مهندسة سورية تشارك في إدارة مهرجان لإعادة الإعمار في بريطانيا

على واجهة هوف البحرية المطلة على الساحل الجنوبي للمملكة المتحدة، ظهر بناء جديد ضمن سلسلة المباني التي تقام من أجل مهرجان برايتون السنوي.

يقع الرواق قبالة خشبة المسرح حيث سيقوم موسيقيان عربيان بتقديم أغانٍ شعبية كلاسيكية سورية، أما الحضور فسيجلس في الطرف الداخلي للرواق، حتى يقوم البعض منهم بالغناء بصحبة الفنانين، أو القيام للمشاركة في الدبكة.

في هذا العام، ستقوم مروة الصابوني وهي مهندسة معمارية وكاتبة سورية تعود أصولها إلى حمص بإدارة هذا المهرجان مع شخص آخر، إذ يأتي ذلك تتويجاً لسنوات أربعة مضت بعد حوارات أجريت حول ذلك، وتأجيل بسبب انتشار جائحة كوفيد-19، وهكذا خرجت مروة بتصميم الرواق في هذا الاستيديو، وتتحدث عن ذلك بقولها: “تعتبر هذه المساحة شبه المغلقة جزءاً من المفردات المعمارية السورية، فهي موجودة في البيوت العربية، وفي الكليات، وفي الجامعات القديمة، بل حتى في أوروبا بوسعنا أن نرى صفوف الأعمدة تلك”.

الرواق في مهرجان برايتون الذي استوحته مروة الصابوني من فن العمارة السوري

إلى جانب المدير تريستان شاربس، أضفت مروة، وهي امرأة نحيلة وطويلة، ذات ابتسامة معدية، لمسة سورية على المهرجان الذي سيقام في شهر أيار وسيستمر حتى بداية حزيران.

تخبرنا مروة بأنها كانت ترغب هي وشاربس بالتركيز على فكرة إعادة الإعمار، وهكذا اختارا سوية وبعناية شديدة مجموعة من الفنانين، ليأتي شكل البرنامج في نهاية المطاف مطابقاً للصورة التي في مخيلتهما.

عمل للفنان السوري محمد حافظ وهو أحد الأعمال الفنية السورية التي تركز على فكرة إعادة الإعمار  في مهرجان برايتون

الدروس المستفادة من الحرب

ذاع صيت مروة الصابوني ولمع اسمها خارج سوريا بعدما نشرت كتابها: “معركة حمص” في عام 2016، والذي يجمع بين آرائها حول الفن المعماري الإسلامي والمعاصر، والدور الذي لعبه التطور غير المتوازن الذي حدث مؤخراً خلال فترة النزاع في سوريا، إلى جانب التطرق للحديث عن تجاربها الشخصية مع الحرب.

وقد دفعها التلقي الإيجابي الذي حظي به كتابها إلى السفر لإلقاء محاضرات في المملكة المتحدة وأوروبا، حيث ظهرت في حوارات تيد الشهيرة، كما ألقت محاضرة في جامعة أوكسفورد.

ظهر كتابها هذا مع بلوغ الحرب السورية ذروتها، بعدما تعرضت مدينتها حمص لسحق وتدمير شامل خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2011-2014، إذ كانت مروة حينها تدرس لنيل شهادة الدكتوراه، وكان عليها أن تذهب إلى الجامعة تحت خطر القنص على يد القناصين أو الموت بقذيفة هاون.

أما زوجها الذي يعمل مهندساً معمارياً هو الآخر، فقد تم إيقافه عند حاجز للتفتيش تابع للنظام، ثم اقتيد منذ بداية الثورة إلى مكان مجهول، وذلك في عام 2011، فقط لأن هويته كتب عليها أنه من بابا عمرو، تلك المنطقة التي عرفت “بتمرد الثوار” فيها وعسكرتهم، ومنذ ذلك الحين ومروة وأهل زوجها لا يعرفون مكان زوجها، شأنهم شأن الكثير من الناس في سوريا، بالرغم من محاولاتهم الحثيثة لمعرفة مكانه، وعنه تحدثنا مروة فتقول: “تم اعتقاله لمدة ثلاثة أيام، إلا أن البعض يعتقلون هناك للأبد، والبعض يعاني الأمرين للأسف”.

