من القلب إلى القلب.. العنف الأسري مأساةٌ يعززها الخوف

syria press_ أنباء سوريا

كانت تعلم أن الأمر لا يتطلب سوى اتصال واحد وسريع لتبدأ بالخطوة الأولى نحو الخلاص، ورغم معرفتها بذلك لم تستطع “أ.ع ” الضغط على الأرقام الثلاثة 911 وطلب المساعدة من الشرطة ضد العنف الأسري اليومي الذي تتعرض له من زوجها هي وأولادها، كان يراقبها دائماً وشعرت بأنها إذا أجرت هذا الاتصال سيعرف بذلك ولن تصل الشرطة في الوقت المناسب وسينفذ تهديده الدائم لها بقتلها.

تعيش “أ.ع” حالة من العنف والضرب والتهديد المستمر على يد زوجها منذ 2018، أي بعد وصولهما إلى أوروبا، وتفاقمت الحالة بعد جائحة الكورونا وفرض قيود البقاء في المنزل مما سمح له أن يلازمها معظم الوقت، ليصبح العنف يومياً وحتى وصل للتهديد بقتلها هي وأولادها.

إحصاءات صادمة حول العنف ضد المرأة:

لا يقتصر العنف ضد المرأة على العنف الجسدي، بل يتعداه إلى الاستغلال والتعذيب والعنف الجنسي والنفسي، مثل التعنيف من الشريك أو من الأهل، النساء ضحايا الإتجار بالبشر والعمل بالدعارة، حالات الختان وغيرها الكثير.

ويشير موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن واحدة من ثلاث نساء حول العالم تعرضن لعنف جسدي أو جنسي مرة واحدة في حياتهن على الأقل وغالباً يكون ذلك من قبل الشريك الحميم، وتصل نسبة النساء المعنفات في بعض البلدان إلى 70 بالمئة، كما يؤكد الموقع أن 37 بالمئة من النساء في العالم العربي قد تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه النسبة قد تكون حقيقة أعلى بكثير وذلك بسبب عدم قدرة الأمم المتحدة على توثيق كل الحالات، إذا أشارت أن 6 من كل 10 نساء معنفات لا يخبرن أي جهة عن أنهن معنفات، فيما الجزء الآخر ذكر الأمر للأصدقاء أو العائلة وليس للشرطة.

تعرف الأمم المتحدة العنف ضد المرأة بأنه: “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”.

أسباب العنف الأسري ضد المرأة

1-   المعايير الاجتماعية: تستند المعايير الاجتماعية في العديد من الدول وخاصة الدول العربية على مفهوم الهيمنة الذكورية ومنح الرجل حق السيطرة واللجوء إلى العنف كوسيلة لحل النزاعات مع المرأة حيث تقوم العادات والتقاليد والمفاهيم الدينية والفتاوى المختلفة بتمكين طريقة التفكير هذه وتقويتها.

2-   الأسباب السياسية والقانونية: تلعب قوانين معظم الدول العربية دوراً هاماً في زيادة العنف ضد المرأة وذلك من خلال خلق بيئة تسمح به وتبرر له وذلك بسبب محدودية القانون وعدم قدرته على حماية المرأة، حيث لا يوجد عقوبات حاسمة لمن يمارس العنف ضد المرأة، أو يسهل الإفلات من العقاب في حال وجوده.

مما يضعف من ثقة المرأة بالجهات المسؤولة التي يمكن أن تتوجه لها، وفي كثير من الأحيان لا تقوم بتقديم شكوى مما يسبب استمرار العنف الممارس ضدها وازدياد وتيرته في كثير من الأحيان.

3-   الأسباب النفسية: تعود الأسباب النفسية للتنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الطفل في البيت والمدرسة والمحيط المجتمعي، بينت العديد من الدراسات أن المعنفين عانوا في طفولتهم من سوء تربية الوالدين بما فيها العقاب الجسدي، الإهمال، الانفصال عن أسرهم وغيرها.

كما أن العنف ينتج عن الشعور الدائم بالغضب بسبب الإحباط واليأس والشعور بالدونية والعجز، وعدم وجود الوعي الكافي والتوازن النفسي يعمل على تحويل الغضب إلى عنف موجه إلى العائلة أو المرأة الشريكة.

ازدياد العنف الأسري بعد الوصول إلى دول اللجوء والمهجر

في معظم الحالات يخاف الرجل من سقوط هيمنته الذكورية ضمن مجتمعات تعزز حقوق المرأة وحريتها بل وتمنحها حقوقاً أعلى من الرجل.

كما تبدأ المرأة بمعرفة حقوقها وقدراتها على الانسجام في المجتمع الجديد الذي يحاول تمكينها وإعطاءها الفرصة لتندمج وتستقل مادياً ومعنوياً.

ومع سقوط أصنام ومعتقدات المجتمعات الشرقية أو المجتمعات الذكورية وانفتاح المرأة على قدراتها، يحاول بعض الرجال فرض سلطتهم بطريقة العنف والتسلط، والتي وفي مجتمعات تحترم القوانين لن تنعكس سوى سلباً على المعنف.

خاتمة

بعد محاولات عدة باءت بالفشل لإقناع “أ.ع” للاتصال بالشرطة قامت إحدى جاراتها بعد سماع صوت بكاء الأطفال وصراخ الأم بالاتصال بالشرطة، وهذه المرة لم تخف “أ.ع” بل أخبرت الشرطة بما حدث مع عرض الكدمات والآثار التي تركها على جسدها، إضافة لشهادة أطفالها، قامت برفع دعوى وكتابة محضر ضد المدعو زوجها لتتلقى دعماً كاملاً من الجهات المسؤولة في بلد يحترم الإنسان وحقوقه.

الخوف في مثل هذه الحالات هو من حالة النكوص أو الندم وإسقاط الدعوى ضد الزوج بحجة عدم القدرة على تحمل المسؤوليات لوحدها، لتعود لدائرة العنف والأذى النفسي والجسدي.

لا يمكن للمرأة أن تقف في وجه كل هذا إذا لم يتم توعيتها وتمكينها في المجتمع، ولا يمكن لأم أن تحمي أطفالها وتزرع بهم الثقة بالنفس والقوة والإرادة إذا لم تمتلك هذه الصفات، مازلنا في البداية والبداية هي خطوة، خطوة تبدأ من العائلة ومن الأطفال، ومن جيل يقدس حقوق الإنسان وحريته.

إيناس عامر _ موقع القبضة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version