المثنى سفّان _ syria press
من المنفى من إدلب وريف حلب الشّمالي ماتزال العائلات المُهجّرة من ريف دمشق تنتظر العودة إلى ديارها بعد اضطرارهم للفرار من قصف النّظام السّوري للأحياء المحاصرة آنذاك في غوطتي دمشق الشّرقية والغربيّة إلى الشّمال على متن الحافلات الخضراء بدلاً من البقاء والعودة إلى الحياة – الطبيعية (كما يزعمون) – تحت حُكم نظام الأسد.
في الأيام الأخيرة من شهر آذار 2018، استسلمت سقبا، عربين، زملكا، كفر بطنا، عين ترما، حرستا ودوما وغيرها من بلدات ومدن ريف دمشق، بعد حملة عسكريّة همجيّة هي الأعنف على الغوطتين الشرقيّة والغربيّة بقيادة النّظام السّوري وحليفه الرّوسي.
خلال الأسبوعين الأولين من شهر نيسان 2018، تم نقل أكثر من 50 ألف شخص من مدن وبلدات الغوطة الشرقية والغربية شمالاً باتجاه محافظة إدلب التي تسيطر عليها عدد من الفصائل، والمناطق الواقعة تحت الحماية التّركية في ريف حلب.
لا زال “عمار” يعيش على ذكرى ما بقي من مدينته حرستا التي غادرها جسداً، ويقول إنّ مناطق بأكملها في مدينته تم تدميرها والتعتيم عيها، جميع من أعرفهم هناك توقفوا عن الكلام أو التواصل معي بل وقاموا بحظري على وسائل التواصل الاجتماعي خوفاً من الرقابة من قبل مخابرات النّظام السّوري.
يقول عمار: ((جميع أصدقائي وأقربائي يخشون التواصل معي من داخل الغوطة خوفاً من الاعتقالات، وأنّه يتفهّم مخاوفهم بشأن التواصل مع أشخاص في الخارج))
تسبّب القصف المتواصل من جهة، وتقدُّم قوات النّظام السّوري برّاً من جهة أخرى إلى مقتل أكثر من 1700 شخص، بالإضافة إلى ارتكاب العديد من جرائم الحرب – بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماويّة المحظورة – التي أودت بحياة المئات في أحياء الغوطتين.
لم تستطعْ أصوات القنابل وهدير الدّبابات وصواريخ الطائرات أن تصمّ الآذان، إلّا أنّ أكثر ما يصمّ هذه الأيام هو الصّمت الذي يخيّم على من بَقوا هناك، حيثُ يعيش عدد من السّكان واقعاً جديداً مليئاً بالاعتقالات والاختفاء وحملات التجنيد القسريّة واسعة النطاق.
د. مجد من بين الآلاف الذين قبلوا الخروج من دوما، في العاشر/10 من شهر آذار عندما قامت قوات النّظام السّوري بعزل دوما عن بقية مدن الغوطة الشرقية، وتقسيم المنطقة إلى ثلاثة أجزاء تمهيداً لاقتحامها، وجد أنّ خطر الاعتقال أو الاختفاء القسري عليه وعلى أسرته كان أكبر من أن يُفكّر في البقاء.
نزح مجد، وعمل مع الكادر الطبي في مدينة الباب بريف حلب الشمالي، ثم انتقل للعيش في تركيا، ولم يندم على قراره، معتقداً أنّ البقاء في دوما يعني المساومة على حياته.
وقال: لقد “اخترت الرحيل”، خوفاً من الوقوع في أيدي النّظام، وهو الآن يتابع دراسته – كطالب طب في السنة الثانية في إحدى جامعات تركيا.
على الرغم من وعود الحماية والحصانة من قبل النّظام السّوري والضّامن الرّوسي، بعد المصالحات التي تمّت بين الفصائل والنّظام، إلّا أنّ الشهادات التي أدلى بها الناس على الأرض تحكي قصة “كذب وخيانة” … قصة قد تتنبّأ بالخطر لمن يفكرون في العودة.
أكّد “بهاء” – أحد الشباب الذين شهدوا فترة الحصار في الغوطة الشرقية – أنّ الاستخفاف بحياة الإنسان الذي شَهدْته خلال فترة حصار الغوطة الشرقية من قبل النّظام السّوري، يؤكد على عدم ثقته في أي صفقة تتم مع هذا النّظام، وأنّ جميع وعوده بعدم الاعتقال وتسوية أوضاع الشباب هي كذبة كبيرة.
وأضاف: نحن إرهابيون بالنسبة لهم، لا يمكننا البقاء أو العودة في ظل سيطرة قوات النّظام السّوري على مدن وبلدات غوطتي دمشق”
وحتى اليوم … لا تزال معظم المدن والبلدات تَرْزَحُ تحت الأنقاض، يُخيّم عليها الظّلام في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي المستمر عن المدن والبلدات، كما أنّ شبكات المياه مازالت مقطوعة عن عدد من الأحياء، ويغيب المشهد الحضري عن العديد من المناطق، التي أُغلقت طرقها بفعل الرّكام والدّمار الناتج عن سنوات من القصف الهمجي والعشوائي.