وبعد حصولها على شهادة الدكتوراه، عانت مروة معاناة شديدة بسبب البيروقراطية ذات الأفق المحدود التي تتمسك بها الجامعة، لكنها خرجت منتصرة بالرغم من كل المعوقات، ومن هنا خطرت لها فكرة الكتاب الذي كتبته، إذ تحدثنا عنه بقولها: “استعنت بحمص كمثال للمدن ليس فقط في سوريا أو في المنطقة فحسب، بل أيضاً في مختلف بقاع العالم، حتى لو اختلفت نسبة التكثيف التي عانينا منها، إلا أن تلك المدن خضعت لتحولات مشابهة واتبعت أنماطاً مماثلة. ومن هنا تأتي أهمية أخذ دروس وعبرة مما حصل في سوريا، لأن ما حدث انتهى بنزاع وحرب، ولكننا نرى شقاقاً وانقسامات وخلافات في مختلف أنحاء العالم، إلى جانب نزاعات صغيرة، مع ظهور مدن مقسمة، وانهيار ضمن المجتمع، وتوتر بين الشعوب المختلفة.. وهنا قد يعتقد المرء بأن مدناً حديثة مثل لندن أو دبي ليست لديها أي مشكلة مع حالة الفصل، وهذا ليس بصحيح، لأنها هي أيضاً منقسمة ومفصولة لكن ذلك لا يظهر عليها”.

ومن الحلول التي اقترحتها مروة في كتابها الجديد: “بناء حمص” إحياء فكرة الوقف التي كانت منتشرة خلال الحقبة الإسلامية، لكنها اختفت بسبب الاستعمار، وعنها تقول: “اسمها وقف لأنها منذورة لله، ولهذا يذهب الدخل الذي يحققه الوقف لتوسيعه وتنميته بشكل أكبر إلى جانب المحافظة عليه وصيانته، مع دعم العاملين فيه”.

ترى مروة الوقف بأنه: “نوع من الانقطاع عن آلية النمو… فأنت بحاجة للنمو، ولكني ضد النمو، إلا أن أي آلة بحاجة إلى استراحة أو فترة توقف قصيرة، وتلك هي المساهمة التي قدمها الإسلام والتي تتمثل بعمليات توقف مؤقتة تطرأ على عمليات التطوير الخاصة، وقد نجحت تلك العملية على مدار قرون”.

بيد أن الإرث الاستعماري لبريطانيا وفرنسا عملا على إنهاء تلك المنظومة، لأن كلاً منهما وجدت في الوقف تهديداً لمشاريعها التجارية بحسب رأي مروة، التي تضيف: “عملت كل من فرنسا وبريطانيا على استمرار تدفق أرباحهما حتى بعد جلائهما عن البلاد، ولهذا غيرت كل منهما سياسات الوقف لتنتقل من يد الشعب إلى يد هيئة إدارية، وهذه الهيئات عرضة للفساد، وقد فقدت معناها بمرور الوقت، إذ أصبحت وزارة الأوقاف حالياً أكثر الوزارات فساداً في سوريا”.

الراحة التي يقدمها المهرجان

من الصعب تصنيف شخصية مروة الصابوني من حيث الفلسفة التي تتبعها، فقد تأثرت بأعمال الفيلسوف والكاتب البريطاني المحافظ روجر سكروتون الذي صادقته لفترة من الزمن عندما كانت في سوريا، ومعروف عن هذا الرجل وقوفه ضد فن العمارة القائم على التحديث والتطوير، إلى جانب تبنيه لأفكار تقليدية قديمة، وعنه تقول مروة: “تعلمت كثيراً عند قراءتي لكتاب روجر سكروتون: “الجوانب الجمالية لفن العمارة”، لأن أفكاري محافظة بكل تأكيد، ولكن ليس بالطريقة التي يشار إليها لحالة المحافظة في المملكة المتحدة، وذلك لأن المحافظة هنا تشير إلى مصطلح سياسي لا يعنيني بشيء، لأنني ليبرالية متحررة، ولست بمحافظة، بل إنني مجرد مسلمة”.

ولهذا ألقت مروة محاضرة عبر الإنترنت في جامعة أوكسفورد تخليداً لذكرى سكروتون الذي توفي في عام 2020، وتحدثنا عن تلك المحاضرة فتقول: “تحدثت عن النقاط التي اتفقنا واختلفنا عليها، وعن نقاشاتنا التي استمرت عبر البريد الإلكتروني، فالجميل في روجر هو أنه كان يصغي، كما كان يعترف أيضاً بأن أمامه الكثير ليتعرف على الإسلام وفن العمارة الإسلامية.. وفي تلك المحاضرة، ذكرت بأن رؤية روجر للجمال كانت جمالية، في حين أن وجهة النظر الجمالية في الإسلام عن الجمال كانت ديناميكية أكثر، ما يعني أنها تنطوي على فكرة من الذي سيدفع من أجل الجمال، إذ قد تكون لديك مبان جميلة، لكنها قد تصبح قبيحة بنظر العامة إما لأنهم لا يستطيعون دخولها، أو لأنهم يعتبرونها شيئاً يدمر حياتهم بطريقة أو بأخرى، أي أننا بحاجة إلى الجمال، ولكننا بحاجة لتلك الرؤية الديناميكية أيضاً”.

لقد بث هذا المهرجان في روح مروة شيئاً من الارتياح، وتمثل ذلك بالحفلة الموسيقية التي أقامتها الأوركسترا السورية في المملكة المتحدة، والتي قدمت عرضاً لليلة واحدة في برايتونز دوم لجمهور يعشق الطرب.

وعن ذلك تحدثنا مروة فتقول: “كان ذلك خليطاً جميلاً جمع بين الموسيقا الكلاسيكية والشعبية، وقد أبلت الأوركسترا بلاء حسناً في التعبير عن شيء عاطفي وجداني مع بث الحيوية لدى الجمهور”.

هذا وتحرص مروة على حضور شخصيات أدبية لهذا المهرجان، من بينها كين ليو وسامانثا شانون، إلى جانب المصور الفوتوغرافي للفنون العمرانية جيم ستيفينسون الذي سيقيم معرضاً تحت عنوان: متحف الأشياء العادية، إلى جانب غيرهم من المشاهير.

مخاوف مستقبلية

بالعودة إلى مدينة حمص التي سترجع إليها مروة بعد المهرجان، ليس ثمة أي علامة صغيرة تشير إلى أي أمل أو أي عملية لإعادة الإعمار، وعن ذلك تقول مروة: “أخشى أن تسوء الأمور أكثر في بلدي… إذ أولاً وقبل كل شيء لم تقم لدينا حركة إعادة إعمار، فكل ما لدينا هو خليط من الأبنية التي بنيت على حساب أشخاص يملكون تلك العقارات بشكل خاص… كما أن جميع المساعدات الإنسانية ذهبت لتصحيح ما اعتبر مناطق مدمرة بصورة جزئية، حيث تمت إزالة الركام، إلا أن لدينا أحياء بأكملها سويت بالأرض وجميعها يحيط بالمدينة، ما يعني بأن مساحة المدينة تضاءلت لتصل إلى نصف مساحتها في السابق أو حتى أقل، وعندما فرضت العقوبات الأميركية في عام 2018، ثم ظهر بعد ذلك وباء كوفيد، وبعده قامت الحرب في أوكرانيا، هبط الاقتصاد إلى أدنى مستوى له”، وهكذا أصبحت الحياة هناك تعني أن الكهرباء لا تصل إلا ساعتين باليوم، مع عدم توفر الوقود، أو التدفئة، أما بالنسبة للمنتفعين، فهناك كهرباء 24 ساعة باليوم حسبما ذكرت مروة، وأضافت: “لم يعد لدينا أي شيء بكل معنى الكلمة، إذ ليس لدينا كهرباء، ولا بنية تحتية، ولا غاز للطبخ، ولا وقود. عندما عدت إلى بلدي لقضاء إجازة العيد، رأيت الناس وقد اصطفوا في أرتال طوال اليوم أمام محطات الوقود، كما صاروا يدفعون مبالغ ضخمة من أجل الحصول عليه، إذ لتحصل على 20 ليتراً، عليك أن تقف في الصف من الفجر حتى الليل، ولهذا صار الناس ينامون في سياراتهم، وأصبحت تلك هي الطريقة التي يمضون بها إجازاتهم، وهذا بحد ذاته مؤلم، بل إنه يدمي القلب”.

إن ذلك يعني أيضاً توقف مشاريع البناء بسبب عدم توفر المواد والكهرباء والعمال، بعدما ترك أغلبهم البلد.

تتابع مروة وصف الوضع بقولها: “لقد تضرر قطاع الأدوية، والمشافي والمدارس، جميعها تضررت، إذ لم تعد لدينا مواد أولية، ولم نعد نحصل على مواد البناء، ولهذا أصبحت البلد تعاني بصمت اليوم، وهذا أصعب من أيام النزاع، إلا أن الجميع غير مهتم بأمرنا”.

بالرغم من كل ذلك، ماتزال مروة تشتاق لبيتها، ولهذا قررت البقاء في سوريا برفقة أسرتها، بالرغم من كل محاولات النسيان، وعن ذلك تحدثنا فتقول: “سألت نفسي: هل من الطبيعي أن أبقى هناك، إلا أن الجواب كان يأتي بالإيجاب دوماً، لأنني لا أعرف أين بوسعي أن أذهب، وما هو الشيء الأهم الذي بإمكاني أن أفعله.. كنت أسأل نفسي: لماذا أنا هنا؟ فيأتيني الجواب: لأنه بلدي، ولأنه المكان الذي أحس بأنه بحاجة لي أكثر من غيره”.

المصدر: ميدل إيست آي  

ترجمة ربى خدام الجامع _ تلفزيون سوريا

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version