكل أسبوعي للتأكد من تحركاتها.
تشير شيماء إلى أن هذا التضييق الأمني هدفه إجبارها على الانتساب إليهم كما أخبرتها إحدى النساء في “وحدات حماية المرأة”.
وذكر مصدر إداري في قوى الأمن في “قسد” أن الرقة تضم نحو 1050 امرأة سورية من طليقات وأرامل وأمهات تنظيم الدولة، بعضهن كن في صفوف الأمن والحسبة. وتم اعتقالهن بعد سيطرة “قسد” على المدينة، ثم أفرجت الأخيرة عن بعضهن لتضعهن تحت المراقبة.
ويتم التركيز بشكل عام على زوجات عناصر تنظيم الدولة خاصة الوافدات منهن إلى المنطقة، إذ هناك ملف خاص لكل واحدة منهن، في حين توجد نحو 58 امرأة معتقلة حاليا في سجون “قسد” إلى جانب 35 من جنسيات أجنبية بحسب المصدر.
تتساءل شيماء “ما ذنبي أنا وذنب طفلتي؟”، حيث تربت طفلتها منبوذة هي الأخرى، وتصف نفسها أنها “ضحية التصقت بها اللعنة حتى يوم القيامة”، إذ تخلت عنها أمها وإخوتها لا سيما بعد وفاة والدها.
تشير شيماء إلى أن جيرانها يرونها وصمة شؤم في الحي، مؤكدة أنهم يطالبونها بالرحيل إلى المخيمات حيث تقطن نساء عناصر تنظيم الدولة، لكنها رفضت الذهاب إلى تلك المخيمات بهدف تحسين حياة طفلتها، وإبعادها عن بؤرة قد تجرها إلى المصير ذاته الذي عاشته أمها.
وأكملت شيماء أنه في حال اكتشاف جثة أحد من أهالي الحي أو أبنائهم في مقبرة جماعية أو بلغم أرضي في منطقة ما، يبدأ أهالي الحي بقذف المنزل بالحجارة مترافقة بالشتائم كرد فعل على ما جرى لذويهم.
تعاني شيماء اليوم من انعدام العمل في جميع المجالات، رغم وجود شواغر، فوصفها “بالداعشية” بات حاجزاً بينها وبين العودة إلى الحياة كأي فتاة أخرى. وتخشى أن تعاني ابنتها المعاناة نفسها، وأشارت إلى سماعها عن دورات إعادة تأهيل وتوعية وتسوية أوضاع النساء والأرامل والمطلقات من عناصر تنظيم الدولة، إلا أنها غير موجودة على أرض الواقع.
وذكرت شيماء أنها على معرفة بكثير من النساء سلكن طريق الهجرة للعيش في مناطق لا أحد يعرف عن ماضيهن شيئاً.
ختمت شيماء حديثها لموقع تلفزيون سوريا أن الضحية الحقيقية خلال وبعد حكم تنظيم الدولة هم نساء وأطفال عناصر التنظيم. مؤكدة انعدام الرحمة من الحكومات والمنظمات وصولاً إلى المجتمع رغم أن كثيراً منهن ليس لهنّ ذنب بل هو ذنب أهلهن حين وافقوا على تزويجهنّ في سن مبكرة.
لم تقتصر نظرة النفور والنبذ على نساء عناصر تنظيم الدولة، بل طالت الأمهات اللائي تورط أبنائهن بالانخراط في التنظيم.
فاطمة عبد القادر السوعان، البالغة من العمر 55 عاماً، وهي أم لـ 7 أولاد وتدعى أم خضر، تذكر لموقع تلفزيون سوريا أنه رغم خسارة اثنين من أولادها محمد (16 عاما) وخضر (25 عاما) في صفوف تنظيم الدولة، فإن ذلك لم يكن شافعا لها أمام المجتمع، حيث ما زالت لعنة التنظيم تلاحقها أينما توجهت.
وتشير فاطمة إلى أن أولادها خضر ومحمد انضموا إلى صفوف تنظيم الدولة عام 2015، ضمن جهاز الحسبة بمدينة الرقة، وتضيف أن ولدَيها قُتلا خلال شهر رمضان من عام 2016 بغارة للأمريكان في ريف عين عيسى ولم ترَ جثثهم حتى اليوم.
وتتابع فاطمة أنه بالرغم من خسارة الولدين لم تسلم من وصمة العار التي طالت بناتها خاصة بعد دخول “قسد” إلى المدينة ومداهمة منزل عائلتها عشرات المرات.
وتقول فاطمة إن الشكوك الأمنية تحيط بهم إلى الآن، مؤكدة أن أبناءها انغروا بما قدمه تنظيم الدولة لهم من مال وأسلحة.
حرمت فاطمة من رؤية بناتها المتزوجات، وتلقى تعاملاً حذراً من الجيران ومن المحيط عن ذنب لم تقترفه ولم تكن راضية بما فعله أبناؤها على حد قولها. وتذكر أن زوجها توفي العام الماضي بسبب مرض السرطان، وعبّرت عن أن أوجاع مرض السرطان كانت “أخفّ” من الهموم والأوجاع والقهر والنظرة الدونية التي عاشها زوجها قبل وفاته.
تؤكد فاطمة أنها لا تملك أي أوراق في مؤسسات “الإدارة الذاتية” تخص المعونات كبقية المواطنين، مبدية استغرابها أن “قسد” أفرجت عن العشرات من عناصر تنظيم الدولة فلماذا يتم حرمانها من المعونات؟!.
تحدثنا مع نادر رحمون الصويري من أهالي مدينة الرقة الذين عاصروا تنظيم الدولة وخسر أحد أشقائه بتهمة الردة، ويمثل نموذجا من الأشخاص الذين يزدرون كل ماله علاقة بالتنظيم.
وذكر نادر أنه يفضّل لو أن السلطات المحلية والمجتمع الدولي تنشئ مخيمات خاصة لنساء ومطلقات عناصر تنظيم الدولة شبيهة بمخيم “الهول” ويتم وضع كل طفل أو أمرأة وكل من كان له صلة قريبة أو بعيدة بتنظيم الدولة.
وعزا نادر اقتراحه هذا إلى أنه “من الصعب تغيير هذا الفكر وإدماجه في المجتمع”، وقال “يشبهون السرطان ويجب إبعادهم عن كل المجتمعات المدنية خوفاً من تكاثرهم وانتشار أفكارهم المتشددة” بحسب تعبيره.
ويؤكد نادر أنه في حال عودة تنظيم الدولة سيكون من الصعب محاربتهم من جديد “نتيجة تعلمهم من تجاربهم السابقة لذلك كل من تقرب منهم عن طريق الزواج أو العلاقات والعمل جعلهم شركاء للتنظيم في كل شيء، أي أنهم كانوا موافقين على أفكار التنظيم وإجرامه”.
ويعتبر نادر أن كل من كان مقرباً من التنظيم هو شريك في عملات التهجير والتدمير التي قام بها التنظيم أيام سيطرته على المدينة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا